في السياسة لا توجد تحالفات ثابتة، وتتغير وفق الظروف الداخلية اللبنانية او الاقليمية والدولية، فيقرؤها كل طرف سياسي او حزبي وفق ما يتوافق مع مبادئه وقناعاته، او مصالحه السياسية والطائفية والشخصية.
والسياسة في لبنان المتركزة على نظام طائفي، ليس فيها ثوابت او تحالفات دائمة، وهذا ما حصل في مراحل عديدة، بحيث انتقلت كل الاطراف من ضفة سياسية الى اخرى، وبعضها اقام نقداً ذاتياً لمسيرته السياسية وتحالفاته وعدّل من تموضعه السياسي، والبعض الآخر استمر على نهجه ولم يغيّر فيه، ما احدث انقسامات وانشقاقات داخل الاحزاب والتيارات السياسية.
ومن السياسيين الذين يوصفون بتبدل مواقفهم ومواقعهم هو وليد جنبلاط، والذي ورث عن والده كمال جنبلاط “الواقعية السياسية”، ويدّرب نجله تيمور الذي ورث “الزعامة الجنبلاطية” على ان يتبعها ويمارسها في اطار اللعبة الداخلية اللبنانية، وهذا ما نقرؤه في التاريخ السياسي لآل جنبلاط الحديث او القديم منه.
فمنذ دخوله المعترك السياسي بعد اغتيال والده الشهيد كمال جنبلاط في 16 آذار 1977، مر رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق بمراحل سياسية متعددة، واختار تحالفات وفق الظرف الداخلي والخارجي وكما تفرض مصالحه، فاعاد التحالف مع النظام السوري بعد اربعين يوماً من مقتل والده، وترأس بعدها الحركة الوطنية واستمر على تحالفه مع المقاومة الفلسطينية، وكان معارضا شديداً لعهد امين الجميل الذي وصل الى رئاسة الجمهورية في ظل الاحتلال الاسرائيلي صيف 1982، بعد اغتيال شقيقه بشير الذي كان انتخب رئيساً للجمهورية.
فانخرط جنبلاط في “جبهة الخلاص الوطني” التي كان من اركانها مع الرئيس الاسبق سليمان فرنجية ونبيه بري، فتم اسقاط اتفاق 17 ايار مع العدو الاسرائيلي، وتموضع زعيم المختارة في حلف مع سوريا، التي بدأ يدعوها منذ العام 2000 الى الانسحاب من لبنان، وان يسلم حزب الله سلاحه الى الجيش، فاختار جنبلاط الاب خطاً سياسياً مغايراً وانتقل الى الفريق الملتصق باميركا ودول خليجية بعد اغتيال رفيق الحريري. وعزز تموضعه الجديد بما سُمي “فريق 14 آذار” صداقته للسفير الاميركي في لبنان جيفري فيلتمان، التي ساهمت بلاده مع فرنسا في اصدار القرار 1559 عن مجلس الامن والذي يدعو الى نزع سلاح الميليشيات (حزب الله) وانسحاب القوات السورية وعدم التمديد للرئيس اميل لحود برفض تعديل المادة 49 من الدستور.
هذا التموضع الجنبلاطي من خارج الموقع الوطني التاريخي، لم يمنعه من اقامة”تحالف رباعي” في الانتخابات النيابية عام 2005 ضم كلا من “تيار المستقبل” و”التقدمي الاشتركي” من جهة، والثنائي “امل” وحزب الله من جهة ثانية، وشقت صفوف 14 آذار، لكن التزامه السياسي لم يتغير لجهة تسليم حزب الله لسلاحه، والذي دفع اميركا بـ “اسرائيل الى ان تقوم هي بالمهمة بشن حرب في صيف 2006، التي فشل فيها العدو الاسرائيلي في تحقيق هدفه. واعترف جنبلاط بانتصار المقاومة وخداع اميركا له، والتي استمرت في الضغط على حلفائها القدامى والجدد لتفكيك شبكة اتصالات حزب الله، فحصلت احداث 8 ايار ايضا.
وفتح صفحة مع حزب الله كان وسيطها حليفه نبيه بري وذهب الى سوريا بعد مصالحة السعودية معها في عهد الملك عبدالله عام 2009، لكنه مع بدء الاحداث فيها عام 2011، وما سمي “الربيع العربي”، وقف ضد النظام مع المعارضة السورية ظناً منه ان الرئيس بشار الاسد سيسقط خلال ايام واسابيع، لكنه اخطأ في الحساب وصمد النظام، وعادت اليه دول عربية قاطعته.
فهذه المسيرة السياسية لجنبلاط، طرحت السؤال حول تأييده لحزب الله ومقاومته للاحتلال الاسرائيلي في الجنوب على الا تتوسع الحرب، فحافظ حزب الله على قواعد الاشتباك، وابقى المواجهة في مساحة جغرافية محددة لا تتعدى 5 كلم. واذا وسعت “اسرائيل” عدوانها، يرد عليها بالمكان المناسب. وهذا ما ترك جنبلاط يطمئن الى الدور المساند لحزب الله مع غزة التي وقف الى جانبها، لانه ورث عن والده السير على خط فلسطين، فزار الضاحية الجنوبية معزياً قيادة المقاومة بالشهيد فؤاد شكر، كما عزى برئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في مسجد الامين وسط بيروت.
هذا التقارب مع حزب الله الذي شكر امينه العام السيد حسن نصرالله لجنبلاط على موقفه الوطني، هل يترجم في الداخل اللبناني لا سيما انتخاب رئيس للجمهورية، فيؤيد مرشح الثنائي “امل” وحزب الله سليمان فرنجية؟ هذا ما لا يراه عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبدالله، ربطاً بما يعبّر عنه جنبلاط او الحزب “الاشتراكي” من دعم للمقاومة وفلسطين في مسائل لبنانية داخلية كمثل رئاسة الجمهورية، ويقول لـ “الديار” لا يجوز صرف او “تقريش” موضوع وجودي في التفاصيل اللبنانية، فما يحصل في فلسطين سواء في غزة او الضفة الغربية وفي جنوب لبنان من عدوان اسرائيلي، لا يمكن اسقاطه على قضايا داخلية لبنانية.
واكد ان ما اعلنه جنبلاط الاب ويعبر عنه نجله تيمور هي ثوابت وطنية وقومية، لا يمكن زجها في زواريب السياسة اللبنانية، وهو الموقف نفسه الذي تم اعتماده في اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، وفتح اهل الجبل بيوتهم للنازحين من الجنوب والضاحية الجنوبية، وهذا ما يتكرر في هذه المرحلة، لان مواجهة العدوان الاسرائيلي يجب ان توحّد الجميع، وهذا ما يمارسه الحزب الاشتراكي.
اما ما يتعلق بالموقف المؤيد لحزب الله، هل ستكون له انعكاسات ايجابية على ان يقف جنبلاط في رئاسة الجمهورية مع خيار حزب الله، فيرد عبدالله بان هذا الموضوع لا يمكن مقاربته الآن قبل انتهاء الحرب على غزة، وعودة الهدوء الى جبهة الجنوب، ومعرفة النتائج التي ستفرزها، وان رئاسة الجمهروية تحصل وترتبط بظروف داخلية وخارجية، والتسوية التي يمكن التوصل اليها.
اما حزب الله الذي يقدر عالياً موقف جنبلاط فلا يربطه برئاسة الجمهورية، لان الحزب سبق له واعلن فك ارتباط بين الوضع في الجنوب وانتخابات رئاسة الجمهورية، وهي سابقة للحرب على غزة وجبهة الاسناد في الجنوب، ويشير مصدر نيابي في “كتلة الوفاء للمقاومة” الى ان موقف “اللقاء الديموقراطي” في رئاسة الجمهورية كان مع ميشال معوض ثم جهاد ازعور، وانتقل الى موقف وسطي، ويؤيد الحوار الذي طرحه الرئيس نبيه بري، ولم يتم الحديث مع جنبلاط في موضوع رئاسة الجمهورية والحرب قائمة.