كشف استطلاع رأي أجراه “الباروميتر العربي” عن وجهة نظر اللبنانيين تجاه حزب الله وكيفية تشكل آراءهم حوله في المرحلة التالية من النزاع في الشرق الأوسط، أنه على الرغم من أن حزب الله قوة محركة كبرى في السياسة اللبنانية، ورغم تمتعه بمستويات عالية من الدعم في صفوف السكان الشيعة، فهو لا يتمتع بدعم عريض في كافة أنحاء لبنان. في المقابل، يتفق الكثير من اللبنانيين مع بعض مواقف حزب الله المبدئية، ويدعمون بقدر كبير حقوق الفلسطينيين ويدينون إسرائيل على تصرفاتها في غزة. وقد ارتفعت نسبة دعم اللبنانيين، من غير الشيعة، لدور حزب الله في الشأن الإقليمي، والسبب هو مقاومة حزب الله لإسرائيل في أعقاب انطلاق الحرب في غزة. وإذا شنّت إسرائيل أي غزو للبنان لمهاجمة حزب الله، فمن المرجح أن تزيد نسب الدعم أكثر.
مستوى الثقة بحزب الله
بشكل عام، يقول 30 بالمئة من اللبنانيين إن لديهم قدراً هائلاً أو كبيراً جداً من الثقة في حزب الله، في حين يقول 55 بالمئة إنهم لا يثقون فيه إطلاقاً. وتتباين مستويات الثقة حسب الطائفة. بين السكان الشيعة، يقول 85 بالمئة إنهم يثقون جداً أو يثقون في حزب الله. بالمقارنة، يقول 9 بالمئة فقط من السنة والدروز ذلك، وتبلغ النسبة 6 بالمئة في صفوف المسيحيين. ومنذ استطلاع الباروميتر العربي الأخير في لبنان عام 2022، زادت معدلات الثقة في حزب الله في أوساط الشيعة بواقع 7 نقاط مئوية، لكن لم تتغير في أوساط المسيحيين والسنة والدروز.
وفق الاستطلاع لا يوجد دعم عريض في لبنان لدور حزب الله في السياسة الإقليمية. الثلث فقط يقولون إنهم يؤيدون أو يؤيدون بشدة مقولة أن تدخل حزب الله في السياسة الإقليمية مفيد للمنطقة، بينما يقول عدد كبير –بواقع 42 بالمئة– إنهم يعارضون هذه المقولة بشدة. ولم يكن من المدهش أن الشيعة في لبنان هم الأكثر إقبالاً على تصنيف دور حزب الله الإقليمي تصنيفاً إيجابياً (بواقع 78 بالمئة)، مقارنة بـ13 بالمئة فقط في أوساط السنة، و12 بالمئة في حالة المسيحيين، و16 بالمئة بالنسبة إلى الدروز. لكن زادت التصورات الإيجابية حول دور حزب الله في السياسة الإقليمية بواقع 9 نقاط مئوية منذ 2022. ويجدر بالملاحظة أن هذه الزيادة في الدعم لم تأت من صفوف الشيعة، الذين ظلت آراؤهم حول هذه المسألة كما هي لم تتغير على مدار العامين الأخيرين. إنما جاء الدعم الإضافي من الطوائف الأخرى؛ إذ زادت التصورات الإيجابية لدور حزب الله الإقليمي 10 نقاط مئوية في صفوف الدروز، وبلغت الزيادة 8 نقاط مئوية في صفوف السنة، و7 نقاط مئوية في صفوف المسيحيين.
مستوى تأييد سياسات حزب الله
رجّح الاستطلاع سبب ارتفاع مستوى التصورات الإيجابية لدور حزب الله في السياسة الإقليمية كنوع من التعاطف مع موقف حزب الله من إسرائيل، وليس كدعم عميق وحقيقي للحزب. يشعر اللبنانيون من جميع الطوائف بالغضب الشديد من حملة إسرائيل العسكرية في غزة. فعلى قائمة من سبعة مصطلحات تتراوح من “النزاع” إلى “الإبادة الجماعية”، كانت المصطلحات الأكثر اختياراً لوصف العمليات العسكرية في غزة هي “الإبادة الجماعية” (36 بالمئة من المستطلعين اختاروا هذا المصطلح) و”المجزرة” (25 بالمئة). في الوقت نفسه، يقول 78 بالمئة من اللبنانيين إن قصف إسرائيل لغزة يمثل “أعمالاً إرهابية” مقارنة بـ11 بالمئة فقط ممن يصفون هجمات حزب الله على شمال إسرائيل بـ”الإرهاب”.
الرأي من الولايات المتحدة الأميركية
بما يتعلق بإيران الراعي الرئيسي لحزب الله، يحمل 36 بالمئة من اللبنانيين آراء إيجابية للغاية أو إلى حد ما تجاهها. ونرى هنا التقسيمة الطائفية: 80 بالمئة من الشيعة يحملون هذه الآراء الإيجابية، مقارنة بـ26 بالمئة فقط من الدروز، و15 بالمئة من السنة، و15 بالمئة من المسيحيين. رغم هذا المستوى المنخفض عموماً للدعم، فالآراء الإيجابية نحو إيران قد زادت بواقع 8 نقاط مئوية منذ 2022، ويحرك هذه الزيادة بالأساس تغيّر آراء الطوائف غير الشيعية. لقد تحسنت صورة إيران كثيراً في صفوف الدروز (بواقع 9 نقاط مئوية) ثم المسيحيين (5 نقاط) والسنة (4 نقاط).
هذا التحوّل تجاه إيران –لا سيما في صفوف الطوائف غير الشيعية في لبنان– اقترن بانهيار الدعم الشعبي اللبناني للولايات المتحدة الأميركية. في 2024، يعرب 27 بالمئة فقط من اللبنانيين عن آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن كانت النسبة 42 بالمئة في 2022. المسيحيون هم الأكثر إقبالاً على الآراء الإيجابية تجاه أميركا (49 بالمئة)، ثم الدروز (32 بالمئة) والسنة (25 بالمئة). وفي صفوف الشيعة، فالنسبة متدنية للغاية، لا تزيد عن 5 بالمئة. والتغيّر الأكبر في النسبة كان في صفوف الدروز، حيث تراجعت نسبة تفضيل سياسات الولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة 31 نقطة مئوية. وتراجعت النسبة 13 نقطة مئوية في صفوف المسيحيين، و11 نقطة في صفوف السنة، و8 نقاط بالنسبة إلى الشيعة.
نظراً لأهمية الحرب في غزة، كانت إحدى نتائج الاستطلاع مدهشة إلى حد ما: من بين جميع الشعوب العربية السبعة التي شملها استطلاع الباروميتر العربي منذ سبتمبر/أيلول 2023، كان اللبنانيون هم الأكثر اهتماماً بضرورة أن تعلي إدارة الرئيس الأميركي بايدن أولوية التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط على القضية الفلسطينية. هذه نتيجة مدهشة، بما أن أغلب اللبنانيين يشعرون بقدر هائل من التعاطف مع الفلسطينيين ويحملون ريبة عميقة إزاء سياسات واشنطن. تسلط هذه النتيجة الضوء على مدى تدهور الظروف في لبنان في الآونة الأخيرة. الحق أن المستطلعين في لبنان كانوا قابلين بشكل عام لفكرة تلقي المساعدة من الأطراف الخارجية؛ إذ يدعم 62 بالمئة عقد الحكومة اللبنانية صفقة مع صندوق النقد الدولي في 2022 لإنقاذ لبنان مالياً، حتى وإن كانت بعض شروط الاتفاق غير جيدة في تقديرهم.
عدو عدوّي صديقي
يلتفت اللبنانيون إلى الأطراف الخارجية لأن الأزمة السياسية والمالية القائمة دمّرت ثقة المواطنين في حكومتهم وقوضت ثقتهم في القيادات الدينية. يعرب المواطنون اللبنانيون عن أدنى مستوى ثقة في القيادات والمؤسسات السياسية قياساً إلى أية دولة أخرى شملها استطلاع الباروميتر العربي. إذ يقول 9 من كل 10 لبنانيين أن ليس لديهم ثقة كبيرة أو إنهم يفتقرون تماماً إلى الثقة في حكومتهم والبرلمان والرئيس ورئيس الوزراء. في المقابل، المؤسسة الحكومية الوحيدة التي تتمتع بقدر من المصداقية في نظر اللبنانيين هي القوات المسلحة اللبنانية، وتبلغ معدلات الثقة فيها 85 بالمئة من جميع المستطلعين.
مع إقدام إسرائيل وحزب الله على التفكير في تصعيد النزاع بينهما، تقدير السياق الذي قد تندلع فيه حرب جديدة: إنها فترة هشاشة ويأس عميق في لبنان. يبقى المواطنون اللبنانيون حذرون إلى حد بعيد من حزب الله (وإيران)، لكن الجميع تقريباً روّعتهم حرب إسرائيل في غزة، وزاد دعم وتقدير البعض لتصدي حزب الله عسكرياً لإسرائيل. إن المنطق الأساسي هنا “عدو عدوي صديقي”، يُرجح أن يضرب بجذوره أعمق وأعمق في صفوف اللبنانيين إذا اختارت إسرائيل شنّ حرب أكبر على الحزب، لا سيما إذا قامت القوات الإسرائيلية بغزو لبنان. العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان -إذا انطلقت- من شأنها أن تعظّم كثيراً من الصعوبات التي يواجهها المواطنون العاديون بالفعل، وسوف يرى الكثيرون في دعم حزب الله حلاً عملياً للدفاع عن الوطن، مما سيصعب على إسرائيل أكثر تحقيق أهدافها.
في الوقت نفسه، إذا نُظر إلى حزب الله بصفته الطرف الذي تسبب في توسيع رقعة الحرب لتشمل لبنان، فقد يخسر هامش الدعم المحدود الذي ربحه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول من الكتل غير الشيعية في لبنان. لا يرغب المواطن اللبناني في حرب على أرض بلده. إذا اندلعت حرب ولام المواطنون حزب الله؛ فقد تتراجع شعبيته. نظراً للآراء السلبية للغاية التي يحملها اللبنانيون تجاه تصرفات إسرائيل في غزة، فمن غير المرجح إذا حدث تراجع في هامش دعم حزب الله المحدود الذي جدّ مؤخراً أن يقترن هذا بأي تغير إيجابي في الآراء نحو إسرائيل.