أكثر فأكثر تتراكم علامات الاستفهام حول موقف الحزب الحقيقي ممّا يجري في كواليس المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 على خطّ بيروت-واشنطن-تل أبيب ودول القرار المعنيّة. آخر ترجمات الارتباك على أعلى المستويات السياسية “تكذيب” وزارة الخارجية الأميركية لوزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب في شأن تأكيده موافقة الأمين العام للحزب قبل اغتياله بأيام على وقف إطلاق النار لـ 21 يوماً ضمن سياق اقتراح بايدن- ماكرون. أمّا في الداخل فسؤال كبير لا يجد له أحد جواباً: ما هو مدى التفويض الذي منحه الحزب للرئيس نبيه برّي، وهل مزّقت قيادة الحزب هذا التفويض بعد اغتيال السيّد حسن نصرالله؟
في مقابلته مع محطة CNN الأميركية أكّد الوزير بوحبيب من نيويورك موافقة “لبنان على وقف إطلاق النار بالتشاور مع الحزب. لقد تشاور برّي مع الحزب، وأبلغنا الأميركيين والفرنسيين بما حدث. وأخبرونا أنّ نتنياهو وافق أيضاً على البيان الذي أصدره الرئيسان”.
بعد ساعات قليلة من كلام بوحبيب نفت الخارجية الأميركية كلام بوحبيب مؤكّدة أنّه “لم تصلنا أيّ رسالة تفيد بأنّ الحزب وافق على وقف إطلاق النار”. هي المرّة الثانية التي تردّ فيها الخارجية الأميركية على وزير الخارجية اللبناني بعدما صرّح في شباط الماضي بأنّ “صيغة انسحاب الحزب من 8 إلى 10 كيلومترات رفضها لبنان ولن تكون هناك موافقة على إعادة الحزب إلى ما وراء الليطاني لأنّ ذلك سيؤدّي لتجدّد الحرب”. من جانبها، قالت متحدّثة باسم الخارجية الأميركية لقناة الحرّة: “نحيلكم إلى الحكومة اللبنانية بشأن كلام وزير الخارجية. لقد أوضحنا أنّنا لن نتفاوض علناً”.
كلمة السّرّ
حتماً لا مفاوضات في العلن بل داخل الغرف المغلقة، ولذلك تكبر التساؤلات حول مدى موافقة الحزب على ما يجري في الكواليس، وكلمة السرّ التي حملها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى لبنان في شأن موقف طهران والحزب.
وفق مصادر موثوقة لن يقدّم الحزب أيّ تعهّد أو كلمة في شأن المبادرات المطروحة قبل تحسين وضعه العسكري وإعادة الإمساك بالأرض، ولا تفاوض تحت النار
اتّفاق برّي- نصرالله
فيما يبقى الاتفاق الذي حصل بين برّي والسيّد نصرالله قبل اغتياله، في شأن التفويض وحدوده ومدى موافقة الأخير على وقف إطلاق النار من دون ربط ذلك بغزّة، ملك حلقة ضيّقة جداً بين الطرفين، فإنّ كلام نصرالله في خطابه الأخير في 19 أيلول قبل استشهاده عقب مجزرة “البيجر” (17 أيلول) والأجهزة اللاسلكية (18 أيلول) كان واضحاً جدّاً: “المطلوب إخضاع المقاومة، وبعض الدول الغربية كانت جاهزة “ليعملوا لنا مخرجاً” ونمشي بتطبيق 1701 ونوقف الحرب وتُترك غزّة وأهلها. والجواب: جبهة لبنان لن تتوقّف قبل وقف العدوان على غزة أيّاً تكن التضحيات والعواقب. هذا الكلام يأتي بعد هاتين الضربتين، وهنا أهميّته. ما حدا يحلم بفصل الجبهتين”.
برّي
الوجه الآخر لاستراتيجية الحزب بعد اغتيال نصرالله عكسه كلام المرشد الأعلى علي خامنئي خلال مراسم تأبين نصرالله في طهران أمس بمشاركة عشرات الآلاف من الإيرانيين: “ما نتج عن العدوّ الجبان هو تراكم الغضب وتصاعد دوافع المقاومة وظهور المزيد من القادة والمُضَحّين وتضييق الخناق على العدوّ”. أمّا وزير الخارجية الإيراني فكان موقفه واضحاً “بدعم المساعي الرامية لوقف إطلاق النار شرط أن تكون مقبولة من قبل المقاومة. وأن يكون متزامناً مع وقف لإطلاق النار في غزة”.
المفوّض الموثوق
بعدما أثار موقع “أساس” مسألة التباين في المواقف بين الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي من جهة والحزب من جهة أخرى في شأن الاتّصالات المفتوحة مع واشنطن وباريس بشكل أساس، كان لافتاً ما ذكره نائب الحزب الاشتراكي وائل أبو فاعور في حديث إعلامي واصفاً برّي بـ “المفوّض والموثوق والمكلّف” في ملفّي وقف إطلاق النار وانتخابات رئاسة الجمهورية، قائلاً: “لا نتوقّع أن يصدر الحزب بياناً حول موافقته على القرار 1701 وإلّا اعتبر ذلك استسلاماً. الآن يتحدّث الرئيس برّي ليس فقط بصفته الدستورية بل التمثيلية نيابة عن الثنائي الشيعي، بالمقابل الحزب رح يضلّ يقاتل ويتصدّى”.
لا مفاوضات في العلن بل داخل الغرف المغلقة، ولذلك تكبر التساؤلات حول مدى موافقة الحزب على ما يجري في الكواليس
قناة “الخليلين“
وفق معلومات “أساس” انتدب الرئيس برّي نائب “حركة أمل” علي حسن خليل للتواصل مع الحزب عبر مساعد الأمين العام الحاج حسين خليل كقناة أساسية في سياق التنسيق بين الثنائي الشيعي.
اللافت أنّه في غمرة الحركة السياسية الداخلية بكلّ الاتّجاهات لتفعيل العمل بالقرار 1701 وإيجاد تسوية رئاسية فإنّ ما صدر عن الوحدة الإعلامية في الحزب بدا في سياق آخر تماماً يعكس مدى ابتعاد الحزب حالياً عن أيّ حراك سياسي داخلي مؤثّر، حيث “طالب الحكومة اللبنانية والمؤسّسات الدولية المعنية بإدانة الارتكابات الإسرائيلية ومن ضمنها الإغارة على فرق الدفاع المدني المولجة رفع الركام وانتشال المصابين، وفعل ما يمكن فعله للسماح للفرق الإنسانية بالقيام بواجباتها”.
فور صدور البيان أصدر مكتب الإعلام للرئيس ميقاتي بياناً أكّد فيه “قيامه بالاتّصالات الدبلوماسية اللازمة وإدانته لما يقوم به العدوّ”.
“برودة” الحزب
يكتمل المشهد بما سرّبته أوساط إعلامية قريبة من رئيس الحكومة أمس عن تعامل الحزب مع المفاوضات حول تطبيق القرار 1701 والمساعي لانتخاب رئيس للجمهورية “ببرودة بحيث يعطي نوعاً من الإيجابية لجميع القوى السياسية الناشطة لكنّه لا يلتزم أيّ نوع من التنازلات”.
وفق مصادر موثوقة لن “يقدّم الحزب أيّ تعهّد أو كلمة في شأن المبادرات المطروحة قبل تحسين وضعه العسكري وإعادة الإمساك بالأرض، ولا تفاوض تحت النار، إذ لا يمكن لهذا الأمر برأي الحزب أن يتمّ فيما إسرائيل تشنّ حرب إبادة حقيقية تحاول من خلالها محو أحياء كاملة في الضاحية والجنوب والبقاع وتحاول احتلال جزء من الشريط الحدودي وتفرّغ جنوب الليطاني من قاطنيه وتستمرّ في الاغتيالات معلنة بشكل صريح نيّتها اغتيال أيّ قائد يخلف السيّد حسن نصرالله”.
تضيف المصادر: “تحديداً، لا كلام في الرئاسة ولا تعهّد بأيّ شيء، ولا حتّى نواب الحزب بوارد التوجّه إلى البرلمان فيما رؤوسهم مطلوبة إسرائيلياً. كما أنّ التفاوض حول 1701 وسط المجازر الإسرائيلية غير وارد بالنسبة للحزب”.
وفق معلومات “أساس” انتدب الرئيس برّي نائب “حركة أمل” علي حسن خليل للتواصل مع الحزب
الاتّفاق الثّلاثيّ
هكذا تُصبِح كلّ الاختراقات الداخلية الحاصلة حالياً غير قابلة للاستثمار من جهة الحزب. يشمل ذلك اللقاءات التشاورية بالمفرّق التي يديرها ثلاثي بري- ميقاتي-جنبلاط تحت مسمّى “خارطة الطريق الوطنية”، وإعلان الرئيس بري التنازل عن شرط الحوار كمدخل لجلسات انتخاب الرئيس. أمس تحدّثت مصادر قريبة من برّي صراحة عن أنّ “وقف إطلاق النار لم يعد شرطاً أيضاً ويمكننا انتخاب الرئيس إذا حصل التوافق وتوافر ثلثا عدد النواب”.