على مدى السّنوات الأخيرة، تلاشت العلاقة بين حزب الله والتنظيم الشعبي النّاصري. اختلافات في الآراء أنتجت قطيعة منذ أكثر من سنةٍ ونصف سنة. وحرب غزة التي فتحت أبواب التواصل بين الحزب وقوى كانت على خصومة معه، لم تبثّ روحها في العلاقة مع أسامة سعد. ولم تفلح في وضع الملفّات الخلافيّة جانباً، للالتفاف حول ما يجمع الطرفين دائماً: المُقاومة.التزم الجانبان بخطوط التّماس وحضور المُناسبات الاجتماعية وتشييع الشُّهداء، وإن أدركا أنّ الفراق حتمي، حتّى كان ما قَطع شعرة معاوية: انشقاق كوادر من «التنظيم» عن النائب أسامة سعد وإعلانهم إطلاق «حركة النّصر عمل» في احتفالٍ أقيم في صيدا.
صحيح أن نائب رئيس «النصر عمل» أحمد الحر أكّد في كلمته أنّ «حركتنا لا تُعادي أحداً ولا تستعدي أحداً وغير تابعة لأحدٍ ولا مدعومة من أحد»، إلّا أنّ هذا الكلام لم يُقنع مناصري سعد الذين وضعوا ما جرى في خانة الرسائل من حزب الله، خصوصاً أن رئيس «الحركة الجديدة» هو النائب في «كتلة الوفاء للمقاومة» ملحم الحجيري، الذي يأخذ عليه أبناء «التنظيم» ترشّحه في عرسال من دون استشارة سعد عندما كان عضواً في اللجنة المركزيّة في «التنظيم» بعدما تدرّج في صفوفه مقاتلاً في «الجيش الشعبي» وضابطاً مسؤولاً عن مدفعيّته.
كلّ ذلك، يؤكد لـ«التنظيميين» أنّ الحجيري لم يكن ليطلق «الحركة» من دون «قبة باط» من حزب الله. وما زاد الطّين بلّة أنّ شركاء الحجيري في «الانقلاب» على سعد، هم: الحر وأكرم فوعاني وجواد نجم ومحمد البزري، وبعض هؤلاء خرجوا من التنظيم وبعضهم الآخر جُمّدت عضويته قبل نحو شهر على خلفيّة انتقاده سعد بسبب تناقض خطابه مع خطاب جبهة المقاومة، إذ رأى هؤلاء أن على «التنظيم» إبداء دعم أكبر لجبهة الإسناد، وأنّ خطاب سعد لا يرقى إلى تاريخ العائلة «الحافل بالنضال والمقاومة ورفع البندقيّة في وجه البندقيّة». أمّا مناصرو سعد، فقد انتظروا من المُنتقدين جلسات حوار ونقاش، لكن انقطاعهم عن الاجتماعات الحزبيّة عزّز التوجه لإصدار قرارات تجميد عضويّتهم.
كلّ ذلك، ولّد قناعة لدى سعد بأنّ الهجوم ثم الانقلاب كانا بتخطيطٍ من حزب الله، رداً على السياسة التي اتّبعها «التنظيم» منذ عام 2008، عندما أطلّت المشكلة الأولى بينه وبين الحزب، على خلفية اعتراض سعد على عمل «سرايا المقاومة» في صيدا، والتي اعتبر أن برامج التعبئة فيها بدأت تأكل من رصيده، وتلا ذلك استبعاده عن اجتماعات العاصمة القطرية التي أدّت إلى اتفاق الدوحة، قبل أن يرفض تمنّيات الحُلفاء عام 2018 بالانضمام إلى كتلة النوّاب السّنة، وما لحقها من مواقف صدّعت التحالف. وحتّى اليوم، لا يزال مسؤولو «الحزب» يتذكّرون يوم رفض «الدكتور» التدخّل الأميركي والإيراني، مساوياً بينهما، إضافةً إلى إصراره على ذكر «المقاومة الوطنيّة» من دون «المقاومة الإسلاميّة». ومع ذلك، ضبط الطّرفان ساحتهما إلى أن تضعضعت في 17 تشرين؛ عندما اعتبر سعد أن حزب الله يقف إلى جانب السلطة ضد الناس، بينما اعتبر الحزب أن سعد صار في مكان آخر.
«الدّكتور» المتمسّك بخطاب معروف ومصطفى سعد، لا يريد أن يكون تحصيلَ حاصل في جيب الحزب. وهو الذي تطغى «الحسابات الصيداويّة» ووحدة المدينة عنده على ما عداهما، بات «كتاباً غامضاً» بالنسبة إلى الحزب «المصدوم» من «تلكؤ» ابن بيت سعد في القضايا الاستراتيجيّة، ومن فتحه أبوابه للخصوم ولجمعيّات الـ«NGO».
يؤكد سعد الذي يعتبر نفسه خارج الاصطفافات والأجندات تمايزه، ويُقر بأنّ موقفه تجاه غزّة لم يكن على قدر المطلوب، من دون أن يخرج عن الثوابت في دعم المقاومة ضد العدو. ومع ذلك، يعتقد أنّ الخلافات الفلسطينيّة أربكته، كما كبّله حزب الله الذي عرقل قيام جبهة سياسيّة تمهّد لبدء أعمال عسكريّة في قرى الشريط الحدودي بالتّعاون مع الأحزاب القوميّة واليسارية والناصرية، وقبلها عمل «الحزب» على «فرط» حركة «صيدا تواجه».
طوال هذا الوقت، عانى سعد مع غياب التنسيق. وبعد «هجر» لسنوات كان «الطلاق البائن» برفض الانضواء في لائحة الثنائي في الانتخابات النيابيّة الأخيرة، ورفضه التصويت لسليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة.
برأي قيادات في التنظيم الناصري، فإن الثنائي أمل وحزب الله «لم يبلع» ما سماه «غدر الحُلفاء»، فكانت النتيجة «حرتقة» على سعد في بيته الدّاخلي. مع ذلك، يؤكد مقرّبون من الطّرفين أنّ حزب الله أكّد في الاتصالات عبر الوسطاء أنّه «غير معنيّ بالحركة التي أطلقها الحجيري الذي لم يُنسّق معنا أصلاً فيها»، رافضين ما يُحكى عن «ردّة إجر» على الانتخابات في ظلّ الأوضاع الرّاهنة والحرب القائمة على جبهة الجنوب. ويشير هؤلاء، في سياق نفي مسؤوليّة الحزب عن «الحركة التصحيحيّة»، إلى غياب أي شخصية لبنانية أو فلسطينية تدور في فلك حزب الله عن حفل إطلاق الحركة.
أكّد حزب الله أنه غير معنيّ بـ«الحركة التصحيحية»، و«التنظيم» مُرتاح لوحدة الصف الصيداوي
في المقابل، يبدو أنّ سعد المُستاء من «الانقلاب» لا يرى فيه تغيّراً حقيقياً على المستوى التنظيمي أو الصيداوي، معتبراً «أنّ مُعظمهم ليسوا من المدينة ولا يملكون فيها حيثيّة شعبيّة أو تأثيراً، وهو ما ظهر في الاحتفال». وبالتالي، فإنّه متيقّن من أنّها «حركة بلا بركة». كما أنّ «الحكيم» المسكون بهواجس «الحساسيّات الصيداويّة»، مُرتاح لردّة فعل فاعليّات المدينة ورفضها «الشحن المذهبي والطائفي» أو دخولها على خطّ خلاف «أبناء البيت الواحد»، سواء من مفتي صيدا أو بلديتها أو أحزابها أو حتّى جمعيّة التجّار فيها. كما كان موقف النائب عبد الرّحمن البزري في السياق عينه، رغم المناكفات بين الطرفين.
وما يدل على هذا الإجماع، هو «زحمة زوّار» سعد الذي التقى النائبة السابقة بهية الحريري ونجلها الأمين العام لتيّار المستقبل أحمد الحريري، ثم وفداً قيادياً من «الجماعة الإسلامية»، فيما تعمل بعض الأطراف على تنظيم لقاء صيداوي جامع الأسبوع المقبل.
في المقابل، يرفض مؤسّسو «حركة النصر عمل» الحديث عنها في الإعلام، مكتفين بما قيل في احتفال إعلان انطلاقتها، ومؤكدين «أنّنا لا نرد على ما قيل وكُتب ونعتبر أنّ المُستائين الذين يُحاولون تشويه سمعة حركتنا وأعضائها هم إخوتنا أولاً وأخيراً، وبيننا وبينهم عقود من النضال. والخلاف في الرأي لا ينبغي أن يُفسد في الود قضيّة، والوفاء للأشخاص مهم، لكن الأهم هو الوفاء للمبادئ والقيَم». وهم لا يُريدون، بحسب ما يُنقل عنهم، سوى إعادة توجيه البوصلة بعدما ساء أداء «قيادة التنظيم» في المرحلة الأخيرة حتّى «صار كالغُراب الذي أراد أن يُقلّد مشية الحجل فنسي مشيته»، مشدّدين على «أننا لسنا صناديق بريد» لأحد.