عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، ومع غياب الرئيس سعد الحريري، كثرت التكهّنات عن «فرصة» أمام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لخوض الانتخابات، والخروج منها بكتلة وازنة. غير أنه فاجأ الجميع بالعزوف عن الترشح، متحدّثاً عن استمالة نواب إليه بعد الانتخابات بدل التكلّف عليهم قبلها. عملياً، يبدو أن استراتيجية ميقاتي نجحت إلى حدّ ما. فبدل صرف المال والجهد على الحملة الانتخابية، مكّنه موقعه في رئاسة الحكومة من التواصل مع غالبية النواب السنّة واستقطابهم وبناء زعامة سنية مفترضة، مجاناً ومن دون صرف دولار واحد، علماً أنه لو خاض الانتخابات، لما تمكّن من إنجاح سوى نائب أو اثنين، فيما «اللوبي السني» الذي يلتفّ حوله اليوم «عند الجدّ» لا يقل عن 10 نواب. هكذا «قطف» ميقاتي ثمرة فراغ الساحة السنية في ظل انكفاء الحريري ليتصدّر خشبة المسرح، ويشكل مرجعية لهؤلاء النواب من مبدأ المصالح المتبادلة: يستفيدون من السراي الحكومي في الخدمات مقابل مؤازرته عند التعرض للحكومة من منطلق الدفاع عن الموقع السنّي الأول في الدولة.هكذا تمكّن ميقاتي من «ترؤّس» كتلة واسعة من النواب السنّة، تضم النائب وليد البعريني (عكار) الذي يرأس كتلة الاعتدال الوطني، ومعه النواب محمد سليمان (عكار) وأحمد الخير (المنية) وعبد العزيز الصمد (الضنية) المحسوبون سابقاً على تيار المستقبل، ورئيس تكتل «التوافق الوطني» النائب فيصل كرامي الذي وطّد علاقته برئيس الحكومة، ومعه بقية أعضاء التكتل: النائبان «المشاريعيان» طه ناجي (طرابلس) وعدنان طرابلسي (بيروت) والنائب حسن مراد (البقاع الغربي) الذي يحتفظ بعلاقة جيدة مع ميقاتي واشترى منه أخيراً رخصة جامعة العزم في طرابلس، والنائب محمد يحيى (عكار) الذي نجح على لائحة التيار الوطني الحر وبات من المقرّبين من رئيس الحكومة وممن يتردّدون إلى السراي الحكومي باستمرار. وينضوي في «تكتل ميقاتي»، أيضاً، نائب الضنية جهاد الصمد الذي دافع بشراسة عن رئيس الحكومة أخيراً بعد هجوم القوات اللبنانية عليه.
أما في بيروت، فيقتصر دعم ميقاتي على النائب نبيل بدر الذي يُعد رأس حربة في الدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة وتجمعه علاقة عمل برئيس الحكومة، فيما لم يتمكن الأخير من استمالة بقية نواب العاصمة لأسباب مختلفة، منها طموح النائب فؤاد مخزومي لدخول نادي رؤساء الحكومات، وتموضع النائب وضاح الصادق في معسكر معادٍ لميقاتي، ومعارضة النائب إبراهيم منيمنة للرؤية السياسية والاقتصادية والمالية لرئيس الحكومة.
وآخر المنضمين إلى الكتلة كان النائب الزحلي بلال الحشيمي المحسوب على نواب المعارضة وعلى الرئيس السابق فؤاد السنيورة، وكان مقرّباً من القوات اللبنانية قبل أن تنكسر الجرة بينهما أخيراً في حفلة ردود متبادلة بعد اتهام رئيس حزب القوات سمير جعجع رئيس الحكومة بالخيانة العظمى.
ولكن، هل يمكن لميقاتي التأثير فعلاً في قرارات هؤلاء النواب في الاستحقاقات التي تحتاج إلى تصويت؟ وهل يتحكّم معظمهم بقراراتهم بعيداً عن التأثير السعودي؟
تؤكد أوساط السراي أن علاقة وطيدة تربط ميقاتي بكل النواب، «ولكن من الطبيعي أن يهبّ النواب السنّة للدفاع عن رئيس الحكومة عندما يكون في الأمر تجنٍّ وتحامل كما حصل أخيراً. ففي الاعتبارات اللبنانية الطائفية وتقسيم البلد، رئيس الحكومة ممثّل للطائفة السنية، وبالتالي يصبح الدفاع عن الموقع أمراً طبيعياً». والواقع، تضيف المصادر، أن «رئيس الحكومة استطاع مراكمة نوع من الثقة بينه وبين هؤلاء النواب الذين باتوا زوّاراً دائمين، لكنه لم يطلب من أي منهم يوماً دعمه أو إصدار بيانات الرد نيابة عنه، ولا يملي إرادته وقراره على أحد».