تشرين الأول على الأبواب. عام ينقضي على حرب غزة وجبهة الجنوب المفتوحة عسكرياً. فعليّاً تكفّل “طوفان الأقصى” بتكريس سقوط الحلّ الرئاسي و”باكتج” التسوية، لكنّ غزّة نفسها قد تفتح الباب أمام تكرار المحاولة لفرض الحلّ السياسي في لبنان “بالمقلوب”، أي قبل توقّف آلة الحرب بشكل نهائي. أفضل من يسوّق لهذا الحلّ هو النائب السابق وليد جنبلاط حتّى في ظلّ تهديد إسرائيلي مباشر باجتياح برّي للبنان وأكثر من يتلقّى عصيّ تأخير الحلّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
أعاد زعيم المختارة القوى الباحثة عن حلّ انطلاقاً من الرهان على نجاح مفاوضات الهدنة إلى نقطة الصفر: “الحرب لن تنتهي ونحن في بدايتها. أمّا في لبنان فالتسوية هي الحلّ”. لَمَس زوّار جنبلاط أخيراً استشعاره بعدم وجود مؤشّرات جدّية تطوي صفحة الحرب لا بل تسليمه بأنّ النار ستمتدّ من غزة إلى الضفة الغربية، وهذا ما يفرض عدم ربط الحلّ الداخلي باكتمال مقوّمات التسوية الإقليمية التي قد لا تنضج في المدى القريب ربطاً باستنتاج حاسم لجنبلاط ينقله القريبون منه: حجم الضربة التي تلقّتها إسرائيل تاريخي واستثنائي، ومع حدث من هذا النوع لا يمكن توقّع سوى أن تطول الحرب مع تموضع ثابت لديه بدعم ما يقوم به الحزب على الجبهة الجنوبية مع شمال إسرائيل ودعم تلقائي للمقاومة في فلسطين المحتلّة.
وفق معلومات “أساس” لا تحمل زيارة المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الآتي من مصر أيّ طابع رسمي لناحية حمل مبادرة أو التسويق لها
يُسلّم جنبلاط وفق زوّاره باحتمال توفير مخارج للحلّ الداخلي بمعزل عن حرب الإبادة الإسرائيلية والوضع جنوباً، فيما كانت لافتةً إشارة نائب الحزب الاشتراكي وائل أبو فاعور أمس في حديث إلى محطة “إل بي سي” إلى احتمال “البدء جدّياً بطرح الأسماء المرشّحة للرئاسة”، وتحدّث عن “ضرورة السير بالخيار التوافقي بعدما سقطت معادلة مرشّح من هنا ومرشّح من هناك”، حاملاً على بعض القوى السياسية التي “تتحكّم بها المعاندة والشروط والشروط المضادّة في الملفّ الرئاسي”.
كما نقل أبو فاعور أجواءً إيجابية عن اللقاء الذي جمع المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والمستشار الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في الرياض.
لكن كيف تُصرّف إيجابية جنبلاط في السوق الرئاسي المقفل حتّى الآن على كلّ أنواع المبادرات الداخلية والخارجية؟
وفق معلومات “أساس” لا تحمل زيارة المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الآتي من مصر بعد رفض إسرائيل استقباله بسبب مواقفه الحادّة أيّ طابع رسمي لناحية حمل مبادرة أو التسويق لها، بل هي أقرب إلى الزيارة الوداعية مع قرب انتهاء ولايته التي دشّنها بداية عام 2019، مع العلم أنّ بوريل التقى أمس النائب السابق جنبلاط.
وفق مصدر سياسي لن يقدّم بوريل في زيارته الأخيرة للبنان سوى وصفة الحلّ، برأيه، التي تتلاقى مع مجهود اللجنة الخماسية، وذلك عبر فصل حرب غزة عن الترتيبات في لبنان
في الزيارة الأخيرة لبوريل للبنان في كانون الثاني الماضي روّج لمعادلة “لا أحد سيحقّق انتصاراً من أيّ تصعيد إقليمي”، مقرّاً بدوره في المساهمة في التوصّل إلى حلّ للخروج من الأزمة.
وفق مصدر سياسي لن يقدّم بوريل في زيارته الأخيرة للبنان سوى وصفة الحلّ، برأيه، التي تتلاقى مع مجهود اللجنة الخماسية، وذلك عبر فصل حرب غزة عن الترتيبات في لبنان.
أمّا لناحية الزيارة المرتقبة للمستشار الفرنسي لودريان فقد تتمّ قبل نهاية الشهر من دون أن تحمل أيّ جديد، فيما حراك اللجنة الخماسية والزيارات البعيدة من الإعلام أو المعلنة التي يقوم بها السفير المصري علاء موسى وآخرها في معراب والسراي الحكومي فلا تخرج عن إطار الضغط الناعم للسير بخيار التوافق الرئاسي.
على الموجة الجنبلاطية نفسها أكّد موسى أنّه “في الفترة الأخيرة كان التركيز منصبّاً على الوضع في الجنوب، لكن بات الأمر ملحّاً للحديث عن الملفّ الرئاسي”، متحدّثاً عن خطوات ملموسة للّجنة الخماسية الأسبوع المقبل. كما لمس موسى، كما قال، خلال لقائه رئيس حزب القوات سمير جعجع “ليونة يمكن البناء عليها”، مشدّداً على أنّ “المدخل الحتميّ هو الحوار والتشاور”.
لكنّ كلّ الحراك الخارجي، وفق المصدر السياسي، لم يصل بعد إلى مرحلة توضيح نقطة الالتباس الكبرى المرافقة لإقرار التسوية أو الحلّ قبل هدوء الجبهة العسكرية من غزة إلى الضفّة الغربية إلى جنوب لبنان، سيّما أنّ الحزب لا يزال يربط بشكل وثيق بين وقف نشاطه العسكري ووقف إطلاق النار في غزة. وعليه، فإنّ الحديث عن تسوية في ظلّ الظروف الراهنة من دون إعادة ترسيم دور الحزب ووجوده جنوب الليطاني يبدو أقرب إلى محاكاة سيناريو لن تقبل به إسرائيل والحزب معاً”.