لا تفارق الرئيس نبيه برّي سمّاعة الهاتف. يتابع من خلالها أدق التفاصيل وكل التطورات لحظة بلحظة. كل قذيفة، أو غارة، أو عملية، أو شهيد، يتبلغ به عبرها. حتى خلال ممارسته لرياضة المشي في ديوانيته في عين التينة، يهرع إلى تلقي اتصال أو تحديد موعد لديبلوماسي أو سياسي. غارة على تولين فيها شهداء. غارة أخرى على بلدة معركة. اتصال من سفير يطلب موعداً، وما بينهم يتابع مجريات وتطورات واتصالات دولية تحصل في نيويورك، للوصول إلى اتفاق على تطبيق البيان الدولي الذي صدر، وينص على وقف إطلاق النار في لبنان وغزّة لفترة 21 يوماً، يتم خلالها إطلاق مفاوضات حثيثة بهدف الوصول إلى وقف نهائي للعمليات العسكرية والتأسيس لاتفاق يكرس الاستقرار.
نتنياهو يكذب
يقول الرئيس برّي لـ”المدن”، إن نتنياهو يكذب على الجميع. فالبيان الذي صدر تم التنسيق بشأنه مع لبنان وإسرائيل. وكان نتنياهو قد أبدى موافقته عليه، لكنه عاد وتراجع. واليوم نُسب له تصريح ثم عاد ونفاه. وهو يحاول أن يتبع الأسلوب نفسه الذي اتبعه في مفاوضات غزة، لكنه لن يكون قادراً على المواصلة.
يؤكد برّي أنه في النهاية لا حلّ إلا بهذا البيان والذي يؤسس إلى اتفاق جدي. ويكشف أن هذا البيان كان نتاج عمل تراكمي استمر لأشهر، وذلك بموازاة العمل على برنامج اتفاق لوقف النار في الجنوب وتطبيق القرار 1701. ويقول: “قبل ثلاثة أشهر وتحديداً في شهر حزيران اتفقت مع هوكشتاين على البرنامج الكامل، وليس فيه فصل بين لبنان وغزة. بل تشديد على ضرورة وقف إطلاق النار في الجبهتين”.
يشير إلى أن الاتفاق مقسم على مراحل. في المرحلة الأولى، يعلن الإسرائيليون وقف العمليات العسكرية في غزة، ويضعون جدولاً للانسحاب من القطاع، ولا يقدمون على تنفيذ أي عمل عسكري. فطلب الأميركيون إضافة عبارة أن أي عملية عسكرية ينفذها الإسرائيليون يجب أن تكون في معرض الدفاع عن النفس. الأهم بالنسبة إليه، كان وقف العمليات العسكرية قبل الحديث في مسألة إطلاق سراح الرهائن، الذين لا يمكن إطلاقهم بالقوة، وترك هذا الملف إلى ما بعد وقف النار والتفاوض على تبادل الأسرى مع القوى الفلسطينية. في المراحل التي تلي، يحصل التفاوض بين القوى الفلسطينية حول كيفية إدارة الوضع في قطاع غزة. وينطلق برنامج التفاوض في لبنان حول تطبيق القرار 1701 ووضع الآلية اللازمة له. وهي أصبحت معروفة حول وقف النار، وعدم ظهور مسلّح في جنوب نهر الليطاني إلا للجيش اللبناني والدولة واليونيفيل. ولكن مقابل وقف الاعتداءات الإسرائيلية ووقف الطلعات الجوية. بالإضافة إلى البحث في إعادة السكان وإعادة الإعمار، وبعدها تثبيت الحدود.
برّي: لا يمكن التخلي عن غزّة
الجديد الذي حصل في نيويورك بالنسبة إلى برّي، هو إعادة تأكيد دولية على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة. ويقول: “قبل فترة صدر قرار عن مجلس الأمن لوقف النار في غزة، وقد مرره الأميركيون ولكن لم يتم تطبيقه. اليوم، وبناء على هذه المبادرة التي جرى تنسيقها مع الأميركيين والفرنسيين، أعادت إحياء مطلب وقف إطلاق النار في غزة كما في لبنان. ونحن نتمسك بهذا الشرط، ولا يمكننا أن نتخلى عن غزّة. العالم كله لم يعد يحتمل هذا الدمار والإجرام والمجازر والتدمير والتهجير. فالمطالبة بوقف النار في غزة هي موقف إنساني وأخلاقي قبل أي مسألة سياسية”. يشير إلى أنه أقدم على هذه المبادرة لأنه مقتنع بها، وهي لا يُمكن أن ترفض من قبل أي طرف.
يكشف برّي أن فترة الواحد وعشرين يوماً التي سيطبق فيها وقف إطلاق النار أو الهدنة، يجب أن تسري في لبنان وغزة، ومعها يعاد إحياء التفاوض من قبل الوسطاء حول إنهاء العمليات العسكرية في القطاع. ويؤكد: “تلقينا وعوداً دولية بأن العمل على إنجاح هذه المبادرة سيؤدي إلى رفع “الغُمّة” على لبنان وغزة معاً”. لكن نتنياهو لا يزال يناور ويحاول التخريب.
يقول برّي ذلك بالتزامن مع وصول نتنياهو إلى نيويورك، وسط انتظار للقاءات سيعقدها نتنياهو مع مسؤولين أميركيين، وخصوصاً وزير الخارجية أنتوني بلينكن والمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، حيث من المفترض أن يضغطا عليه لأجل الموافقة على وقف إطلاق النار.
يقول برّي “بغض النظر عن مسألة التوقيت ومناورات نتنياهو، فإن هذا البيان أو الاتفاق هو الذي سيكون سارياً، وأنه لا حلّ إلا به مهما طال الزمن. لا بد من انتظار المفاوضات الدولية والضغوط التي ستمارس على إسرائيل لدفعها إلى وقف الحرب”. ولدى سؤاله عمّا إذا كان يرى الحرب طويلة يقول: “لا زلنا نراهن على هذه المبادرة ولا بد أن ننتظر”.
جنبلاط أخلص الخلصاء
لا يغفل برّي مواكبة مسألة تهجير آلاف اللبنانيين من الجنوب والبقاع، يواكبها لحظة بلحظة. يستقبل المعنيين بتنظيم عمليات اللجوء والاهتمام بالناس، بمراكز الإيواء، المطابخ المركزية، الفرش وكل اللوازم.. يقول لكل مراجعيه أن يعودوا إليه إن احتاجوا إلى أي مسألة. يرحب بالتضامن الوطني واحتضان اللبنانيين لبعضهم البعض، لكنّه يميّز وليد جنبلاط ويخصّه لما أقدم عليه من مواقف، ويقول: “وليد جنبلاط أخلص الخلصاء”. ويضيف: “وليد عمل اللي ما بينعمل معنا في وقوفه إلى جانبنا. عمل على احتضان المهجرين وفي كل مناطق الجبل وتوفير كل ما يحتاجونه من مستلزمات، ولو أنه يدفع من ماله الخاص”. لا يخفي برّي عتبه على “الدولة التي تبدو غائبة أو عاجزة عن مواكبة ما يجري”.
أما في السياسة، فهو يشدد على استمرار فصله لملف الرئاسة عن ملف المواجهات في الجنوب، ولا يزال عند دعوته للتحاور قائلاً: “منذ سنة ونصف وأنا أطرح المبادرات، ما أريده هو التحاور مع اللبنانيين، فنحن لسنا أعداء، ونريد البحث عن حلّ. كل ما نريده هو الكلام مع بعضنا البعض للوصول إلى اتفاق يحمي بلدنا”. أما لدى سؤاله عن إمكانية إطلاق ورشة حوار وطني ليس حول الرئاسة فقط بل حول كيفية إنقاذ لبنان من الوضع القائم فيجيب: “الآن الوقت لإنهاء الحرب، وبعدها يحين موعد الاتفاق على كل النقاط الأخرى. ما نريده هو التعاضد مع بعضنا البعض وإزالة الغمّة”.