على رغم المسؤولية التي يحمّلها سياسيون كثر لـ”حزب الله” عن فتح جبهة الجنوب في الحرب ضد إسرائيل مساندة لغزة أو مشاغلة لإسرائيل، تعرب مصادر ديبلوماسية عن اعتقادها بأن أحد أبرز الموانع أمام توسيع “حزب الله” عملياته القتالية ضد إسرائيل على رغم الضربات النوعية التي تلقاها باغتيال قادة أو كوادر له كانت ولا تزال ترتبط بالواقع الانهياري في لبنان اقتصادياً في الدرجة الأولى وما يتصل بذلك على كل المستويات.
فهذا الواقع الذي بدأ في 2019 وكانت اتجاهاته واضحة منذ بداية عهد حليف الحزب الرئيس ميشال عون لا يزال يلقي بثقله في لبنان لا سيما في ظل عدم إتاحة الحزب وفق ما تحمّله أطراف سياسية عدة إعادة تشكيل السلطة السياسية واستفادته من ذلك في تعزيز سيطرته على الدولة اللبنانية. ولكن بدا ذلك مفيداً تبعاً لمقولة “رب ضارة نافعة” باعتبار أنها تنطبق على واقع الحال في حذر الحزب في استدراج إسرائيل الى حرب تدميرية للبنان ومؤذية جداً بالنسبة إليه، لا بل إن الحزب يستدرج تقديراً لذلك من بعض المراقبين الديبلوماسيين في الخارج على خلفية أن النظرة الموضوعية لما حصل في 7 تشرين الأول بعملية طوفان الاقصى التي قامت بها حركة “حماس” أنه كان متعذراً على الحزب ألا ينخرط في المعركة ضد إسرائيل حفاظاً على صدقية شعاره ومنطقه بما يسمّيه “وحدة الساحات” وعدم انهيار محور الممانعة الذي تندرج فيه حركة “حماس”.
لكنه أبقى الجبهة تحت سقف معيّن ولم يتخطّه كما تجنّب الردود التي يمكن أن تستدرج رداً إسرائيلياً قاسياً جداً على غرار القصف الذي تعرّضت له بلدة مجدل شمس حيث نفى الحزب مسؤوليته عن قصف ملعب أدى الى مقتل 12 فتى وفتاة فيها ينتمون الى الطائفة الدرزية، ولكنه الخطأ الذي كان الجميع يخشونه ولا يزالون حتى الآن حتى في الرد المحتمل الذي يقول الحزب إنه سيقوم به انتقاماً لمقتل القيادي في الحزب فؤاد شكر. فالأمين العام للحزب تحدث عن رد مدروس وعن تأنٍّ في الرد، ولكن الهامش المقلق في هذا الإطار أن لا ضمان إطلاقاً أن الرد المدروس والحكيم لن يخطئ هدفه أو يكون مؤلماً جداً ويستدرج رد فعل إسرائيلياً يفتح باب الحرب على لبنان كلاً.
المنطق الذي كان مطمئناً الى حدّ ما طيلة الأشهر العشرة الماضية بُني على اقتناع بأن إيران وإن كانت لا تأبه لتدمير لبنان أو موت لبنانيين أو سوريين أو سواهم، فإن حرباً مدمّرة واسعة قد تؤذي بقوة الحزب وسيطرته على لبنان ونفوذه الواسع كذلك مهما تكن الأذية التي يمكن أن يلحقها بإسرائيل. وهو المنطق نفسه الذي منع ولا يزال إيران من أن تُستدرج الى حرب واسعة مع إسرائيل يمكن أن تؤدي الى تضرّر مواقع حيوية داخل طهران بل أيضاً أن تُستدرج الى حرب مع الولايات المتحدة لن ترغب فيها طهران لإدراكها ميزان القوى العسكري على نحو جيد الذي لا يرجح كفتها في هذه الحال.
لفت المراقبين قول الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وتكرار مسؤولي الحزب من بعده أن الحزب سيرد رداً مؤلماً ورادعاً مهما كانت التداعيات. وهذه نقطة لا تسجّل في مصلحة الحزب في رأي هؤلاء إذ يقدم ورقة مهمة الى خصومه حول استهانته بلبنان ومصلحة أبنائه من أجل مصلحته أو مصلحة إيران علماً بأن هذا الاقتناع راسخ في أذهان لبنانيين كثر على هذا المستوى وقدّم الحزب دليلاً جديداً على ذلك بهذا القول، فيما يعتقد المراقبون الديبلوماسيون في الخارج أن الحزب عاجز عن عدم الالتفات الى ما قد يتسبّبه للبنان في ظل رعايته حكومة لتصريف الأعمال لم تقدم أي حل للأزمة الاقتصادية أو للخروج منها بينما حرب تدميرية على لبنان قد تعوق نهوضه لسنوات عدة مقبلة.
الأهمية التي تكتسبها جولة المفاوضات حول وقف النار في غزة غداً الخميس وفق ما هو مرتقب والتي استقطبت عودة موفد الرئيس الأميركي جو بايدن آموس هوكشتاين الى إسرائيل وبيروت تزامناً ترتبط بالمساعي لئلّا تشمل مفاوضات غزة وقف النار فيها وتبادل الأسرى والرهائن، بل أن تشمل أيضاً الحديث عن ضمانات للجبهة الشمالية في إسرائيل مع لبنان، إذ لن يستقيم أي وضع لإسرائيل في غزة من دون حل إشكالية ضمان عودة المستوطنين الى قراهم القريبة من الحدود. وعودة هوكشتاين لا تعني ضرورة نجاح المفاوضات في الشق الفلسطيني أو الشق اللبناني، لكن المؤكد أن إدارة بايدن تسعى الى استغلال الضغط الحاصل ديبلوماسياً وعسكرياً للوصول الى نتيجة ما قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، علماً بأن التفاؤل على هذا الصعيد هو في حدّه الأدنى نظراً إلى تعقيدات كثيرة على هذا المستوى بحيث لا يستبعد استمرار الستاتيكو القائم حتى نهاية السنة الحالية.