زحمة استحقاقات تتجمّع وهي مرتبطة بتطورات الملف اللبناني، أولها قمة النورماندي بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون، وثانيها، المساعي القطرية المبذولة في سبيل العمل على إنتاج تسوية سياسية بالإضافة إلى الاهتمام القطري بوضع جبهة الجنوب والدخول على خطّ البحث عن وقف لإطلاق النار انطلاقاً من دور قطر التفاوضي حول الوضع في غزة، وثالثها، زيارة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان الى الفاتيكان والبحث مع المسؤولين هناك في ملف لبنان بانتظار الزيارة التي سيجريها امين سر دولة الفاتيكان بييترو بارولين الى بيروت للمشاركة في احتفال، لكنه أيضاً سيبحث في ملف الوصول الى تسوية سياسية انطلاقاً من الحرص على الموقع المسيحي الأول في الشرق، أما رابعها فهي زيارة قائد الجيش جوزيف عون للولايات المتحدة حيث سيكون له سلسلة لقاءات بعضها في الكونغرس الأميركي.
في فرنسا، حضر ملف لبنان بين الرئيسين الفرنسي والأميركي، وسط تشديد على ضرورة المحافظة على الاستقرار ومنع توسع الصراع بين «حزب الله» وإسرائيل، بالإضافة الى استمرار المساعي الدولية لسد الفراغ الرئاسي وإعادة تشكيل السلطة. وسعى الفرنسيون لانتزاع غطاء جديد من الأميركيين حول تحركهم على الساحة اللبنانية. ذلك لا ينفصل عن المسار الأميركي مع دولة قطر اذ تؤكد المعلومات وجود تنسيق قطري – أميركي حول لبنان، بما في ذلك ملف الجنوب والتهدئة وملف رئاسة الجمهورية.
وفي هذا السياق، تشير مصادر دبلوماسية الى أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين قد أجرى زيارة للدوحة قبل فترة وبحث مع المسؤولين هناك سبل التعاون حول لبنان، والسعي لتكريس التهدئة والاستقرار في الجنوب، بالإضافة الى البحث في ملفات النفط والغاز. كما أن هوكشتاين يبدو مهتماً بتسوية سياسية داخل لبنان تكون انعكاساً لأي تسوية على الحدود الجنوبية.
وأمام هذه الوقائع تتكون وجهة نظر لبنان أن الوصول الى اتفاق على وقف اطلاق النار في الجنوب من جهة، وإنجاز تسوية سياسية في الداخل من جهة أخرى سيكونان مرتبطين بعضهما ببعض. وفي هذا السياق تشير المصادر الى ان قطر تبدي اهتماماً اساسياً بتطبيق القرار 1701 وارساء الهدوء جنوباً وعلى هذا العنوان تركزت زيارة الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني الأسبوع الفائت الى بيروت، حيث عقد لقاءات أهمها كانت مع المعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين الخليل، والمعاون السياسي للرئيس نبيه بري علي حسن خليل، بالإضافة الى لقائه المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري، ومدير المخابرات في الجيش اللبناني طوني قهوجي، علماً بأن بن فهد لم يلتق بقائد الجيش وهو ما يفسره كثيرون بأنه اشارة قطرية الى التراجع عن دعم خيار قائد الجيش للرئاسة في ظل الاعتراض عليه من جانب الثنائي الشيعي، ومن زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل، في حين تسعى الدوحة الى تحقيق أكبر قدر من التوافق بين اللبنانيين.
وبعد زيارة بن فهد توجه النائب علي حسن خليل الى الدوحة حيث عقد لقاءات مع مختلف المسؤولين كمكلف من الثنائي الشيعي لمواكبة المفاوضات حول الجنوب وحول رئاسة الجمهورية، كما زار وفد من القوات اللبنانية العاصمة القطرية وسط معلومات تفيد بأن قطر تسعى للعمل على مسارين، الأول ارساء كتلة نيابية وسطية تتألف من الحزب الاشتراكي، و«التيار الوطني»، وكتلة نواب الاعتدال وبعض المستقلين، وقد تصبح هذه الكتلة هي المقررة في التوازنات، والمسار الثاني العمل على توفير تواصل غير مباشر بين «حزب الله» والقوات اللبنانية من خلال نبيه بري، وذلك يأتي تحضيراً للمرحلة المقبلة.
على الضفة الأخرى، فقد بدأ قائد الجيش جوزيف عون زيارة للولايات المتحدة، حيث سيكون له لقاءات في الكونغرس ومع مسؤولين أميركيين وفي وزارة الدفاع ايضاً للبحث في احتياجات الجيش اللبناني حول تثبيت الهدوء في الجنوب وتطبيق القرار 1701. كما سيكون لقائد الجيش لقاءات مع مجموعات لبنانية ستنظم له عشاءً واسعاً بحضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون، وهناك من يعطي انطباعات سياسية لهذه الزيارة بوصفها تحمل دعماً أميركياً موصوفاً لخيار قائد الجيش.
وأمام هذه الوقائع، لا تزال الرسائل الدولية تتوارد الى لبنان حول ضرورة إنجاز تسوية في الجنوب وفي الداخل لتجنب التصعيد الإسرائيلي، لأن بعض المصادر تنقل عن الفرنسيين مخاوفهم من درجة الخطورة التي وصلت اليها الأوضاع بين «حزب الله» وإسرائيل، وأنه في حال عدم انجاز تفاهم سريع فإن توسيع الصراع سيكون حتمياً.