في ظل مناخات العقم السياسي وعدم تلمس أي انفراجات في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، تنشغل الكتل النيابية بالزيارة المقررة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان قبل نهاية أيلول الجاري إن لم يحصل أي طارئ ربطاً بالتهديدات الإسرائيلية المتواصلة. ويجري الحديث عن قدوم الرجل الى بيروت الذي يحفظ كل ما هو مخبأ في صدور الجهات المكلفة بانتخاب الرئيس بعد أكثر من محطة له في بيروت باءت كلها بالفشل وعادت بسلبيات عدة على الرئيس إيمانويل ماكرون الذي لم يستطع إحداث خرق في الجدار الرئاسي وإن كانت مسؤولية الانتخاب تقع على عاتق النواب الـ128 أولاً.
ومن العلامات التي تدعو لودريان بحسب مصادر ديبلوماسية الى إعادة تشغيل محركاته، طلب باريس من السعودية تفعيل مشاركتها وتدخلها أكثر في هذا الملف الذي يراوح مكانه على حساب كل اللبنانيين ومستقبل دولتهم مع كل هذه الانهيارات التي يتلقونها في أكثر من حقل. وكان الجانبان الفرنسي والسعودي قد اتفقا على مجيء لودريان إبان محطته الأخيرة في الرياض.
وفي خضم استمرار كل هذه المناكفات بين الأفرقاء وتمترس الكتل عند مطالبها تبقى السكة الرئاسية المعطلة على حالها. وإن كان بري المعني الأول بزيارة لودريان حيث يشكل مفتاح عملية الانتخاب عند تلمسه إشارات إيجابية ومؤاتية تساعد على التئام جلسة الانتخاب المنتظرة فإن لسان حاله يقول إنه لا معطيات جديدة وما قاله وكرّره على مسمع لودريان وسفراء المجموعة “الخماسية” بات معروفاً للجميع. ويرفض تصوير أن الأزمة القائمة هي بينه وبين أي كتلة نيابية من “القوات اللبنانية” الى غيرها من الأفرقاء. وإن لم يعترض رئيس المجلس على زيارة لودريان فإنه يأمل أن يأتي بمخرج جديد يؤدي بالكتل الى تعبيد الطريق أمام عملية الانتخاب ودفع المعترضين على سلوك قطار التشاور وعدم التشبّث بالخيارات والمواقف المسبقة. ولذلك يتوقع بري أن تكون مهمة لودريان هذه المرة “آخر خرطوشة” ولا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تبقى اللاعب الأول في هذا المضمار.
ويسبق زيارة الموفد الفرنسي معاودة حراك سفراء “الخماسية” في بيروت. وفي اجتماعهم الأخير عند السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو يتبيّن أن الدوائر السياسية في عواصمهم لم تنفك عن متابعة مساعيها رغم صعوبة التعاطي مع الأفرقاء اللبنانيين. وفي اجتماع السفراء في قصر الصنوبر حضر الملف الأمني في الجنوب من الباب الواسع مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية وانعكاسها على المسار العام في البلد. ولم يخرج مضمون اللقاء في الملف الرئاسي عن إطار التشاور وتبادل الأفكار التي تساعد في التقريب بين الكتل النيابية والتوجّه الى جلسة انتخاب مضمونة النتائج بغضّ النظر عن الاسم الذي سيُنتخب.
ويتردد أن السفراء يؤيدون مبادرة رئيس المجلس حيال دعوته الى طاولة تشاور والتعهد بعدم فرط نصاب الثلثين والتوجّه الى جلسة انتخابية بدورات متعددة الى حين انتخاب الرئيس المنتظر. ويرى سفير في الخماسية أن مبادرة بري تشكل نقطة الانطلاق إذا صدقت النيّات والوعود حيال انتخاب الرئيس شرط أن يتحمّل كل البرلمان مسؤولياته الوطنية حيال هذا الاستحقاق. ولم يدخلوا في عرض أيّ من أسماء المرشحين. وتبيّن في مداولات الاجتماع أن لودريان سيحضر الى بيروت بناءً على طلب المملكة. ولم يبد السفراء تفاؤلاً كاملاً لكن بحكم مهماتهم وعلاقات بلدانهم مع لبنان لا يقولون إنهم سيتخلون عن هذه المهمة. ومن الملاحظات التي يتم التوقف عندها أن اسم المرشح سليمان فرنجية خارج السباق ولا سيما من طرف الفرنسيين مع إبداء دولة عربية عدم ارتياحها لترشيحه ليس اعتراضاً على شخصه والجهة التي تمثله ومن يدعمه بل لأنها ترى أن الخريطة البرلمانية لا تساعده على الوصول الى قصر بعبدا.
وترغب فرنسا في القول إن “الخماسية” مستمرة في عملها وإنها على تنسيق مباشر مع الأعضاء وخصوصاً مع الرياض. وتبقى الأنظار مشدودة نحو واشنطن التي لا تقول إنها لا تريد المساعدة في انتخاب الرئيس لكن تركيز إدارتها الديبلوماسية ينصبّ على كيفية منع تفلت شرارة المواجهات في جنوب لبنان والتوجه الى حرب كبرى. ولم يخلُ لقاء السفراء من متابعة الوضع الأمني، ووضعت السفيرة ليزا جونسون المجتمعين في زيارة آموس هوكشتاين لإسرائيل وما ستحمله، من دون أن تحسم إن كان سيأتي الى بيروت إن لم يتلق إشارات إيجابية من بنيامين نتياهو مع إظهار تشديد بلادها على تطبيق القرار 1701. وتفيد المصادر أن جونسون قدمت صورة غير مشجعة عن تطور الأمور العسكرية والحذر من تدهورها أكثر في جنوب لبنان. ولذلك يبقى تركيز الإدارة الأميركية الآن على غزة وجنوب لبنان أكثر من انهماكها بملف انتخابات الرئاسة. وهذا ما يدركه جيداً سفراء “الخماسية”.
وتستمر السعودية في مقاربتها الرئاسية الهادئة فضلاً عن مصر وإن بتفاوت التأثير بينهما. أما قطر الناشطة في اتصالاتها المفتوحة مع واشنطن فتقول إنها لن توفر فرصة في محاولة التوصل الى انتخاب رئيس الجمهورية، وهي تعترف في الوقت نفسه بأن الهمّ الأول عند رأس ديبلوماسيتها في الدوحة اليوم هو العمل على وقف الحرب في غزة والعمل على انسحاب هذا الأمر على جنوب لبنان.
وتفيد ديبلوماسيتها بحسب إبلاغها المسؤولين اللبنانيين أنها ستستمر في دعم الجيش والمساهمة في دعم رواتب العسكريين الى المساهمة في تثبيت المهمات المطلوبة من المؤسسات الصحية والاجتماعية الرسمية من خلال خطة تعتمدها في السنوات الأخيرة. وسيقوم وفد قطري اليوم الثلثاء بزيارة قائد الجيش العماد جوزف عون لتقديم مساعدات مالية تتعلق بتأمين محروقات للمؤسسة بقيمة 15 مليون دولار أميركي.