العودة إلى الـ١٧٠١: لبنان أسير انتظار غزّة.

استعادت بيروت حراكا ديبلوماسيا خارجيا كان مفقودا في الفترة الأخيرة. إذ توالى قدوم الموفدين الدوليين، من المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين فوزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه، ومن ثم وزير الخارجية المصرية بدر عبد العاطي. 

لا ريب أن القاسم المشترك بين الموفدين الدوليين والرسائل التي تتوالى على بيروت يتمثّل في خفض التصعيد عند الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وإقناع حزب الله بعدم الذهاب نحو تصعيد كبير ربطاً بتهديده بالثأر لاغتيال إسرائيل القائد العسكري فؤاد شكر. وتكمن نواة تلك الرسائل بوجوب العودة إلى تطبيق القرار ١٧٠١ بصيغة تنفيذية أكثر فاعلية من تلك التي سادت الفترة بين عاميّ ٢٠٠٦ و٢٠٢٣. والمأخذ المعروف أن التنفيذ في تلك الفترة كان مطاطيا سواء في لبنان أو في إسرائيل. فكانت المشاكل من الجانبين، موزعة بين الاختراقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية برا وبحرا وجوا، وبين مسألة السلاح جنوب الليطاني وإشكالية دوريات اليونيفيل المولجة وفق مندرجات القرار ١٧٠١ مراقبة أي تسليح لمجموعات خارج إطار المؤسسة العسكرية اللبنانية. وليس خافيا أن تسهيلات مشتركة بين الدولة وقيادة اليونيفيل أنتجت تعاونا بغية التخفيف من حالات الاحتكاك بين القوة الدولية وحزب الله تحت مسمّى الأهالي، وهو الأمر الذي ظلّ موضع شكوى إسرائيلية على امتداد الأعوام الـ١٨ الفائتة، وسعت واشنطن في السنوات الثلاث الأخيرة إلى تداركه عبر طرح أفكار لتعديل قواعد الاشتباك وتشديد الإجراءات الردعية الخاصة باليونيفيل. ومع أن الإدارة الأميركية استطاعت في السنوات الأخيرة إدخال تعديلات محدّدة في قرارات التمديد للقوة الدولية غير أنها لم تستطع الاستجابة الكاملة للرغبة الإسرائيلية الجامحة بجعل مهام اليونيفيل تحت قاعدة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وبات معلوما أن المشترك الأكثر حضورا في زيارات الموفدين الدوليين هو القرار ١٧٠١ كأحد أبرز عناصر عودة الاستقرار جنوبا، الأمر الذي يجده المجتمع الدولي واجبا وضروريا. لكن حزب الله المعني الأول بهذه المسألة، لا يزال على موقفه الرافض لأي نقاش خارج معادلة وقف الحرب الإسرائيلية في غزّة مقدّمة لأي بحث سواء في القرار ١٧٠١ أو ترتيب إشكالية الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، وصولا حتى إلى الملف الرئاسي. فأولوية المعركة تتقدّم على أي أولويات أخرى، ولن تتغيّر حتى تتم التسوية – الصفقة في غزة برضى حركة حماس.

لذا شكّل يومَا التفاوض غير المباشر في الدوحة بين إسرائيل والحركة، استجابة لنداء الترويكا الأميركية- المصرية- القطرية والقائم على مبادرة الرئيس جو بايدن، موضع انتظار لبناني نظرا إلى الارتباط المباشر بين نتيجة التفاوض، نجاحا أو تعثرا، وبين الوضع عند الحدود الجنوبية.

لم تكن مباحثات الدوحة بالسهلة، على الرغم من حرص واشنطن على مدّها بكل سبل إنجاحها، بما فيها الأفكار الجديدة التي طرحتها في الساعات الأخيرة، علما أن لا أحد من المعنيين، بمن فيهم المسؤولون في واشنطن الأكثر حماسة ودفعا لحصول اتفاق، كان يتوقع أن تحقق تلك المباحثات اختراقا فعليا بالنظر إلى كثرة التعقيدات والموقف المتشدد لحماس الرافض لأي تنازل بعد الثمن الكبير الذي تكبدتهُ وتكبّده القطاع بأسره، في مقابل فقدان الرغبة الحقيقية لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب وانجاح انعقاد الصفقة.

لهذه الغاية، تلقّفت الدول الثلاث ما تحقّق في المحادثات، فأصدرت بياناً مشتركاً حول مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وصفها بأنها كانت «جادة وبناءة وأُجريت في أجواء إيجابية»، واصفة الأفكار التي تضمّنها الاقتراح الأميركي بأنه «يبني على نقاط الاتفاق التي تحققت خلال الأسبوع الماضي، ويسد الفجوات المتبقية بالطريقة التي تسمح بالتنفيذ السريع للاتفاق». وستشهد الأيام المقبلة متابعة لـ «تفاصيل التنفيذ، بما في ذلك الترتيبات لتنفيذ الجزئيات الإنسانية الشاملة للاتفاق، بالإضافة إلى الجزئيات المتعلقة بالرهائن والمحتجزين»، في انتظار عودة المحادثات في القاهرة نهاية هذا الأسبوع.

وعكس هذا المناخَ الإيجابي نسبيا الرئيسُ الأميركي بإعلانه أن «الاتفاق أصبح أقرب مما كان عليه الحال قبل ٣ أيام». وليس خافيا الحاجة القصوى لدى الديموقراطيين لتحقيق الإنجاز الذي طال انتظاره، بما يؤهلهم تثميره في الحملة الرئاسية لنائبة الرئيش كامالا هاريس.

اترك تعليق