مع دخول «طوفان الأقصى» عامَه الثاني، ارتسم «سِباقٌ بالنار» بين استعداد إسرائيل لردٍّ على إيران سادَ انطباعٌ بأنه يُراد منه أن يكون بمثابة «7 أكتوبر معاكس» يُكْمِلُ محاولاتِ الإطباق على «حزب الله» في لبنان واجتثاث «حماس» من غزة، وبين ما بدا معاندةً من المحور الموالي لطهران للتسليم بالاستشراس الإسرائيلي لتحقيقِ «الشرق الأوسط الجديد» على أنقاضِ قوس النفوذ الإيراني المترامي.
وبدا إعلان «حماس» ومن قلب غزة المهشَّمة «نحن هنا» بصواريخ طالت تل أبيب، ولاقاها «بالستي» الحوثيين من اليمن (عطّل الملاحة لبعض الوقت في مطار بن غوريون)، بالتوازي مع رفْع «حزب الله» وتيرة استهدافاته الصاروخية وخروجه عن قاعدة تحييد منشآت المدنية (كما حصل في قصفه مدينتي حيفا وطبريا)، في سياق سعي المحور لتعزيز «خط الدفاع الهجومي» مع ملامح العدّ التنازلي للردّ الإسرائيلي على إيران، التي تجد نفسَها أمام انخراطٍ «اضطراري» متزايد في البركان المشتعل رغم محاولات واشنطن ضبْط إيقاع المواجهة بينها وبين إسرائيل تفادياً لصِدام إقليمي مروع.
ورغم حرص عربي ودولي ثابت على إعلاء أولوية الحل الدبلوماسي ووقف النار، فإنّ المؤشرات الميدانية التي لاحت أمس لم توحِ بأن المسارَ السياسي مُعبّدٌ، خصوصاً في ضوء «ترقية» رئيس الوزراء الإسرائيلي المواجهة التي يخوضها منذ 7 أكتوبر 2023 في غزة – قبل أن تنفلشَ إلى «جبهات الإسناد» وفي مقدّمتها جنوب لبنان – من حرب «السيوف الحديدية» إلى «حرب القيامة»، وليس انتهاءً بما يشبه «أمر العمليات» الذي أصدرته إيران بلسان المرشد الأعلى السيد علي خامنئي ووزير خارجيتها عباس عراقجي باستمرار جبهة لبنان والإصرار على «وحدة المسار والمصير» بينها وبين غزة.
وفي حين كان وزير خارجية فرنسا جان – نويل بارو يعلن من القدس أن الحزب «يتحمّل مسؤولية كبيرة» في اتساع نطاق الحرب في لبنان، معتبراً في الوقت نفسه أن «القوة وحدها لا يمكن أن تضمن أمن إسرائيل»، برز تحذيرُ نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من بيروت من «أن التصعيد الإسرائيلي يدفع المنطقة لهاوية حرب إقليمية»، مؤكداً أن «الأردن لن يكون ساحة حرب لأحد».
واشتدّت في غضون ذلك المواجهات الميدانية في جنوب لبنان، اجتياحاً جوياً أعتى والتحاماً بين الجيش الاسرائيلي ومقاتلي «حزب الله» في محاور عدة تقدّم الإسرائيليون في بعضها، وعملياتٍ من الحزب ضد تجمعات في نقاط خلفية وقصفاً صاروخياً لمستعمرات عدة.
وفي الوقت الذي اعتُبر موقفُ «حزب الله»، أمس، وإعلانه أن «قرارَ فتْح جبهة الإسناد لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الشريفة هو قرار إلى جانب الحق والعدل والإنسانية التامة» بمثابة مؤشرٍ إلى مضيّه في هذا الخيار ورفْضه فصل الجبهات تحت ضغط النار، فإنّ هذا الأمرَ بدا عنصر ضغط على لبنان الرسمي الذي يسعى بكل قوة لتحقيق وقف نار وأعطى إشاراتٍ إلى استعدادٍ لفك الارتباط بين الحرب فيه وعلى غزة، ولا سيما في ظلّ محاولات دولية مستمرّة لتفادي زجّ «بلاد الأرز» في محرقة تستنسخ كل أهوال القطاع التي باتت معالمها ظاهرةً على أكثر من صعيد في مختلف مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.
هاوية حرب إقليمية
وفي سياق دبلوماسي متصل، برز تحذيرُ نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من بيروت من «أن التصعيد الإسرائيلي يدفع المنطقة لهاوية حرب إقليمية»، وتأكيده «الأردن لن يكون ساحة حرب لأحد»، مشدداً على أن «حماية أمن مواطنينا وحماية الأردن أولوية بالنسبة لنا، وأبلغنا هذه الرسالة الواضحة إلى إيران وإسرائيل، ولن نسمح بخرق أجوائنا وسنقوم بكل ما هو مطلوب لمنع ذلك».
وشدد الصفدي بعد لقائه كبار المسؤولين اللبنانيين على أن «لبنان اتخذ موقفاً واضحاً وأعلن استعداده لتطبيق القرار 1701 بالمطلق، وعلى إسرائيل أن تلتزم بذلك، وعلى المجتمع الدولي، إذا أراد أن يحمي المنطقة من الانزلاق من الحرب الإقليمية، أن يفرض على إسرائيل وقف عدوانها ووقف النار في لبنان وغزة».