لا قرار إسرائيلياً بالحرب

هي المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات بين الدول هذا الكم من التواصل والتنسيق والسعي والضغط، والكدّ في العمل، من أجل إنهاء حرب أو تحقيق وقف إطلاق نار. الولايات المتحدة الأميركية، مصر، قطر، ودول أخرى غربية وعربية تسعى للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للوصول إلى وقف الحرب على غزة، أو القبول بالصفقة المطروحة لإطلاق سراح الرهائن، والتفاوض على اليوم التالي في القطاع، مع مؤشرات تفيد بأن هناك قناعة دولية وإسرائيلية وعربية، وحتى لدى حماس، بأن الأخبرة لن تكون هي المسيطرة أمنياً وعسكرياً وسياسياً على القطاع بعد الحرب. ولكن وجودها ونفوذها وتأثيرها وحضورها سيبقى قائماً، لأنه لا يمكن لأحد أن يتجاوزها.

خطوتا بايدن
أصبح جو بايدن بحاجة ماسّة إلى إنجاز ديبلوماسي يعزز حظوظه في معركته الانتخابية، في ظل ضغوط يتعرّض لها من داخل حزبه الديموقراطي، للانسحاب من السباق الرئاسي لصالح مرشّح آخر. يقدم بايدن على خطوتين، الأولى الدعم المطلق لحلف الناتو ولأوكرانيا، بعدما أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن تزويد كييف بطائرات أف 16. كما أعلنت واشنطن عن نشر صواريخ متطورة جداً في ألمانيا. أما الخطوة الثانية التي يسعى بايدن إلى تحقيقها، فهي إنجاز الاتفاق في غزة، حتى أن هناك تلميحات أميركية بأنه في حال تحققت الصفقة التي اقترحها، يمكنه حينها الانسحاب من السباق لصالح مرشح ديموقراطي آخر.
طبعاً الضغط الأميركي المتزايد على إسرائيل، من قبل إدارة بايدن سيستدعي رداً إسرائيلياً من خلال التقارب مع الجمهوريين. وهو ما يراهن عليه بنيامين نتنياهو في أثناء زيارته إلى واشنطن وإلقاء خطاب في الكونغرس.

المعطيات التي تتحدث عن أن بايدن يمكن أن ينسحب من السباق في حال حقق الصفقة في غزة، تؤشر إلى وضع كلّ الضغوط الإسرائيلية التي سيمارسها نتنياهو على كاهل الرجل “المنسحب”. لكن في حال رضخ نتنياهو ولو مؤقتاً لما يريده بايدن، يكون الديمقراطيون قد حققوا وقف إطلاق النار في غزة، كإنجاز لهم، ومن ثم يتبرأون من سياسات بايدن، ليستميلوا إسرائيل مجدداً، بما يسعفهم في الانتخابات الرئاسية.

ضفتا إسرائيل وأبواب نصرالله
تتكثف الضغوط الاميركية على نتنياهو، فيما تقول مصادر ديبلوماسية إن هناك ضفتين في إسرائيل، الأولى لنتنياهو والمتطرفين في حكومته، والذين يرفضون وقف الحرب، ويسعون لتعطيل الصفقة. والضفة الثانية، هي لوزير الدفاع يوآف غالانت والجيش الإسرائيلي وعدد من المعارضين، الذين يؤيدون الصفقة ويسعون إلى وقف الحرب والبحث عن اليوم التالي.
من الواضح أن هذا الكباش في الداخل الإسرائيلي يمنع تل أبيب من التفكير في فتح جبهة جديدة ضد لبنان وحزب الله. وهذا ما يعرفه الحزب جيداً. وقد عبّر عنه على لسان الأمين العام السيد حسن نصرالله، والذي قال بوضوح إن جبهة لبنان مرتبطة بغزة، ومع وقف إطلاق النار هناك فإن الحزب سيوقف إطلاق النار من دون نقاش. ترك نصرالله كل الأبواب مفتوحة للتفاوض في مرحلة ما بعد الحرب. وهذا مؤشر كبير سياسياً، حول المرحلة التي يسعى إليها الحزب مستقبلاً إلى جانب إيران. فلا يمكن فصل موقف نصرالله عن الافتتاحية التي نشرها الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان في صحيفة “العربي الجديد”، وأشار فيها إلى الاستعداد للتقارب مع القوى الإقليمية والدولية.

لا استعداد للحرب
ذلك لا يمكن أن ينفصل عن المقابلة التي أجرتها شبكة سي. أن. أن الأميركية مع النائب ابراهيم الموسوي، والتي لا يمكن أن تحصل صدفة. إذ ليس من السهل أن يظهر نائب ممثل لحزب مصنّف إرهابياً من قبل الأميركيين على إحدى أهم شبكاتهم. مع الإشارة إلى قدرة الموسوي على مخاطبة العقل الغربي والأميركي تحديداً. وهذا ما يلمسه أيضاً الموفدون الدوليون الذين يتواصلون مباشرة مع الحزب.

أمام هذه المؤشرات، لا بد من التوقف عند معطيات جديدة ترد من إسرائيل، وينقلها بعض الذين زاروها مؤخراً من مسؤولين دوليين. إذ، بحسب المعلومات، لم يلمس هؤلاء أي حسم إسرائيلي بقرار توسيع الحرب مع لبنان وضد حزب الله، بل بقاؤها في الخانة القائمة راهناً. ولم يكن هناك جهوزية أو استعداد إسرائيلي لشن حرب موسعة. والأرجح، لا يزال الخيار الإسرائيلي هو الوصول إلى تسوية ديبلوماسية توفّر حلاً لإعادة السكان على جانبي الحدود مع ضمانات. وهذا ما سيسرّع وتيرة التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة، بالتزامن مع اقتراب موعد التجديد لقوات اليونيفيل.

اترك تعليق