مباراة كرة القدم مستمرّة داخل ملعب وزارة الدفاع. وبتأكيد مطّلعين لا يمكن لدوّامة الأهداف المتبادلة بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون أن تنتهي إلّا مع قيادة عسكرية جديدة تُدخِل قائداً جديداً إلى اليرزة بعد انتخاب رئيس الجمهورية. و”لوقتها” اللعب شغّال وآخر الأهداف “نُصرة” مجلس شورى الدولة، بالقانون، لمراجعة الطعن التي قدّمها قائد قطاع جنوب الليطاني العميد إدغار لاوندس، عبر محامي قائد الجيش، ضدّ قرار وزير الدفاع التمديد لعضو المجلس العسكري المتفرّغ اللواء بيار صعب. لكن ماذا عن اليوم التالي؟
باستثناء سابقة طعن العميد السابق حميد إسكندر بقرار التمديد لقائد الجيش السابق جان قهوجي في أيلول 2015 لم يحدث في تاريخ المؤسّسة العسكرية لضابط الطعن بقرار ضدّ رئيسه وبخوض مواجهة مباشرة في الوقت نفسه ضدّ رئيسه الأعلى وزير الدفاع. هكذا انتهت المرحلة الأولى من المنازلة داخل الجيش بفوز العميد إدغار لاوندس، ومن خلفه قائد الجيش، معركة وقف مجلس شورى الدولة تنفيذ قرار الوزير سليم التمديد للّواء صعب.
المعركة الكبرى والأهمّ ترتبط بقرار الشورى بتّ مراجعة الطعن التي قدّمها وزير الدفاع بقرار تعيين اللواء حسّان عودة رئيساً للأركان. وهي ترتبط بمعركة “أعظم” هي التمديد مرّة جديدة لقائد الجيش أو إحالته إلى التقاعد مع نهاية ولايته الممدّدة في 10 كانون الثاني المقبل.
لذلك تجري في الكواليس أحاديث جدّية عن ضرورة حسم ملفّ رئاسة الجمهورية لتفادي المحظور داخل المؤسّسة العسكرية وكبرى المواقع المالية والأمنية والعسكرية والإدارية… وفي أقصى الحالات تحقيق توافق مسيحي -إسلامي قبل الانتخاب على تعيين قائد جيش وأعضاء المجلس العسكري يشارك من خلاله وزراء التيّار في جلسة الحكومة، على أن لا يُلزم هذا الخيار الرئيس المقبل للجمهورية.
اليوم بات “عديد” المجلس يقتصر “تقريباً” على عضوين هما قائد الجيش واللواء مصطفى إلى حين تسوية وضع اللواء عودة
القرار بالإجماع
وفق معلومات “أساس” اتّخذ القرار بإجماع أعضاء مجلس القضايا في “الشورى”، وهم خمسة من أصل عشرة أعضاء بعد إحالة البقية إلى التقاعد: القاضي فادي الياس رئيساً (ماروني)، والقضاة يوسف نصر (ماروني)، فاطمة الصايغ (سنّية)، يوسف الجميّل (ماروني) ورانيا بو زين (درزية). ومعلوم أنّه تمّ تأجيل إصدار قرار الشورى في الجلسة السابقة بسبب مرض القاضي نصر.
سليم: لم أخطئ
صحيح أنّ “الشورى” لم يفسّر أسباب قراره، لكنّ المداولات تركّزت على خطورة استفادة ضابط من قانون لا يشمله، وهي قاعدة تسري في الإدارة العامّة ككلّ، خصوصاً أنّ القانون رقم 317 شَمل، بالنسبة للشورى، قادة الأجهزة الأمنيّة برتبة عماد أو لواء وليس الأعضاء في المجالس القيادية حتى لو كانوا برتبة لواء.
بهذا المعنى، يعني قرار الشورى عدم قانونية توسيع مروحة القانون، وعدم أحقّية وزير الدفاع الاجتهاد وتفسير قانون لمصلحة أشخاص لا ينطبق مضمونه عليهم. وقد كان لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل الرأي نفسه. هنا يجزم رأي قانوني بعدم دستورية قوانين تفصّل على قياس أشخاص محدّدين، وهو ما يجعل قانون التمديد نفسه الذي استند إليه الوزير سليم عرضة للإبطال.قائد الجيش
وفق مقرّبين من وزير الدفاع “لن يقف العميد السابق موريس سليم المعروف بانضباطه العسكري ومناقبيّته بوجه قرار الشورى، لكنّه سيردّ بالخطوات القانونية اللازمة، ويرى أنّ الأسباب الموجبة والحيثيّات التي استند إليها للتمديد لصعب منطقية وقانونية مئة في المئة وتخدم مصلحة المؤسّسة العسكرية، وقد قدّم مراجعة قانونية مفصّلة للشورى، بعد تبلّغه بطعن لاوندس، تشرح حيثيّات قراره”. أمّا الأهمّ، وفق هؤلاء، أنّ وزير الدفاع لن يسكت أبداً على التعدّي المستمرّ على صلاحيّاته.
في 9 كانون الثاني 2023 أعطى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي موافقته الاستثنائية لرئيس المجلس العسكري، أي قائد الجيش
المجلس العسكريّ بعد صعب!
عمليّاً، لقرار الشورى انعكاسات على أكثر من صعيد:
– في الشكل يعني قرار وقف التنفيذ إحالة اللواء بيار صعب حتماً إلى التقاعد في التاريخ المحدّد، أي 27 الجاري. وفق معلومات “أساس” لن يتّخذ “الشورى” قراره النهائي حول إبطال القرار من أساسه أو حسم قانونيّته قبل تاريخ التقاعد بسبب المهل المُلزِمة التي قد تفرض مرور نحو ثمانية أشهر قبل اكتمال الملفّ بالأساس. لذلك في حال ردّ “الشورى” لاحقاً مراجعة العميد لاوندس بعدما أوقف تنفيذ القرار، وهو أمر مستبعد جدّاً، يستعيد اللواء صعب كلّ حقوقه بمفعول رجعي. وفي حال إبطال القرار فسيأتي الأمر متكاملاً مع قرار وقف التنفيذ. أمّا بالنسبة لتقديم اللواء صعب طلب التدخّل بالملفّ، لأنّه المعنيّ الأساس فيه، وقبوله من جانب “الشورى”، فهذا لا يُكسِبه إطلاقاً حقّ البقاء في موقعه بعد تاريخ 27 أيلول بحيث يعتبر لواءً متقاعداً إلى حين صدور القرار النهائي عن “الشورى”.
يقول مصدر قانوني لـ “أساس”: “تمّ قبول طلب التدخّل شكلاً لناحية الصِفة والمصلحة، لكنّ “الشورى” أصدر قراره لاحقاً بالأساس بوقف التنفيذ، وهو ما يجعل القرار الإعدادي مُلزماً للوزير تحت طائلة الغرامة الإكراهية، وقد يعرّض اللواء صعب للمحاسبة الجزائية في حال عدم الالتزام بتنفيذه”.
– من جهة وزير الدفاع يستطيع تقديم طلب الرجوع عن قرار وقف التنفيذ، لكنّ المهلة الزمنية الفاصلة عن تاريخ التقاعد تجعل من هذا الطلب غير ممكن بسبب مسألة المهل والتبليغات التي تأخذ وقتاً. يوضح المصدر القانوني: “لا يستطيع الوزير عدم تنفيذ قرار أعلى سلطة قضائية يحقّ لها حتّى كسر قرارات مجلس القضاء الأعلى”.
تجري في الكواليس أحاديث جدّية عن ضرورة حسم ملفّ رئاسة الجمهورية لتفادي المحظور داخل المؤسّسة العسكرية
– في المضمون قرار “الشورى” الذي سيُكرّس تقاعد اللواء صعب في 27 الجاري ويوقف تنفيذ قرار التمديد أيضاً للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى (يحال إلى التقاعد عام 2027 وكان التمديد سيُكسِبُه عاماً إضافياً) سيؤدّي حتماً إلى شلّ المجلس العسكري بالكامل. فحاليّاً عضوية المجلس ستقتصر على قائد الجيش واللواء مصطفى، فيما حالة رئيس الأركان اللواء حسّان عودة معلّقة أصلاً بسبب طعن وزير الدفاع بقرار تعيينه، فيما بقيّة الأعضاء لا يحقّ لهم حضور جلسات المجلس، وهما: المدير العام للإدارة بالوكالة العميد هادي الحسيني، ومسيّر أمور المفتّشية العامّة العميد فادي مخول.
موافقة استثنائيّة مجدّداً
إذاً ماذا بعد 27 أيلول؟
في 9 كانون الثاني 2023 أعطى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي موافقته الاستثنائية لرئيس المجلس العسكري، أي قائد الجيش، ولِمن بقي من أعضائه الأصيلين يومها لتسيير أعمال المجلس الذي فقد نصابه في 24 كانون الأول 2023 إلى حين اكتمال التعيينات في المجلس العسكري.
لم تحصل أيّ تعيينات بالأصالة باستثناء رئيس الأركان الذي طعن وزير الدفاع بقرار تعيينه فبقي “لا معلّقاً ولا مطلّقاً”. اليوم بات “عديد” المجلس يقتصر “تقريباً” على عضوين هما قائد الجيش واللواء مصطفى إلى حين تسوية وضع اللواء عودة، وهو ما يعني أنّ المجلس العسكري غير “شغّال”. لذلك تطرح التساؤلات: هل يحظى قائد الجيش بموافقة استثنائية جديدة من رئيس الحكومة أم تبقى الموافقة السابقة سارية المفعول؟!