إيقاع تمدد “حلقة النار” على جبهة لبنان بيد مَن؟

في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يحاول «اللحاقَ حتى الباب» بالالتزام الذي «جدّده» رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمقترَح الذي قدّمه الرئيس جو بايدن في شأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتَبادُل الأسرى والذي تبنّاه مجلس الأمن، ليل الإثنين بقيتْ جبهةُ جنوب لبنان منصةً لمعادلاتٍ متبادَلة بين «حزب الله» وإسرائيل في الأرض والجوّ على حافة حربٍ واسعةٍ لا يريدها الطرفان ولكن احتمالات حصولها تبقى ماثلةً وسط انغماس كل منهما في محاولاتِ فرْض إيقاع المعركة الحالية المحدودة وجعْل الآخَر يلتزم به، في الجغرافيا وعلى مستوى الضربات ونوعيتها.

وفيما كان بلينكن يَستدعي دَعْماً لمشروع بايدن من قيادة «حماس» داخل غزة بوصْفه معياراً لترحيبٍ يُعتدّ به في المسار الشائك لتَجاوُز الألغام الأخطر في «سلّة الحل» الممرْحَل ببنوده المتشابكة والمتعلّقة بـ «اليوم التالي» للحرب وأفقه السياسي كما بضماناتِ إنهائها، مضى «حزب الله» وإسرائيل في المُكاسَرة التي تترنّح بين الناعمة والخشنة تبعاً لمقتضيات معاودة ضبْط توازن الرعب المانع حتى الساعة للصِدام الكبير، الأوّل مُكَرِّساً الجولان السوري المحتلّ كأحد عناصر الردّ الموجع على كل خرق لخط أحمر في الميدان، والثانية موجِّهة رسالة حيال حرية حركتها في عموم الأجواء اللبنانية.

فبعد معادلة «الهرمز 900 مقابل الهرمل» على الحدود اللبنانية – السورية التي استهدفتها إسرائيل بغاراتٍ عدة ليل الاثنين، للمرة الأولى منذ بدء الحرب، عاود «حزب الله» إدخالَ الجولان في صلب معادلة الردع حيث «قصف مقر فوج المدفعية ولواء المدرعات التابع لفرقة الجولان 210 في ثكنة يردن بعشرات صواريخ الكاتيوشا»، قبل أن يخيّم شبحُ الاستهداف للمرة الأولى فوق حيفا التي دبّ الذعرُ فيها مع «شيء ما» حصل واستدعى دويّ صافرات الإنذار وهلع السكان وراوَح بين، تقارير عن مسيَّرة للحزب دخلت وتم اعتراضها، وبين إعلان الجيش الإسرائيلي أن الصافرات انطلقت «بسبب أحد الصواريخ الاعتراضية وليس بسبب صاروخ آت»، وذلك بعدما كان أعلن انه اعترض «هدفا جوياً مشبوهاً» قبالة ساحل حيفا من دون وقوع إصابات أو أضرار.

وجاءت هذه التطورات غداة يوم مشهود، بدأ بإسقاط المُسيّرة الإسرائيلية طراز «هرمز 900» وانتهى بغاراتٍ على منطقة حوش السيد علي في منطقة الهرمل، وبإعلان الإعلام الحربي في «حزب الله» أن عناصره في وحدة الدفاع الجوي ‏تصدّت منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء لطائرة معادية انتهكت الأجواء ‏اللبنانية، وأطلقت في اتجاهها صاروخ أرض – جو ما أجبرها على مغادرة ‏الأجواء اللبنانية على الفور.‏

«ضربة الهرمل»

وتوقفت وسائل إعلام إسرائيلية أمس، عند «ضربة الهرمل» على بُعد 130 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، معتبرة أن الحزب يُرَكِّز كل أصوله الإستراتيجية في البقاع، ولافتة إلى أن تل أبيب «تريد أن تبعث برسالة واضحة للأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصرالله مفادها بأن لديها حرية الحركة الجوية في الأجواء اللبنانية»، وسط تقارير أشارت إلى أن الغارات أدت إلى سقوط 3 عناصر من الحزب (وسقط أيضاً 3 جرحى) وأنها استهدفت بتسعة صواريخ «رتلاً من صهاريج النفط ومبنى في محلة حوش السيد علي دُمر بالكامل».

وفيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن ضربات جوية استهدفت رتل شاحنات قرب منطقة القصير الحدودية والتي يسيطر «حزب الله» على جانبيها السوري واللبناني، أعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرات مُقاتِلة قصفت مجمعاً كبيراً للحزب في عمق لبنان، موضحاً «أن المنشأة الموجودة في منطقة بعلبك تابعة للوحدة 4400 التابعة لحزب الله والمكلفة بحشد القوة اللوجستية»، بما في ذلك تسليم الأسلحة إلى لبنان وداخل البلاد، وأن هذه الضربات جاءت رداً على إسقاط الحزب طائرة عسكرية من دون طيار فوق جنوب لبنان يوم الاثنين.

وفي موازاة هذه التطورات النوعية، نفّذت مسيَّرة إسرائيلية قبل ظهر أمس، غارة استهدفت بلدة الناقورة حيث سقط شخص، إلى جانب قصف بلدات جنوبية عدة، في وقت ذُكر في إسرائيل، أن 8 فرق إطفاء تعمل في الشمال بعد اندلاع حرائق تسبب بها قصف «حزب الله»، وأن مصادر تحدّثت عن «انتهاء موسم السباحة في الشواطئ الشمالية في إسرائيل خوفاً من القصف».

وإذ نفّذ الحزب سلسلة عمليات ضد مواقع عسكرية إسرائيلية بينها «استهداف تجمُّع لجنود العدو في ‏حرش برعام»، وآخر في محيط مستوطنة نطوعا، كانت صحيفة «معاريف» تنشر تقريراً عن أنَّ الجيش الإسرائيلي يُواصل تحركاته لزيادة الاستعداد للحرب ضدّ لبنان، كاشفة أنّ التدريبات للعديد من الألوية المقاتلة مازالت مستمرة استعداداً لحملةٍ عسكريّة ضد الحزب، ومشيرة إلى «أنَّ لواءين، الأول مشاة والثاني خاص بـ (المظليين) سيكونان ضمن الألوية المعنية بجبهة لبنان، وأن التحضيرات قائمة أيضاً على صعيد (الفرقة 36) المسؤولة عن توفير النيران سواء جوياً أو مدفعياً».

قاسم

في موازاة ذلك، كان نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم يؤكد أن«القدرات النوعية لدى المقاومة مكّنتها من حصْر المعركة وفرض إيقاعها وأجبرتْ العدو على الخضوع لهذا الإيقاع».

وإذ استبعد حرباً شاملة، شدّد على «أنه إذا ذهب العدو إلى مثل هذه الحرب فلن نتردد لحظة في خوضها، والإسرائيلي يعرف ذلك تماماً».

وأضاف: «هذه أول حرب نخوضها ونستفيد من عبرها فيما لاتزال جارية».

ومن منطقة البحر الميت، حيث ألقى كلمة لبنان في أعمال مؤتمر «الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة»، اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ «نهج التدمير الذي تتبعه إسرائيل لا سابق له في التاريخ ونختبره يومياً في لبنان على أرض جنوبنا الغالي».

وأضاف «جنوبنا وأهله في نكبة حقيقية لا وصف لها والعدوان المستمر يمعن في القتل والتدمير والحرق الممنهج محوّلاً جنوب لبنان أرضاً قاحلة ومحروقة».

اترك تعليق