مرّة أخرى يُترَك اللبنانيون لقدرهم. الحرب الحقيقية على الأبواب إذا “صَدقت” التهديدات المتبادلة. لكن قبل أن يقع المحظور يتكفّل أهل البلد المنكوب بحماية أنفسهم بأنفسهم ليعلقوا بين يدي ميليشيات تأجير المنازل الذين حوّلوا شقق بحمدون إلى نيويورك ثانية، إضافة إلى مزاج التجّار برفع الأسعار من دون رادع بعد التهافت على شراء الموادّ الغذائية. الهاجس الأكبر مصير أهل الضاحية إذا صارت في مرمى الصواريخ الإسرائيلية لأنّه لا خطّ ترانزيت مفتوحاً صوب سوريا… والأبشع التهديد الفعليّ بالعتمة الشاملة بعدما ضاق العراقيون ذرعاً بكذب الحكومة اللبنانية عليهم!!
منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي يقترب لبنان لأوّل مرّة من حالة حرب حقيقية بعد تسعة أشهر من “طوفان الأقصى” وحرب الإسناد من جانب الحزب. حجم الزلزال الإقليمي الممتدّ من طهران إلى عمق الضاحية مروراً ببغداد واليمن أدخَلَ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مُرغَمةً مناخات الاستعداد لحرب أو معركة كبرى لا أحد قادر على تخمين توقيتها ولا طول عمرها ولا قدرة البلد المُفلِس والمنهار على تجاوزها.
في اجتماع الحكومة الطارئ في 31 تموز الماضي إثر الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الذي استهدف المسؤول العسكري الأوّل في الحزب فؤاد شكر لم يَخرج المجتمعون بخطّة واضحة لـ “اليوم التالي” في حال قرّرت إيران الردّ “بقساوة” على اغتيال مسؤول حركة “حماس” إسماعيل هنية أو تجاوز الحزب الخطوط الحمر في ردّة فعله على اغتيال قائده العسكري الكبير.
تؤكد مصادر مطلعة أنّ “هناك تخلّياً رسمياً كاملاً عن قطاع الكهرباء في السياسة والموازنات، باستثناء تخصيص الحكومة سلفة خزينة لشركة الكهرباء
خطّة طوارئ
ثمّة خطّة طوارئ مُنجَزة على الورق وتستدعي التفعيل التلقائي في حال دخول لبنان المحظور، لكنّ مصادر مطّلعة تجزم أنّ “الوضع كارثي لأنّه على الرغم من كلّ الجهوزية التي تحاول الحكومة الإيحاء بوجودها فإنّ وضع الوزارات المعنيّة بحالة الحرب غير مطمئن إطلاقاً، ففي الجلسة الأخيرة مثلاً كان وزير الصحّة يطلق صرخة استغاثة بسبب احتجاز وزارة المال لمستحقّات وزارة الصحّة الذي يعيق شراء كمّيات إضافية من الأدوية وتخزينها أو دفع مستحقّات المستشفيات التي قد تتمنّع عن استقبال حالات الطوارئ، وهو ما دفع الحكومة إلى إطلاق زرّ الاتّفاقات بالتراضي في أكثر من وزارة لاستجابة أكبر لحاجات الأرض الطارئة في حال دخول نفق الحرب”.
تضيف المصادر: “هناك موادّ غذائية وطبّية ومستلزمات أساسية كافية لأشهر، لكن من سيتمكّن من لجم “توحّش” أصحاب الاحتكارات ومستغلّي الفرص في الأزمات؟ وكيف يمكن إجراء إجلاء حقيقي لأهل الضاحية والجوار وما بقي من قرى الجنوب في حال أصبحت تحت مرمى النيران الإسرائيلية؟ وكيف يمكن التصدّي لاحتمال نفاد المحروقات في حال ضرب الموانئ اللبنانية؟”، مشيرة إلى “تسلّم وزارة الصحّة منذ أيام مساعدات طبّية واستشفائية طارئة من منظمة الصحة العالمية، وهذا أمر إيجابي، لكنّ سلبيّته تكمن في أنّ المناخ الدولي يشي بأنّ الحرب قد تقع فعلاً في لبنان، والدليل الأكبر استنفار السفارات في دعوة رعاياها إلى مغادرة بيروت فوراً والترتيبات التي تتّخذها شركات لبنانية كبيرة لها اسمها العالمي للانتقال إلى مناطق يفترض أنّها آمنة لإدارة أعمالها من هذه المكاتب”.
ميقاتي لا ينام
لكن فعليّاً أكثر ما يُقلق رئيس الحكومة ويَحرمه النوم احتمال إنهاء بغداد مهزلة النفط العراقي “ببلاش” المستمرّة منذ أيلول 2021. فبالأوراق والاجتماعات والوعود الرسمية ثَبُت “ضحك” حكومة ميقاتي على العراق مع تخلّفها المستمرّ عن دفع قيمة المتوجّب عليها لقاء شحنات النفط الخام التي أنقذت لبنان حتى الآن من العتمة الشاملة والتي تتجاوز مليار دولار.
حتى الآن يرفض مصرف لبنان تحويل ثمن شحنات الفيول إلى حساب الحكومة العراقية
وفق المعلومات، انتهت فترة السماح. وعلى الرغم من زيارة رئيس الحكومة في 31 تموز الماضي للعراق واجتماعه مع رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني على رأس وفد وزاري وعودته بوعد بعدم ترك لبنان، إلا أنّ معظم المسؤولين العراقيين أقفلوا خطوطهم في الأيام الماضية بعدما تيقّنوا أنّ الحكومة اللبنانية تستمرّ في التحايل على العراقيين وتتهرّب من الدفع بعد تقصيرها الفاضح في إنشاء المنصّة التي تتيح تبادل النفط بسلع خدماتية من لبنان لأسباب لم تقنع العراقيين الذين يسجّلون راهناً الرقم الأعلى في عدد السيّاح في لبنان ويبدون إيجابية كبيرة في تقديم المساعدة والمؤازرة في كافة المجالات.
يُمكِن الجزم أنّ العراقيين قدّموا نموذجاً في “ضبط النفس” حيال التقاعس الرسمي اللبناني في دفع مستحقّات شحنات الفيول على مدى نحو سنتين. أربع ساعات يومياً من الكهرباء على حساب العراقيين والحكومة مطنشة، خصوصاً أنّها تعلم بأنّ الفيول ليس مجّانياً وبغداد ليست كاريتاس على الرغم من وقوفها إلى جانب لبنان ودعمه.
العتمة
في الساعات الماضية بدا رئيس الحكومة ووزير الطاقة وليد فياض في “بوز مدفع” مواجهة العتمة، فيما فاض “واتساب” الوزير فياض على “غروب الوزراء” بالرعب من الوقوع في العتمة الشاملة إذا لم تفرّغ البواخر العراقية حمولتها من شحنات الفيول ما يعني توقف معمليّ دير عمار والزهراني نهائياً، واستطراداً احتمال توقّف مرافق أساسية عن العمل بينها مطار بيروت والمرفأ وإدارات أساسية.
لكن في اللحظات الأخيرة استجاب العراقيون مجدداً للمناشدات اللبنانية على أعلى مستوى والطلب الملحّ بمراعاة ظرف الحرب فصدرت التعليمات من مجلس الوزراء العراقي الذي انعقد أمس بالتحميل والتفريغ عند الوصول إلى الموانئ اللبنانية و”ذلك لمرة أخيرة!”.
يُذكَر أنّ مصرف لبنان سدّد للعراق ما نسبته نحو 120 مليون دولار عن أولى الشحنات التي وصلت، ثمّ توقّف عن الدفع مشترطاً إصدار قانون لتغطية التحويلات الماليّة.
وزير الطاقة سمع خلال زيارة الوفد اللبناني الأخيرة لبغداد أنّ باخرة الفيول ستفرّغ حمولتها في الوقت المحدّد مبشّراً بأنّ “لبنان لن يقع في العتمة”.
في المقابل، تؤكد مصادر مطلعة أنّ “هناك تخلّياً رسمياً كاملاً عن قطاع الكهرباء في السياسة والموازنات، باستثناء تخصيص الحكومة سلفة خزينة لشركة الكهرباء بقيمة 6850 مليار ليرة هي بمثابة متوجّبات على الدولة عن تشغيل إداراتها ووزاراتها”.
أين القانون؟
حتى الآن يرفض مصرف لبنان تحويل ثمن شحنات الفيول إلى حساب الحكومة العراقية بسبب عدم إقرار قانون في مجلس النواب يقونن تخصيص اعتماد في الموازنة لتسديد ثمن شحنات الفيول، وهو ما دفع قبل أيام شركة النفط العراقية “سومو” إلى التلويح بوقف تزويد لبنان بالنفط الخام. هنا دبّ ميقاتي وفيّاض “الولي” وبدأت الاتصالات مع الجانب العراقي الغارق أيضاً بحمّى الحرب المحتملة في المنطقة.
هكذا في الأشهر المنصرمة نجح مجلس النواب في التمديد لقادة الأجهزة، لكنّه لم يقرّ قانون تمويل النفط العراقي الذي يهدّد عدم صدوره بانقطاع الكهرباء عن مكاتب قادة هذه الأجهزة؟
إذاً لا منصّة ولا قانون ولا التزام بالدفع. وفي الساعات الأخيرة عاش ميقاتي وفيّاض ووزير المال على أعصابهم خوفاً من الكارثة بعدما خضع تفريغ باخرة الفيول للتداول بين الأجهزة الرسمية العراقية، من رئيس الحكومة محمد شيّاع السوداني ونزولاً بسبب تخلّف لبنان عن الدفع. مع العلم أنّ وزير الطاقة وليد فيّاض سمع خلال زيارة الوفد اللبناني الأخيرة لبغداد أنّ باخرة الفيول ستفرّغ حمولتها في الوقت المحدّد مبشّراً بأنّ “لبنان لن يقع في العتمة”.