تَشبّعت التسوية التي رافقت حلّ أزمة نتائج الكلّية الحربية بكمّ كبير من الرسائل السياسية التي ستطبع تطوّرات المرحلة المُقبِلة الساخنة داخلياً على صعيد رئاسة الجمهورية وفتحت باكراً ملفّ التمديد المحتمل لقائد الجيش العماد جوزف عون وعودة الحديث مجدّداً عمّا إذا الحكومة ستتولّى “المُهمّة” هذه المرّة وليس مجلس النواب كما حصل في التمديد الأوّل.
قد تكون إحدى الرسائل السياسية الأكثر وضوحاً التي أفرزتها “تسوية الحربية” ما أدلى به وسيط الأزمة وزير الثقافة محمد بسام مرتضى إلى محطة “الجديد” قبل أيام حين لفت إلى أنّ “قائد الجيش بوصفه مرشّحاً لرئاسة الجمهورية يَفرض عليه ذلك أن لا يترك أزمة في الجيش إلا وتُحلّ داخل المؤسّسة العسكرية. حقّ العماد عون ومن يرى أنّه مرشّح لرئاسة الجمهورية بهذا الواقع، لكنّ هذا الأمر يفرض عليه أن ينبري للتعاون إلى أبعد الحدود من أجل حلّ الأزمات. هذا شرط لأنّ من ينجح داخل مؤسّسته يعزّز الانطباع بأنّه مؤهّل أن يتولّى حلّ المشاكل السياسية خارج المؤسّسة”.
قد تكون إحدى الرسائل السياسية الأكثر وضوحاً التي أفرزتها “تسوية الحربية” ما أدلى به وسيط الأزمة وزير الثقافة محمد بسام مرتضى إلى محطة “الجديد” قبل أيام
رسالة من الحزب؟
أهمّية كلام مرتضى ترتكز على شقّين: الأوّل تلميح الوزير مرتضى من بين السطور إلى أنّ قائد الجيش هو الذي تراجع خطوة إلى الوراء ولهذا قال ما قاله، موحياً باحتمال تقريش “تعاون” القائد ومرونته في الاستحقاق الرئاسي لاحقاً. والثاني كون مرتضى يتكلّم ليس فقط باسم الرئيس نبيه بري بل الحزب الذي يؤكّد كثيرون أنّ الأخير يتّكل عليه ويثق به في عدّة ملفّات وداخل الحكومة، وقُرب الوزير مرتضى من الحزب أثار الكثير من الغبار والانتقادات له من داخل حركة “أمل”.
وفق معلومات “أساس” طُبِخ الحلّ بتفاصيله بين الرئيس برّي ورئيس الحكومة ووزير الدفاع بتنسيق مع الحزب فيما تولّى الوزير مرتضى نقل الاقتراحات وتوفير التخريجة في الإعلام مُفعَمة بالرسائل. عملياً، “طَلَبَها” الرئيس بري من القائد ووافق الأخير.
بتأكيد مطّلعين، جرى تواصل مباشر بين الرئيس برّي وقائد الجيش وتمنّى عليه السير بالحلّ المقترح بالقبول بفتح دورة ثانية يتمّ إلحاق الناجحين في الدورة الأولى بها على أن يقوم وزير الدفاع لاحقاً بتوقيع قرار إعلان أسماء الناجحين في الدورتين معاً. كما تمّ الاتفاق على رفع العدد المطلوب في الدورة الثانية من 55 إلى 82 ليصبح العدد 200.
وفق معلومات “أساس” طُبِخ الحلّ بتفاصيله بين الرئيس برّي ورئيس الحكومة ووزير الدفاع بتنسيق مع الحزب فيما تولّى الوزير مرتضى نقل الاقتراحات
بعد الحربيّة… أزمات!
هنا يؤكّد مطّلعون أنّ قائد الجيش لم يكن في كلّ مراحل الأزمة ضدّ مبدأ فتح دورة ثانية بسبب حاجة الجيش والأجهزة الأمنية إلى التطويع، لكنّ المشكلة كانت تكمن في تيقّنه، وهذا ما قاله أمام لجنة الدفاع النيابية، بأنّ النتائج قد لا تأتي أيضاً على قدر التوقّعات، خصوصاً لدى المسيحيين بسبب التمنّع عن التقدّم بطلبات للالتحاق بالكلّية الحربية، مع توجّسه من احتمال عدم رفع المستوى عن الدورة الأولى.
كما تؤكّد المعطيات أنّ التسوية شملت حصراً ملفّ الحربية، وهذا ما دفع مصدراً سياسياً إلى التأكيد أنّ الآثار الإيجابية لها لا تتعدّى هذا الملفّ في ظلّ استحكام الخلاف السياسي بين قائد الجيش وكلّ من جبران باسيل ووزير الدفاع، وبقاء أكثر من ملفّ عالق، خصوصاً ملفّ رئيس الأركان والتمديد المحتمل لقائد الجيش.
كما أنّه لا يمكن من الآن معرفة طريقة تعاطي المجلس العسكري الذي يرأسه قائد الجيش مع الرغبة السياسية بتطويع 82 تلميذاً ضابطاً إضافياً إذا لم تكن بعض نتائج التطويع مقبولة لجهة العلامات والـ IQ، خصوصاً أنّ المجلس العسكري هو صاحب الصلاحية حصراً بإصدار النتائج. فهل يتجدّد الخلاف إذا وجد المجلس العسكري أنّ هناك استحالة بقبول تطويع هذا العدد بسبب ضعف العلامات وعدم توافر المواصفات المطلوبة؟
من غير المعروف أيضاً كيفية تعاطي قائد الجيش مع عضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب (يحال إلى التقاعد في أيلول المقبل) الذي مدّد له وزير الدفاع خدمته العسكرية بناءً على قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنيّة. وهذه من الخلافات المُستحكمة بين الوزير والقائد، وما بينهما ظلّ جبران باسيل.
هنا تؤكّد أوساط وزارية لـ “أساس” أنّه “لم يعد هناك أيّ لبس قانوني حيال الناجحين في الدورة الأولى وبات لديهم droit acquis، أي حقّ مكتسب
الوزير يُعلن كسبه الجولة
بمطلق الأحوال، أعلن وزير الدفاع مورس سليم بنفسه ربحه “جولة الحربية” حين قال في مقابلة مع قناة “الحرّة” إنّ الخلافات مع قائد الجيش ليست شخصية بل بسبب عدم التزام الأخير بالقانون و”لاعتبارات موضوعية”، رابطاً تجاوز القائد للقانون بـ “العادة التي تطبع أداء بعض قادة الجيش بتجاوز صلاحيّات وزير الدفاع”، ومؤكّداً أنّ “الوسطاء تحدّثوا مع قائد الجيش حول الحلّ الأفضل الذي طرحته أنا، وهذا ما حصل بفتح دورة ثانية لاستئناف دورة الحربية”.
عمليّاً، بالنقاط يمكن القول إنّ الميزان “طَبَشَ” أكثر لمصلحة وزير الدفاع، فمقابل قبول الأخير بالتغاضي عن “علامات” من اعتبر أنّهم غير مؤهّلين لدخول “الحربية” والتغاضي عمّا اعتبره “عيباً جوهرياً ومُبطِلاً لكلّ النتائج حين أجرى القائد مباراة التطويع من دون توقيع الوزير على قرار إعلان أسماء المؤهّلين للمشاركة في المباراة”، فإنّ الوزير سليم فَرَض خياره بفتح دورة ثانية وربطها بالدورة الأولى، بمعنى صدور نتائجها معاً وليس عبر فصل الدورتين كما طالب قائد الجيش. كما لبّى العماد عون طَلَب برّي وميقاتي بتأييد من باسيل وقوى سياسية رفع عدد المتطوّعين إلى الحربية.
جلسة الخميس
هنا تبرز نقطة قانونية مُلتبِسة: هل يكتفي مجلس الوزراء في جلسته غداً بتعديل قراره الصادر في 17 آب الماضي بموافقته على تطويع 173 برفع العدد إلى 200 (مطلب وزير الدفاع)، أم يُصدر قراراً منفصلاً بالموافقة على تطويع 82 تلميذاً ضابطاً (مطلب قائد الجيش)؟