مع طيّ «جبهةِ الإسناد» لغزة عبر جنوب لبنان أمس «سنة أولى» على فتْحها من «حزب الله»، تَقاطَعَتْ المؤشراتُ إلى أن الحربَ مفتوحةٌ بلا هوادة حتى تحقيق إسرائيل هدفاً بات يتحمور ضِمْناً حول «نزْع المَخالب» العسكرية لـ «حزب الله» التي تَخشى أن تُغرَز في شمالها وصولاً إلى عمقها، وتالياً الذهاب أبعد من منطوق القرار 1701 وترتيباته المحصورة بمنطقة جنوب الليطاني، نحو صيغة تريدها أكثر شمولية في ما خصّ مجمل وضعية الحزب وسلاحه بتأثيراته العابرة للحدود.
ومن الميدان إلى الديبلوماسية، ارتسم أفقُ الحرب الآخذة في الاتساع وانسدادُ الحلول السياسية العالقة في عنق الزجاجة، في ظل خشيةٍ من 3 أسابيع ستكون الأقسى في لعبة «مَن يصرخ أولاً» خصوصاً مع دخول الإدارة الأميركية في حال «انعدام وزنٍ» مع العدِّ التنازلي لانتخاباتِ 5 نوفمبر، وهو ما يُرجَّح أن يزيدَ من تفلُّت بنيامين نتنياهو مما بقي من قيودِ الحد الأدنى الأميركية خصوصاً مع إشاراتٍ بارزة من البيت الأبيض إلى «انسحابٍ» من محاولة إخماد الحريق على جبهة لبنان في المدى القريب.
وفي هذا الإطار أمكن التوقّفُ عند المؤشرات الآتية:
– تفاخر نتنياهو، بتصفية الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله وخليفته «المحتمل» هاشم صفي الدين وخليفة خليفته، معتبراً أن «حزب الله صار أضعف الآن مما كان عليه منذ سنوات طويلة».
وتابع «هناك طريق أفضل للبنان ولا تتركوا الإرهابيين يدمرون دولتكم»، محذراً «لبنان من أن يشهد دماراً شبيهاً بما حصل في غزة».
– زجّ الجيش الإسرائيلي، الذي يَمْضي في محاولة تعميق التوغل البَري عبر 3 محاور: القطاع الشرقي (كفركلا – العديسة) والغربي (علما الشعب – الناقورة) والأوسط (عبر عين ابل بعدما حقق تقدماً في مارون الراس ويارون)، بالفرقة 146 التي تضمّ قوات اللواء 2 واللواء 205 في «عملية برية محددة الأهداف ومحدودة في القطاع الغربي لجنوب لبنان ضد أهداف وبنى إرهابية لحزب الله» معلناً «انها فرقة الاحتياط الأولى التي تنخرط بالقتال في إطار حملة(سهام الشمال)حيث تعمل برفقة قوات مدفعية وقوات إضافية لكشف بنى تحتية للعدو وتدميرها».
– إعطاء إسرائيل إشارة متقدمة إلى قرب استخدام البحر، الذي تَقصف منه بوارج حربية مناطق لبنانية خصوصاً الضاحية الجنوبية لبيروت، في سياق عملية غزو «ثلاثية البُعد» (الجو، والبر، والبحر)، وهو ما عبّر عنه إعلان الجيش الإسرائيلي في بيان أنه سيشنّ قريباً عمليات عسكرية على ساحل لبنان الجنوبي، مطالباً الصيادين وروّادَ البحر في منطقة نهر الأولي جنوباً بالابتعاد عن الشاطئ حتّى إشعار آخر، في موازاة تقارير عن أنه «طلب من قوة اليونيفيل سحب سفنها من الناقورة إلى صور».- إعلان “الوكالة الوطنية للاعلام” ان طائرة حربية إسرائيلية استهدفت الناقل الرئيسي لمياه نهر الليطاني، وأصبح النهر خارج الاستثمار في منطقة الجنوب.
– زعْم الجيش الإسرائيلي أن لواء غولاني سيطر على مجمع قتالي لحزب الله في مارون الراس، قبل أن تنشر هيئة البث الإسرائيلية فيديو عصراً ادعت أنه من هذه البلدة ويُظهر رفْع العلم الإسرائيلي فيها.
– إعلان الجيش الإسرائيلي أربع مناطق في الشمال مناطق عسكرية مغلقة اعتباراً من مساء الاثنين، ومنْع الدخول إليها، في موازاة تقارير عن أن قائد المنطقة الشمالية أوري غورودين وخلال اجتماع مع رؤساء السلطات المحلية في مستوطنات تم إخلاؤها دعا إلى الاستعداد لإعادة السكان بعد«عيد العُرش»اليهودي (بين 16 و23 الجاري)، وهو ما اعتُبر إشارة إلى أن الفترة الفاصلة عن هذا التاريخ ستشهد تكثيفاً للعمليات العسكرية وزيادةً في التوحّش ضد المناطق اللبنانية.
– تَعَمُّد «حزب الله» في ذكرى 8 أكتوبر أي تاريخ فتْحه جبهة الإشغال من الجنوب، شنّ أكبر هجوم صاروخي «ضربة واحدة» بأكثر من 100 صاروخ استهدفت حيفا وضواحيها، ما تسبب بإغراق منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية وإفلات عدد من الصواريخ سقطت في أكثر من منطقة وتسببت بدمار كبير وجرح ما لا يقلّ عن 12 شخصاً.
– التعاطي مع هذه الرشقة الأكبر – والتي أعقبها إعلان الحزب أنه «لدى تقدّم قوة للعدوّ الإسرائيلي فجراً باتجاه منطقة اللبونة الحدودية أمطرها مقاتلوه بقذائف المدفعية والأسلحة الصاروخية وحققوا فيها إصابات مؤكدة وأجبروها على التراجع» - على أنها بمثابة «مشروعية» أريد منْحُها لنائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الذي بات الرجل الأول بعد اغتيال نصرالله (وإن كانت إدارة الحزب تتم بقيادة جَماعية في انتظار تعيين خلف لنصرالله) – والذي نُفذت العملية قبيل انتهاء كلمته التي وجّهها أمس عبر الشاشة.
وانطبعت كلمة قاسم الذي أطلّ من مكان معتم بحرص على تأكيد أن الإمكانات العسكرية للحزب «بخير» رغم من الضربات المكثفة التي تشنّها إسرائيل في لبنان و«أن القيادة والسيطرة وإدارة الحزب والمقاومة منتظمة بدقة وتخطينا الضربات (…) وسننجز انتخاب الأمين العام وفق الآليات التنظيمية وسنعلن ذلك في حينه».
وقف إطلاق النار
وإذ أكد «أعجز عن وصف حالنا دون السيد نصرالله»، لفت إلى أنّ «لا قيمة للأمتار التي يمكن أن يحصل عليها العدو، ونحن نريد أن يحصل الالتحام معه سواء في الحافة الأمامية أو بعد ذلك»، موضحاً أنّ هذه «حرب من يصرخ أولاً، ونحن لن نصرخ، وسنستمر»، ومبدياً تأييداً للحراك السياسي الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري «بعنوانه الأساس وقف إطلاق النار».
وأضاف «لنا ملء الثقة بقيادة الأخ الأكبر الأستاذ نبيه بري، وحزب الله وأمل قلب واحد (…) وبعد أن يترسخ وقف النار بالدبلوماسية كل التفاصيل الأخرى تُناقش ونتخذ فيها قرارات بالتعاون. ولا تستعجلوا. فقبل وقف النار، أي نقاش آخر لا محلّ له بالنسبة إلينا. ونحن لا نستجدي حلاً».
وردّ على المشككين «بعطاء إيران ودعمها»، مؤكداً «أنها هي التي تقرر متى تدعم وكيف، وهي التي أعطت كل هذه الأعوام وواجهت (إسرائيل) بالوعد الصادق 1 و2 وأكثر من 1500 صاروخ أطلقتها، وهذا يعني أنها مصمّمة على أن تكون بجانب المقاومة بالطريقة التي تراها مناسبة، وهذه ليست معركة إيران ونفوذها في المنطقة بل تحرير فلسطين».
واستوقف أوساطاً سياسية في كلام قاسم عدم إشارته لربْط جبهة لبنان بغزة، وتَرْكه هذا الأمر لِما بعد حصول وقْف النار وكذلك البحث في القرار 1701 وموقف «حزب الله» من تطبيقه، معتبرةً أنه في الوقت الذي فوّض نائب الأمين العام للحزب رئيس البرلمان التفاوض حول وقف النار، فإنّ ثمةَ انطباعاً بأن طهران باتت هي التي تدير فعلياً هذا الملف منذ «أمر العمليات» الذي أصدره السيد علي خامنئي بالمضيّ بـ «خدمة المنطقة» من خلال مساندة حزب الله لغزة، وتعمّدها إرسال وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى بيروت غداة موقف بري (والرئيس نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط) الداعي لوقف نار على قاعدة الفصل بين الجبهتين، راهناً هذا الأمر بالصوت والصورة بشرط «التزامن بين لبنان وغزة».
مقايضة أميركية
وفي الوقت الذي بدا كلام خامنئي وعراقجي في سياق توزيع أدوار يعكس إمساك طهران، «ما بعد نصر الله»، مباشرة بدفّة الميدان في لبنان وبدبلوماسية وقف الحرب، بما يجعلها تدير المعركة المزدوجة وفق شروطها الموصولة بعدم الرغبة في بلوغ الصدام الكبير مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة ولا أن ينهار بالكامل قوس نفوذها في المنطقة وأقوى حلقاته «حزب الله»، فإن البارز وفق الأوساط نفسها كان ملامح مقايضة أميركية بين تخفيف تل أبيب ردّها على الهجوم الصاروخي الإيراني ودوْزنته بما يجنّب حرباً إقليمية شاملة، في مقابل التسليم لإسرائيل بإنهاك «حزب الله» وربما تمهيداً لإنهائه بالمعنى العسكري الذي يشكل خطراً عليها ويعّبر عن الامتداد الإقليمي الأكثر تأثيراً لإيران، أي تفادي «ضرب الرأس» والاكتفاء بمحاولة «قطع الأذرع».
وفي حين عبّر وزيرُ الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت أمس عن هذا الأمر بإعلانه أنّه «عندما ينقشع الدخان عن سماء لبنان، ستُدرك إيران أنها خسرت كنزها الثمين»، مؤكداً المضيّ بتوجيه الضربات لكبار قادة «حزب الله»، ولافتاً إلى أنه «ربما تم القضاء على خليفة نصرالله» في إشارة إلى رئيس المجلس التنفيذي«هاشم صفي الدين (استهدفته إسرائيل في الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي)»، ومشيراً الى «أن الحزب صار بلا رأس وبات تنظيما منهكاً ومنكسراً»، برز ما نقلته «سي ان ان» عن مسؤولين أميركيين من أنه بعد رفض إسرائيل لمقترح كانت تقوده الولايات المتحدة لوقف النار مع حزب الله «لا تحاول واشنطن إحياء المقترح واستسلمت لمحاولة تشكيل وتقييد العمليات الإسرائيلية في لبنان وضد إيران بدل وقف الأعمال العدائية».
وأشاروا إلى «تزايُد المخاوف داخل الإدارة الأميركية من نمو العمليات التي قالت إسرائيل عنها أنها محدودة إلى صراع أوسع نطاقاً وأطول أمداً»، موضحين «أن إسرائيل كانت تخطط في البداية لتوغل بري أكبر بكثير في لبنان قبل أن تقنعها واشنطن بتقليص حجمه (…) ونفوذ واشنطن محدود عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية الإسرائيلية»، وأضافوا «أن ما تعتبره إسرائيل رداً متناسباً قد لا يتّسق مع ما قد تعتبره واشنطن دول العالم رداً مدروساً».
وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أعلن «اننا ندعم قدرة الإسرائيليين على استهداف المسلحين، وتدمير البنية التحتية لحزب الله، و قدرته، لكننا ندرك تماماً المرات العديدة في الماضي حيث دخلت إسرائيل في ما بدا وكأنه عمليات محدودة وبقيت لأشهر أو لسنوات، وفي نهاية المطاف، هذه ليست النتيجة التي نريد أن نراها»، آملاً في الوقت نفسه «أن تنجح هذه العمليات. وإذا نجحوا في إبعاد حزب الله أو خفض قدراته فإننا نريد رؤية قوات اليونيفيل والقوات المسلحة اللبنانية تملأ الفراغ الأمني».
تحييد مطار بيروت
في موازاة ذلك، وعلى وقع إعلان الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان «إننا نرى في لبنان نفس الأنماط التي رأيناها في غزة… نفس الوسائل والأساليب الحربية»، وتأكيد منظمة الصحة العالمية «اننا تحققنا من 36 هجوماً على المرافق الصحية منذ أكتوبر الماضي في لبنان وأن 4 مستشفيات خرجت عن الخدمة»، أكد وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية علي حمية أنّ «لبنان تلقّى خلال اتصالاتها الدولية تطمينات لناحية عدم استهداف إسرائيل لمطار بيروت، لكنها لا ترقى إلى ضمانات»، على وقع غارات كثيفة في محيط المطار منذ الأسبوع الماضي.
وشدد حمية على أنّ الحكومة «تسعى إلى أن تبقي المرافق العامة برّاً وبحراً وجوّاً سالكة وأوّلها مطار رفيق الحريري الدولي»، والذي يعدّ بوابة لبنان جوّاً إلى العالم.
وكانت الولايات المتحدة حضّت إسرائيل على عدم شنّ أيّ هجوم على مطار بيروت أو الطرق المؤدية إليه.
وقال ميلر «نعتبر أن من الأهمية بمكان ليس فقط أن يبقى المطار مفتوحاً، بل أن تظل الطرق المؤدية إليه مفتوحة أيضاً، خصوصاً من أجل تمكين الراغبين بمغادرة لبنان من رعايا أميركيين ورعايا دول أخرى، من أن يفعلوا ذلك».