تصعيد إسرائيلي بلا سقوف يستدرج الحرب الشاملة

بلغ التصعيد الإسرائيلي ذروة غير مسبوقة في استهداف قيادات “حزب الله” وكوادره وعناصره، وترافق مع غارات عنيفة على المناطق المحاذية للحزام الأمني شمال الليطاني. تجاوز هذا التصعيد كل السقوف وكسر الخطوط الحمر وأطاح بقواعد الاشتباك، بعد تفجير اجهزة الاتصالات على مدى يومين ثم قصف الضاحية الجنوبية واستهداف قيادة “الرضوان”، كمؤشر على طبيعة الحرب الإسرائيلية في شكلها الجديد والتي قد تكون تمهيداً لاجتياح بري تحت سقف محدد أو أكثر من ذلك طالما أننا دخلنا في مرحلة مختلفة مفتوحة على كل الاحتمالات.

كل ما تفعله إسرائيل هو بمثابة إعلان حرب، لا يبدو وفق التطورات الميدانية وأيضاً الإنسداد في المفاوضات والتسوية أنه يمكن التراجع عنه، ومهدت لذلك بأنها تريد إعادة سكان المستوطنات إلى منازلهم في الشمال، وهو ما دفع “حزب الله” على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله وقبل اغتيال قائد الرضوان ابراهيم عقيل ومساعديه، إلى التمسك باستمرار جبهة الإسناد من جنوب لبنان، وذلك على الرغم من الضربة التي أخرجت آلاف العناصر من الحزب جراء التفجيرات وسقوط قيادات أساسية من نخبته.

الثابت وفق المواقف السياسية في إسرائيل والتطورات الميدانية، أن الحرب فتحت على “حزب الله” وانتقل تركيز المعركة من الجنوب الى الشمال، وقد كان ذلك واضحاً في ما تبلغه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في زيارته الأخيرة إلى تل أبيب، بالسير في قرار الحرب وأن مساعي الحل الديبلوماسي استنفدت، فأقفل عائداً الى الولايات المتحدة من دون زيارة لبنان. ولم تعد الأمور تقتصر على عملية أمنية وعسكرية محددة، إنما تخطت إسرائيل ما كانت تطالب به بوقف إسناد غزة أي وقف عمليات “حزب الله” التي فتحها في 8 تشرين الاول (أكتوبر) 2023، ووفق مصدر ديبلوماسي إن الحرب تتجاوز أيضاً إعلان إعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية، لتتركز على “حزب الله” في لبنان وأيضاً سوريا في محاولة لإضعافه ودفعه إلى الخروج من جنوب الليطاني، وهو ما يظهره عنف الغارات الإسرائيلية والاستهدافات وهي مرشحة إلى مزيد من التصعيد قد يطال مرافق أساسية ومناطق عدة من لبنان.

يتبين وفق التطورات أن إسرائيل مصرة على تغيير الواقع الحدودي، حتى لو كان مسار الحرب طويلاً، وهي أبلغت الأميركيين الذي يتحفظون على توسيع الحرب وتجنب تدحرجها نحو المنطقة، وفق ما ينقل المصدر الديبلوماسي، أنها محصورة بـ”حزب الله”، ولذا أعادت الولايات المتحدة ارسال حاملة طائراتها هاري أس ترومان إلى المتوسط لمواجهة أي سيناريو لحرب شاملة، علماً أن هناك تنسيقاً عملياتيا مع قيادة المنطقة الوسطى بالجيش الأميركي. وعلى الرغم من دعوة الولايات المتحدة الى التهدئة وتجنب توسيع الحرب، إلا أن ما يحدث في الميدان أصبح أمراً واقعاً، في وقت تستمر المفاوضات الأميركية- الإيرانية غير المباشرة، حيث بقي الرد الإيراني على عملية اغتيال اسماعيل هنية معلقاً، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كان توسيع إسرائيل لعملياتها ضد “حزب الله” هو اطمئنانها لعدم تدخل إيران مباشرة، واستناد إسرائيل إلى معادلة التزام أميركا الدفاع عنها.

في المقابل يبدو “حزب الله” ورغم ما يتعرض له يريد العودة إلى قواعد الاشتباك، إذ كان نصرالله حاسماً، وهذا قبل اغتيال قائد الرضوان، بأنه لن يسمح بعودة المستوطنين إلى الشمال وبأن حرب المساندة لغزة مستمرة، وهما عنوانان اعتبرهما الحزب رداً على تفجير أجهزة الاتصالات واسقاطاً للمعادلة التي يريدها بنيامين نتنياهو. وقد جاء رد “حزب الله” الأخير على الحرب التي يعتبرها تهدد وجوده، حذراً في اطلاق الصواريخ الثقيلة على مناطق حيفا واستهدافه قاعدة رامات، وهو بذلك يسير على خط رفيع بين التصعيد الشامل واستمرار حرب المساندة.

بعد عملية الاغتيال في الضاحية الجنوبية، والتي أرادت إسرائيل من خلالها القول أنها كسرت قدرة الحزب وتسعى لإبعاده عن الجبهة، بات “حزب الله”، أمام معضلة فعلية في مواجهة الحرب المفتوحة، فإما أن يستمر بالرد في شكل غير تقليدي بصواريخ دقيقة وأبعد مدى بما يعني الانخراط في حرب شاملة أوسع لا يريدها طالما أن المرجعية الإقليمية الإيرانية لم ترد حتى الآن وهي ليست في هذا الوارد أقله لفترة غير منظورة وفق المصدر الديبلوماسي، وإما يستمر بحرب المساندة ووظيفتها، فيتلقى الضربات ويبقي لبنان في حالة استنزاف في ظل حرب إسرائيلية متوحشة، وبهذا تسقط المعادلة التي أعلنها نصرالله في كلمته الأخيرة بعد تفجيرات “البايجر” باصراره على مواصلة القتال ضمن قواعد الاشتباك وتعهده بالرد النوعي الذي سيبقى محصوراً في دائرة ضيقة.

ووفق سير العمليات اليومية بات واضحاً أن إسرائيل حولت حربها من غزة إلى لبنان بهدف وحيد هو ضرب “حزب الله”، وهي تحاول استدراجه إلى تصعيد واسع. فإذا كان الحزب يعتبر حتى الآن أنه يحقق معادلة الردع باستمرار حرب المساندة، فإنه يقع في الفخ الإسرائيلي الذي دمر جيشه غزة. واليوم توسّع إسرائيل حربها وتحدد استهدافاتها عبر جعل لبنان جبهة أساسية ومفتوحة على احتمال هجوم بري لفرض منطقة عازلة وتطبيق القرار 1701 وفق شروطها، وتمهد لذلك بسياسة الأرض المحروقة عبر غارات تدميرية وقطع أوصالها مع المناطق الأخرى شمالاً، وصولاً إلى البقاع الغربي.

وبينما تتركز الجهود الدولية المتسارعة على خفض التصعيد، إلا أن ما يجري من عمليات عسكرية لا يترك أي إمكان لخرق ديبلوماسي يوقف تغيير قواعد الاشتباك بين إسرائيل و”حزب الله”. فتحت إسرائيل الحرب، وهو ما يضع الحزب في موقف حرج مع محور الممانعة ومرجعيته الإيرانية لاستعادة منظومة الردع عبر ردود متناسبة. فالحزب بات تحت المجهر والحرب تستهدف بنيته وموقعه، وأزمته تبقى في رده الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب كبرى ويرتب تداعيات كارثية على لبنان؟

اترك تعليق