هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل.

في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية في سوريا. بدأت بإنزالٍ ثمّ أسرٍ ثمّ تفخيخ. واختُتمت بقصف جوّي متتالٍ.

في 16 أيلول، كان وفدٌ آخر من القيادة الأميركية العسكرية نفسها يزور إسرائيل أيضاً برئاسة نائب قائد “المنطقة الوسطى” ذاتها، الأدميرال المساعد براد كوبر.

في اليومين التاليين نُفّذت “موقعة البايجر واللاسلكي” في لبنان.

مجرّد مصادفات زمنيّة؟!

تقاريرُ غربية عدّة تشير إلى غير ذلك، وتكشف أنّ سرَّ الحرب كلّها يكمن ههنا. والتفاصيل كثيرة مثيرة وخطيرة.

تبدأ المعطيات الغربية بالإشارة إلى أنّ قلة انتبهت إلى إجراء عسكري عاديّ، حصل قبل ثلاثة أعوام ونيّف، منذ كانون الثاني 2021، وقضى بتعديل وجود “دولة إسرائيل” ضمن نطاق وصلاحيات هيئة الأركان العامة للجيوش الأميركية، بحيث انتقلت من اعتبارها أميركيّاً ضمن “القيادة الأوروبية الأميركية” (EUCOM)، لتصبح ضمن “منطقة مسؤولية” (AOR) “القيادة الوسطى” (CENTCOM).

ماذا يعني ذلك؟

بكلّ بساطة، ومنذ لحظة صدور هذا القرار عن البنتاغون، بات الجيش الإسرائيلي جزءاً لا يتجزّأ من شراكة عسكرية ضخمة.

تلخّصها التقارير الغربية بالتالي: إنّها “منطقة مسؤولية” ممتدّة على مساحة 10 ملايين كيلومتر مربّع. سكّانها أكثر من 560 مليون نسمة في 20 دولة. باتت إسرائيل الواحدة والعشرين فيها. تعمل تحت قيادتها القوات الجوّية التاسعة الأميركية، والأسطول الخامس ومقرّه البحرين. بالإضافة إلى قوّات بحريّة وبرّية غرف عمليّاتها الدائمة في الولايات المتحدة. وهو ما يعني تلقّيها معطياتٍ كاملة من كلّ ما يتجمّع في واشنطن من معلومات. أمّا مركز قيادتها الرئيسي ففي قاعدة ماكديل الجوّية في تامبا في ولاية فلوريدا. مع بقاء مقرّها المتقدّم في قاعدة العديد الجوّية في قطر.
يكفي أن نذكر ونتذكّر أنّ معظم الأسماء التي مرّت في “القيادة الوسطى” انتقلت بشكل أو بآخر إلى مؤسّسات القرار الأميركي العليا

يشير الخبراء الغربيون إلى علّة وجود تلك القيادة. فهي أُنشئت في عهد الرئيس رونالد ريغان سنة 1983، بعد قيام نظام الملالي في طهران واجتياح موسكو السوفيتية لكابول. وهي واحدة من سبع قيادات للجيوش الأميركية، تحت قيادة رئيس الولايات المتحدة، القائد الأعلى، وطبعاً عبر البنتاغون ووزير الدفاع. وهي تغطّي العالم بأسره مع تحديد كلّ “منطقة مسؤولية” وترسيمها جغرافيّاً: فإلى القيادة الوسطى هناك القيادات الشمالية، الأوروبية، الهندية، الباسيفيكية، الجنوبية والإفريقية. ثمّ أضيفت إليها قيادة الفضاء. والأهمّ بالنسبة إلينا راهناً المجال السيبراني!

أمّا البيان الأساسي للمهمّة الرئيسية لهذه القيادة، فيحدّد التالي: “ردع إيران. مكافحة المنظّمات المتطرّفة العنيفة. التنافس الاستراتيجي مع الهياكل الإقليمية والدفاع الجوّي والصاروخي المتكامل وأنظمة مكافحة الطائرات بدون طيّار”.

إسرائيل

وليكتمل فهمُ تأثير هذا الحدث على موازين المعركة القائمة منذ تشرين الأول، نقرأ في البيان أنّ لهذه القيادة بكلّ مقدّراتها، “أربع هيئات وظيفية: العمليات الخاصة، النقل، الاستراتيجية، والمجال السيبراني”.

إسرائيل تستفيد من كلّ شيء

في الواقع العملي يكشف الخبراء الغربيون أنّ انتقال إسرائيل إلى قيادة المنطقة الوسطى جعلها تستفيد من كلّ ما سبق.

لا بل أكثر من ذلك، جعلها تتلقّى المعطيات الاستخبارية الشاملة من الدول العشرين المشاركة في هذه القيادة. وهي دول أساسية في منطقتها. وذلك طبعاً عبر القيادة الأميركية، التي تصبّ لديها مشاركات الدول الأعضاء كافّة، وتنتقل تلك المعطيات إلى إسرائيل خلال دقائق.

ذلك أنّ بروتوكول عمل هذه القيادة يقضي بتواصل ثلاثة جنرالات من هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، بشكل يومي ومباشر، وعبر خطوط هاتفية آمنة، مع نظرائهم في القيادة الوسطى الأميركية، كما مع قادة جيوش دولٍ أخرى ضمن القيادة نفسها. وهو ما يقوم به حالياً من الجانب الاسرائيلي، كلّ من مدير العمليات عوديد بسيوك، وقائد سلاح الجوّ الإسرائيلي تومر بار، وقائد البحرية ديفيد ساعر سلامة.
وجود إسرائيل ضمن “القيادة الوسطى” فتح قناة اتّصال دائم بين وزير دفاعها ونظيره الأميركي، كما بين رئيس أركان جيشها وقائد هذه القيادة

لكن ماذا لتلك المعطيات أن تتضمّن؟

يقول الخبراء الغربيون: تصوّروا النتاج اليومي، أو حتى الآني، لمخابرات 20 جيشاً ودولة، مضافاً إلى عمل نحو 2,500 متعامل مع وكالة المخابرات المركزية، وموظّفي المنظمات الإدارية الأخرى، إلى جانب مستشارين مدنيين، بما في ذلك أفراد شركات الأمن الخاصة، كما في العراق مثلاً، علاوة على 900 عنصر منتشر عبر قواعد أصغر في شمال سوريا وشرقها، وآلافٍ آخرين في دول أخرى، بالإضافة إلى القيادة الأمامية في قطر والأسطول الخامس في البحرين.

لاستثمار هذا الكمّ من المعلومات، أقامت “القيادة الوسطى” قواعد مخصّصة لها داخل قاعدة جوّية إسرائيلية وتمّ تصميمها لإيواء وإدارة العمليات الدفاعية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

أكثر من ذلك، لا يقتصر أثر هذا الواقع العسكري الإداري على المستويات الميدانية والعملياتية والمعلوماتية، على الرغم من الأهمّية الكبرى لهذه المستويات، لكنّه يتعدّاها إلى مستوى التأثير السياسي. ذلك أنّ وجود إسرائيل ضمن “القيادة الوسطى” فتح قناة اتّصال دائم بين وزير دفاعها ونظيره الأميركي، كما بين رئيس أركان جيشها وقائد هذه القيادة، الجنرال كوريللا حاليّاً.

لهذا الأمر مفاعيلُ سياسية كبيرة وحاسمة جداً في واشنطن، لما لأركان هذه القيادة من حضور ووزن وتأثير في مؤسّسات القرار الأميركي كافّة.

الوجود في كلّ مكان

يكفي أن نذكر ونتذكّر أنّ معظم الأسماء التي مرّت في “القيادة الوسطى” انتقلت بشكل أو بآخر إلى مؤسّسات القرار الأميركي العليا.
في الواقع العملي يكشف الخبراء الغربيون أنّ انتقال إسرائيل إلى قيادة المنطقة الوسطى جعلها تستفيد من كلّ ما سبق

اثنان من قادتها الثلاثة الأخيرين تولّيا وزارة الدفاع. وهما لويد أوستن حاليّاً، وجيمس ماتيس مع الرئيس ترامب. وعلى جدارها صورٌ لأعلام عسكريين كبار مثل شوارزكوف، زيني، بترايوس، ابن بلدنا أبي زيد… وآخرين. وهو ما يشي بالتأثير السياسي لهذه القيادة على تفكير وسلوك واشنطن، وما يفسّر أن يكون تحت قيادتها أسطولٌ لا ينتهي تعداد قطعه وعتاده. وهو القوة الضاربة المتّصلة على مدار الساعة بشبكة أقمار اصطناعية تغطّي المنطقة كاملة، مع أنظمة إنذار مبكر وتحكّم إلكتروني وسيبراني (مجدّداً!!) وطائرات “إف 35” الفائقة التطوّر، في مهمّة مراقبة لسماء منطقة عمليّاتها كلّ ثانية.

وللسجلّات الرسمية فقط، يجب أن نضيف إليها نتاج قاعدة أكروتيري البريطانية في قبرص، وقوة جوّية فرنسية، وأخرى ألمانية لوجستية.

كلّ هذه القوى كانت موجودة في مصياف في 8 أيلول. وفي الضاحية الجنوبية ومناطق انتشار “الحزب” في 17 و18 منه.

والأخطر أنّها موجودة حيث لا يتوقّع أحد أن تكون.

اترك تعليق