شهدت الجبهة الجنوبية يوم أمس تصعيداً من غير نوع، تصعيد سياسي- إعلامي حمل في طياته تهديدات غير مسبوقة من قبل “حزب الله” وإسرائيل، ورسائل متطايرة تزامنت مع مُحاولات الولايات المتحدة تهدئة الاشتباك والتوصّل نحو اتفاق وقف إطلاق النار.
إذ وبعد وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان، وخلال لقاءاته، بث إعلام “حزب الله” مقطع فيديو طويل لمسيّرة أطلق عليها اسم “هدهد”، وظهرت في الفيديو خرائط المناطق الإسرائيلية الشمالية والمواقع العسكرية الاستراتيجية، بالإضافة إلى مواقع أخرى مهمّة كالميناء وغيرها.
هذا الفيديو قوبل بتهديد إسرائيلي لافت وخطوات عملانية، إذ قال وزير الخارجية إسرائيل كاتس “نقترب جداً من لحظة اتخاذ قرار بتغيير قواعد اللعبة ضدّ حزب الله ولبنان”، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي المصادقة على خطّة لهجوم على لبنان.
في السياسة، فإن لهذه التهديدات “النوعية” دلالة من إثنين، الأولى وهي المرجّحة تقول إن طرفي الصراع لا يوافقا على الطرح الأميركي الذي يحمله هوكستين والجواب كان عبر التهديدات، أما الثاني الذي يلفت إليه بعض المتابعين يقول إن هذه التهديدات تسبق لحظة التسوية.
ويستذكر المتابعون ما حصل قبل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حينما تصاعدت وتيرة التهديدات، وخصوصاً من قبل “حزب الله” الذي قال إن حقل كاريش تحت مرمى نيرانه، لكن الظروف تختلف بين الأمس واليوم، ولا يبدو أن المنطقة تتجه نحو أي حلول.
خبراء عسكريون وأمنيون يُشيرون إلى أن فيديو “حزب الله” يحمل رسائل متعدّدة ولكل صوب، الأولى لإسرائيل، مفادها أن المسيّرات قادرة على اختراق العمق الإسرائيلي، والثانية مفادها أن لدى الحزب بنك من الأهداف التي حدّدها في الفيديو، وقادر على استهدافها في حال استدعى الأمر.
وبالنسبة لبنك الأهداف، فمن الواضح أن “حزب الله” ركّز في الفيديو الذي نشره على ثلاثة مستويات، المستوى الأول هو المواقع العسكرية والصناعات الدفاعية، والمستوى الثاني هو التجمعات السكّانية التي يقطنها عشرات آلاف المستوطنين، والمستوى الثالث هو المصالح الاقتصادية، كميناء حيفا وغيره من المواقع.
وبرأي الخبراء، فإن ثمّة رسائل للولايات المتحدة أيضاً، وليس من باب الصدفة أن يُنشر الفيديو تزامناً مع زيارة هوكستين إلى لبنان، وهذا ما قاله “حزب الله” بصريح العبارة حينما روّج للفيديو، إذ قال إنه سينشر فيديو “بغاية الأهمية تزامناً مع زيارة هوكشتاين”.
والرسالة للولايات المتحدة مفادها أن الطرح الأميركي لتسوية الوضع بين “حزب الله” وإسرائيل جنوباً ليس مقبولاً، وهذا التهديد هو بمثابة الرد على طلبات التهدئة، وبالتالي فإن زيارة هوكشتاين قد تكون فشلت قبل أن تنتهي أساساً، علماً أن الموفد الأميركي عاد إلى إسرائيل مع انتهاء زيارته إلى لبنان.
وفي سياق زيارة هوكشتاين إلى لبنان، فإن الموفد الأميركي حمل إشارات سلبية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفق ما نقل إعلام عبري، الذي قال إن نتنياهو طلب من هوكشتاين نقل رسالة محددة مفادها إما انسحاب “حزب الله” إلى ما وراء الليطاني الآن وإمّا الحرب.
إلى ذلك، وبعد الهدوء النسبي الذي شهدته الجبهة الجنوبية خلال أيام عيد الأضحى، ومع توقف “حزب الله” عن عملياته، أعلن يوم أمس الثلاثاء العودة إلى مهاجمة المواقع الإسرائيلية بالمسيّرات والصواريخ، كما قام سلاح الجو الإسرائيلي باستهداف سيارة في البرغلية قضاء صور.
وفي الداخل الإسرائيلي، يبدو أن الأزمات تتعمّق مع استمرار خروج تظاهرات تُطالب نتنياهو بإبرام إتفاق تبادل أسرى أو الاستقالة، وفي هذا الإطار، حذّر نتنياهو من “حرب أهلية يجب ألا تحدث في إسرائيل”، متهماً ما وصفها بـ”أقلية متطرفة بممارسة العنف”، معتبراً أنها “لا تمثل أغلبية الشعب”.
في المحصلة، ووفق ما تؤكّد مؤشرات الميدان والسياسة، فإن لا مكان للتهدئة أو التسويات، خصوصاً وأن إسرائيل تستغل الوضع الأمني في غزّة وعند حدودها الشمالية مع لبنان لتغيير المعادلات الأمنية، ولا يبدو أنها ستفوّت فرص الحرب والدعم الغربي لها لفرض موازين جديدة، وبالتالي، فإن لبنان باقٍ في مهب الرياح الإسرائيلية المتطرّفة.