لم يكن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة يعلم أنّ الثالث من أيلول سيكون يوم مصيري بالنسبة إليه بعد رحلة تهرّب طويلة من سياق العدالة. وكان قد تبلغ الأخير من النيابة العامة التمييزية بموعد استجوابه شخصياً في قصر العدل أمس الثلاثاء الواقع في الثالث من أيلول. وقد حضر سلامة أمس إلى مبنى قصر العدل عند الحادية عشرة ظهراً يرافقه محاميه ميشال تويني وتوجّها إلى مكتب مدّعي عام التمييز جمال الحجّار لبدء جلسة الاستجواب.
في المعلومات أنّ سلامة كان مرتاحاً عند توجّهه إلى قصر العدل لعلمه بأنّ الأمور “تم تظبيطها” كالعادة وبأنّه بعد الاستجواب سيعود إلى دياره سالماً لاستكمال حياة طبيعية بعد تطمينات مؤكّدة وصلته بأنّه “عصيّ عن التوقيف”.
إلّا أنّ هذه المرة يمكن القول أنّ التطمينات خذلته “ولم تسلم الجرة هذه المرة”، فبعد استجواب مطوّل لسلامة من قِبل القاضي الحجّار شخصياً في ملف شركة OPTIMUM تحديداً، الذي دام لغاية الثالثة 3:00 بعد الظهر أصدر الحجار قراراً بتوقيف سلامة.
إن لم نقل احتجازه على ذمة التحقيق …
في هذا السياق، أوضح الحجّار أنّ الخطوة القضائية التي اتُخِذت بحق سلامة هي احتجاز احترازي ومفاعيلها لمدة 4 أيام على أن يُحال فيما بعد من قِبل النيابة العامة الاستئنافية في بيروت إلى قاضي التحقيق الذي يستجوبه ويتخذ القرار القضائي المناسب بحقه ومن ضمن هذه الإجراءات قد تكون مذكّرة توقيف وجاهية.
الجدير ذكره أنّ سلامة محتجز حالياً في فرع المعلومات في بيروت، بانتظار إحالته من قِبل النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد بو حيدر إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي الذي قد يُصدِر مذكرة توقيف وجاهية بحقه.
أوساط العدلية قالت أنّه من الصعب تحرير سلامة من الدهاليز القضائية بعد أن تم أخيراً القبض عليه، وإنّ المدعين عليه كُثُر وهم سيتهافتون إلى الادّعاء لإبقائه موقوفاً، وهؤلاء كثيرون في الداخل والخارج ومن بينهم جمعية المودعين وغيرهم من الشخصيات المدّعية التي خسرت الملايين من أموالها التي أودعتها بأمانة المصرف المركزي.
وأضافت الأوساط عينها أنّ الدولة اللبنانية “بأمّها وأبيها” لم تَعُد قادرة على حمل ثقل سلامة بعد الكثير من البرقيات العاجلة الخارجية والداخلية التي وصلتها وطالبت بإيقافه والتحقيق معه لاسيما البرقيات العاجلة التي وصلت من قِبل الإنتربول العالمي تطالب بضرورة توقيف رياض سلامة والتحقيق معه.
تهم احتيال وتبييض أموال!
في المعلومات أنّ سلامة لم يتم احتجازه بعد الاستماع إلى إفادته بشأن ملف شركة OPTIMUM، بل تم احتجازه على خلفية ملف حساب الاستشارات، إذ اتُهم بسحب مبالغ مالية كبيرة منه وتهريبها إلى الخارج وإيداعها بأسماء أفراد عائلته.
وربما من الجدير التذكير بما يتم التداول به مؤخّراً بخصوص شركة optimum المتهم سلامة بالتورّط بها ايضاً، والتي ترتكز بشكل خاص على مسألة العمولات المشبوهة المتراكمة بين عامي 2015 و2018. وللتذكير فقط، حصّلت الشركة خلال تلك الفترة أرباحاً تخطّت قيمتها 8 مليار دولار، عبر 45 عمليّة اقتصرت على شراء سندات من المصرف المركزي، وثم بيعها للمصرف في اللحظة عينها بأسعار مرتفعة، لتحقّق عوائد وصلت نسبها إلى 239% في بعض الأحيان. وسحب رياض سلامة الأرباح من حساب الشركة إلى حساب وسيط في مصرف لبنان، بموجب تفويض، ولم نعرف هويّة المستفيدين أو مصير الأموال.
وفي هذا السياق كانت تغريدة الوزير جبران باسيل لافتة على منصة X، توجّه من خلالها للمرة الأولى برسالة إيجابية لمدّعي عام التمييز جمال حجار الذي بحسب تعبير باسيل “تخطى بجرأة المنظومة ” وأوقف “حاكم لبنان المالي” الذي سرق أموال اللبنانيِّين وأعاد الأمل إليهم للمحاسبة وأعاد بعض الثقة إلى القضاء اللبناني على أمل أن يمضي حتى النهاية من دون التأثّر بالضغوط ومن دون السماح بالألاعيب بحسب تعبير باسيل الذي توجه ايضاً بتغريدته إلى اللبنانيّين بالقول “لتكن أمثولة لكل من قال لنا لا تتأملوا بتوقيف سلامة وثقوا أنّ الحقيقة تعلو والعدالة تنتصر”.
يبقى السؤال الأهم وليس انتقاصاً من هيبة القضاء ولا ريبةً من تداعيات توقيف رياض سلامة! ما هو سر توقيت هذا التوقيف؟ هل هو مبايعة، تخلٍّ، أم انتفاضة عدلية قضائية بحتة؟!