كشفت وكالة (رويترز) نقلًا عن ثلاثة مصادر مطلعة على عمليات حزب الله اللبناني، أن تسلسل القيادة المرن إلى جانب شبكة الأنفاق الواسعة والترسانة الضخمة من الصواريخ والأسلحة التي عززتها على مدار العام الماضي، يتيح له الصمود في وجه الضربات الإسرائيلية المكثفة.
واغتالت إسرائيل، يوم الجمعة، القيادي إبراهيم عقيل الذي أسّس وقاد (قوة الرضوان) التي تمثل قوة النخبة التابعة للجماعة. وتقول وزارة الصحة إن أكثر من 560 شخصًا بينهم 50 طفلًا لقوا حفتهم منذ يوم الاثنين، وهو اليوم الأكثر دموية في لبنان منذ عقود، جراء الغارات الإسرائيلية.
وقال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، يوم الأحد، إن مقتل عقيل أحدث هزة في صفوف التنظيم. وتقول إسرائيل إن ضرباتها دمرت أيضًا آلاف الصواريخ والقذائف التي يملكها الحزب.
كم عدد مقاتلي حزب الله؟
لكن اثنين من المصادر المطلعة على عمليات حزب الله قالا لرويترز، إن الجماعة تحركت سريعًا لتعيين من يخلف عقيل وغيره من كبار الشخصيات الذين قُتلوا في الضربة الجوية التي وقعت يوم الجمعة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأكد الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في خطاب ألقاه في الأول من أغسطس/آب، أن الجماعة تعيّن سريعًا خليفة كلما قُتل أحد قادتها.
وقال مصدر رابع، وهو قيادي في حزب الله، للوكالة، إن الهجوم على أجهزة الاتصال جعل 1500 من المقاتلين غير لائقين للقتال بسبب إصاباتهم، إذ أُصيب كثير منهم بفقدان النظر أو بُترت أيديهم.
ورغم أن هذا يمثل ضربة قوية، فإنه لا يمثل -حسب رويترز- سوى جزء ضئيل من قوة حزب الله، التي قدَّر تقرير للكونغرس الأمريكي، الجمعة الماضية، عدد مقاتليها بما يتراوح بين 40 و50 ألف مقاتل. وسبق أن قال نصر الله إن قوام مقاتلي الحزب يبلغ 100 ألف مقاتل.
هيكل تنظيمي متماسك
وقالت المصادر الثلاثة إنه منذ أكتوبر/تشرين الأول، عندما بدأ حزب الله إطلاق القذائف على إسرائيل لدعم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة، أعاد نشر مقاتليه في مناطق المواجهة في الجنوب بما في ذلك عن طريق استدعاء بعضهم من سوريا.
وأضافت المصادر أن الحزب عمل أيضًا على نقل الصواريخ إلى لبنان بوتيرة سريعة، تحسبًا لصراع طويل الأمد، ولفتت في الوقت نفسه إلى أن الجماعة تسعى لتجنب حرب شاملة.
وقال أندرياس كريغ، المحاضر الكبير في كلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن، لرويترز، إنه “رغم ارتباك عمليات حزب الله بسبب هجمات الأيام الماضية فإن الهيكل التنظيمي المتماسك للجماعة يساعد في جعلها قادرة على الصمود لأقصى درجة”.
استهداف تل أبيب
وأضاف “هذا هو العدو الأكثر قوة الذي واجهته إسرائيل على الإطلاق في ساحة المعركة، ليس بسبب الأعداد والتقنيات ولكن بسبب القدرة على الصمود”.
وتصاعدت حدة القتال هذا الأسبوع، إذ قتلت ضربة إسرائيلية قياديًّا آخر من حزب الله هو إبراهيم قبيسي، أمس الثلاثاء، ومن جانبه سعى حزب الله إلى إظهار قدرته على مواصلة العمليات فأطلق مئات الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة في هجمات على أهداف أبعد من أي وقت مضى.
وقال حزب الله، اليوم الأربعاء، إنه استهدف قاعدة استخبارات إسرائيلية بالقرب من تل أبيب، على بُعد أكثر من 100 كيلومتر من الحدود. وقال جيش الاحتلال إن صفارات الإنذار دوت في تل أبيب عندما اعترضت أنظمة الدفاع الجوي صاروخ (أرض-أرض).
الصاروخ الباليستي (فاتح 110)
ولم يذكر الحزب بعد، ما إذا كان أطلق أيًّا من صواريخه الأقوى الموجَّهة بدقة، مثل صاروخ (فاتح-110) الباليستي الإيراني الصنع، الذي يتراوح مداه بين (250 – 300) كيلومتر.
ووفقًا لورقة بحثية نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عام 2018، فإن الصاروخ (فاتح-110) الذي يمتلكه حزب الله مزوَّد برأس حربية تزن (450 – 500) كيلوغرام.
وقال أحد المصادر، وهو مسؤول أمني كبير، لرويترز، إن هجمات حزب الله الصاروخية ممكنة لأن تسلسل القيادة واصل العمل على الرغم من بعض الارتباك الذي تعرضت له الجماعة لفترة وجيزة بعد تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي (بيجر) وكذلك أجهزة (ووكي توكي) التي يستخدمها أفراد حزب الله.
كيف يتواصل أعضاء حزب الله بعد تفجيرات البيجر؟
وقالت المصادر الثلاثة إن قدرة حزب الله على التواصل مدعومة بشبكة هاتفية ثابتة خاصة بالجماعة التي تصفها بأنها بالغة الأهمية لاتصالاتها، وقالت إنها مستمرة في العمل، فضلًا عن أجهزة أخرى.
وكان الكثير من مقاتلي حزب الله يحملون نماذج قديمة من أجهزة البيجر، على سبيل المثال، التي لم تتأثر بهجوم الأسبوع الماضي.
وكثف حزب الله استخدام أجهزة البيجر بعد منع حظر مقاتليه، في فبراير/شباط، من استخدام الهواتف المحمولة في ساحة المعركة في أعقاب مقتل قياديين.
استراتيجية الصمود
وأشار المسؤول الأمني الكبير إلى أنه إذا انفصلت سلسلة القيادة فإن مقاتلين في الخطوط الأمامية مدربون على العمل في مجموعات صغيرة مستقلة تتألف من قرى قليلة العدد بالقرب من الحدود وقادرة على محاربة القوات الإسرائيلية لفترات طويلة.
وهذا هو بشكل دقيق ما حدث في عام 2006، خلال الحرب السابقة بين حزب الله وإسرائيل، عندما صمد مقاتلو الجماعة لأسابيع، وبعضهم في قرى واقعة على الخطوط الأمامية غزتها إسرائيل.
وتقول إسرائيل إنها صعّدت هجماتها لتقليص قدرات حزب الله وتأمين عودة عشرات الآلاف من الإسرائيليين النازحين إلى منازلهم بالقرب من الحدود اللبنانية التي فروا منها عندما بدأ حزب الله في إطلاق الصواريخ في الثامن من أكتوبر.
ترسانة تحت الأرض
وذكر المصدران لرويترز أن صواريخ أُطلقت، يوم الأحد، من مناطق في جنوبي لبنان رغم تعرُّض هذه الأماكن تحديدًا لاستهداف من إسرائيل قبلها بفترة وجيزة، مما يدل في رأيهما على أن بعض أسلحة حزب الله مخبأة بعناية.
ويُعتقد أن لحزب الله ترسانة تحت الأرض، ونشر الشهر الماضي صورًا بدا أنها تُظهر مقاتلين يقودون شاحنات محملة بمنصات إطلاق عبر أنفاق. ولم يحدد المصدران ما إذا كانت الصواريخ التي أُطلقت يوم الأحد تم إطلاقها من تحت الأرض.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن وابل الصواريخ يوم الاثنين دمر عشرات الآلاف من صواريخ وذخيرة حزب الله.
كم عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله؟
وقال جيش الاحتلال إن ما تم ضربه يوم الاثنين شمل صواريخ كروز بعيدة المدى، وصواريخ برؤوس حربية قادرة على حمل متفجرات تصل إلى 100 كيلوغرام، وصواريخ قصيرة المدى، وطائرات مسيَّرة ملغومة.
وقال بواز شابيرا، الباحث في مركز ألما، وهو جهة بحثية إسرائيلية مختصة بشؤون حزب الله، إن إسرائيل لم تستهدف بعد مواقع استراتيجية مثل مواقع الصواريخ البعيدة المدى والطائرات المسيَّرة. وتابع “لا أعتقد أننا اقتربنا بأي حال من الأحوال من نهاية ذلك”.
كريغ إن الصواريخ الباليستية الأقوى والأبعد مدى محفوظة تحت الأرض.
ماذا نعرف عن أنفاق حزب الله؟
وقضى حزب الله أعوامًا وهو يحفر شبكة أنفاق تشير تقديرات إسرائيلية إلى أنها تمتد مئات الكيلومترات. وقال الجيش الإسرائيلي إن ضربات يوم الاثنين الجوية استهدفت مواقع إطلاق صواريخ مخبأة تحت منازل في جنوبي لبنان.
وقال حزب الله إنه لا يضع بنية تحتية عسكرية قرب المدنيين. ولم تُصدر الجماعة بيانًا بشأن نطاق تأثير الضربات الإسرائيلية منذ يوم الاثنين.
وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن ترسانة الأسلحة والأنفاق التي تمتلكها الجماعة توسعت منذ حرب عام 2006، وخاصة أنظمة التوجيه الدقيق. وقال مسؤولون في حزب الله إن الجماعة استخدمت جزءًا صغيرًا من الترسانة في القتال خلال العام الماضي.
هذه الدول ساعدت في بناء شبكة الأنفاق
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن البنية التحتية العسكرية لحزب الله متغلغلة بشكل وثيق في القرى والتجمعات السكنية في جنوبي لبنان، حيث يتم تخزين الذخيرة ومنصات إطلاق الصواريخ في المنازل في مختلف أنحاء المنطقة. وتقصف إسرائيل بعض هذه القرى منذ شهور بهدف إضعاف قدرات حزب الله.
لكن التفاصيل المؤكدة بخصوص شبكة الأنفاق تظل نادرة.
كشف حزب الله أخيرًا عن جزء من ترسانته العسكرية داخل نفق ضخم، في مقطع مصور بعنوان “جبالنا خزائننا”.
وذكر تقرير، صدر في 2021 عن مركز ألما الإسرائيلي المتخصص في حزب الله، أن إيران وكوريا الشمالية ساعدتا في بناء شبكة الأنفاق في أعقاب حرب عام 2006.
ما الفرق بين أنفاق حماس وأنفاق حزب الله؟
وكافحت إسرائيل بالفعل من أجل القضاء على قادة حماس ووحداتها القتالية المعتمدة على نفسها في الأنفاق المارة عبر غزة.
وقالت كرميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب “هذا هو أحد أكبر التحديات التي نواجهها في غزة، ومن المؤكد أنه شيء قد نواجهه في لبنان”.
وقال كريغ إنه على عكس غزة حيث يتم حفر معظم الأنفاق يدويًّا في تربة رملية، فإن الأنفاق في لبنان تم حفرها عميقًا في صخور الجبال. وأضاف “الوصول إليها أصعب كثيرًا من غزة، وحتى تدميرها أصعب”.