“قواعد الاشتباك” تتساقط

رغم تمسّك «حزب الله» بمعادلة «الردود المدروسة» التي تندرج ضمن قواعد الاشتباك التي سبق أن وضعها، تعكس المواجهات مع إسرائيل وتصاعدها منذ 8 تشرين الأول سقوطاً تدريجياً لهذه القواعد، في وقت يسود الترقب لما ستكون عليه ردّة فعل «حزب الله» على اغتيال الرجل الثاني فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما كان قد أعلن أمينه العام، حسن نصر الله، أن الضاحية مقابل تل أبيب.

وفي حين يرى البعض أن قواعد الاشتباك لم تعد موجودة، أو لا يمكن الحديث عنها أساساً بين الطرفين، هناك من يعدّ أنها لم تسقط، وإنما باتت على المحك، ومصيرها يتحدد وفق الرد الذي سيقوم به «حزب الله» في ثأره لاغتيال شكر، وما سيليه من رد فعل عليه، بعدما أعلن نصر الله أن الرد سيكون «مدروساً قوياً وفاعلاً».

مع العلم بأن معادلة «الضاحية – تل أبيب» لم تنفذ عند اغتيال القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، حين ردّ الحزب بقصف جبل ميرون، برشقات صاروخية، في موازاة تجاوز القصف الإسرائيلي مسافة بعيدة في العمق اللبناني، وملاحقة عناصر وقياديي «حزب الله» في مختلف المناطق. وإضافة إلى ذلك، فإن تهديد «حزب الله» أن الدم بالدم، والمدنيين مقابل مدنيين، لا تبدو مفاعيله كبيرة على الأرض؛ انطلاقاً من العدد الكبير للقتلى المدنيين في لبنان مقابل عدد محدود في إسرائيل، بحيث تشير الأرقام إلى سقوط أكثر من 116 مدنياً في لبنان، و25 في إسرائيل.

ويعدّ العميد المتقاعد، الخبير العسكري، حسن جوني، أنه لا يمكن القول إن قواعد الاشتباك سقطت كلياً، لكنها لم تعد كما كانت عليه منذ بداية الحرب، مع تسجيل اختراقات كبيرة، بحيث سيتحدد مصيرها بشكل نهائي في نوعية رد «حزب الله» على اغتيال شكر وطبيعته، ليظهر عما إذا كانت هذه القواعد، ولا سيما بعناوينها العريضة، لا تزال موجودة أو سيجري الخروج عنها.

ويعدّ جوني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن اغتيال شكر لم يكن استهدافاً عسكرياً للضاحية، إنما استهداف لشخص معين سمحت الثغرة الأمنية باغتياله في هذه المنطقة، «وبالتالي لا نعرف كيف سيتعاطى (حزب الله) معها، بحيث سيستهدف تل أبيب انطلاقاً من المعادلة التي وضعها أم لا».

ويشير جوني إلى اختراقات إسرائيلية كبيرة في «قواعد الاشتباك»، ترتبط باستهداف عمق جنوب لبنان من دون أن يكون في المقابل استهداف للعمق الإسرائيلي بالمستوى نفسه، إضافة إلى أن قوّة تأثير الاستهداف الإسرائيلي في البيئة العسكرية لـ«حزب الله» هي أقوى بكثير من قوة الردود.

وعن معادلة مدني مقابل مدني، كما اغتيال قياديين في «حزب الله»، يقر جوني بأن الخسائر في لبنان أكبر من تلك التي تُسجل في إسرائيل، ويوضح: «يحاول الحزب المحافظة على هذه المعادلة بقصف مستوطنات مدنية رداً على استهداف المدنيين، لكن لا شك في أن الأضرار ليست بالمستوى الذي ينتج عن الاعتداءات الإسرائيلية في لبنان، في حين تستمر تل أبيب باغتيالاتها، ولم تردعها الردود التي ينفذها (حزب الله)». وانطلاقاً من كل ذلك، يرى جوني «أن المعركة غير تقليدية بين الطرفين، لأن القتال هو بين جيش تقليدي ومجموعات مسلحة مقاومة مع اختلاف في التوازنات، وبالتالي مهما كان الرد لا بد أنه سيكون مؤثراً…».

في المقابل، يؤكد الخبير العسكري، العميد الركن المتقاعد خالد حمادة، أنه في المصطلحات الأكاديمية لا يوجد ما يمكن تسميته بـ«قواعد اشتباك» بين عدوّين، إنما قواعد الاشتباك تكون بين جيشين حليفين أو صديقين يؤديان مهمة مشتركة، وهي عبارة عن مجموعة قواعد وإجراءات بهدف تسهيل تنفيذ المهام العسكرية، بأفضل الممكن، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قواعد اشتباك بين الجيش اللبناني و(قوات اليونيفيل)، كما أن القرار 1701 الذي صدر إثر حرب تموز 2006، هو يعني لبنان و(قوات اليونيفيل) وإسرائيل، و(حزب الله) ليس طرفاً فيه».

أما لجهة المواجهة الميدانية القائمة، فيرى حمادة، أن «إسرائيل تعتمد في مناورتها على مهاجمة مواقع وأهداف عسكرية، وتغتال قياديين من (حزب الله) بطريقة انتقائية من الصف الثاني والثالث، مستخدمة الأسلحة النوعية والتكنولوجية من ملاحقة الاتصالات والتشويش والتصوير الجوي، إضافة إلى اعتماد على العملاء في الداخل، وقد تمكنت في الاعتداء الأخير من اغتيال فؤاد شكر، القيادي في الصف الأول، في المقابل، تقوم مناورة (حزب الله) على إطلاق صواريخ تقليدية، تستهدف مراكز عسكرية وجنوداً لا يمثلون قيمة عسكرية، من دون أن تؤدي إلى خسائر كبيرة، مقارنة بتلك التي يتكبدها لبنان و(حزب الله)». من هنا، يعد حمادة، أن كل ذلك يثبت أن «إيران تحاذر الاشتباك الكبير والمواجهة الفاصلة مع إسرائيل، لامتناعها عن وضع الأسلحة الذكية والمتطورة التي تمتلكها بتصرف (حزب الله)».

اترك تعليق