هل هو “مطار خامنئي” أم “مطار جو بايدن”؟
يمكن الجزم أنّ مطار رفيق الحريري الدولي يتمتّع راهناً بحصانة دولية لم تتوافر له إبّان حرب تموز عام 2006 بموجب قرار دولي، أميركي بشكل خاص، منسّق مع رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي ومع وزارة الأشغال وقيادة الجيش، ومع الأميركيين من جهة أخرى بوصفهم صلة الوصل الأساسية مع العدوّ الإسرائيلي الذي يُزنّر المطار بحصار ناري من جهة الضاحية الجنوبية محيّداً إيّاه عن الاستهداف المباشر. عملياً، الدولة اللبنانية، بكلّ أجهزتها الرسمية والأمنيّة والعسكرية، تسلّم لدول القرار بأنّ “أمن المطار محميّ من الثغرات”، طالبة الحماية بأيّ ثمن، مع توسيع واضح من جانب الحكومة لصلاحيات قيادة الجيش في الإشراف ومنح الأذونات لعمليات الإقلاع والهبوط والرصد وتفتيش الآليّات والحقائب والهنغارات والاطّلاع على “المانيفيست” الذي “تُشيّك” عليه أيضاً بعض الجهات الخارجية.
آخر التأكيدات من جهة لبنان لعدم وجود سلاح في مطار بيروت كانت زيارة وزير الأشغال علي حميّة، المحسوب على الحزب، أمس وجولته في معظم أقسام المطار ضمن إجراء يهدف بشكل غير مباشر لإرسال المزيد من رسائل الطمأنة، بعدما سَبق لحميّة أن جَزَم بوجود “نوع من التطمين من خلال الاتّصالات الدولية لكنّها تختلف عن الضمانات”. وكان وزير الأشغال نظّم جولة للسفراء المعتمدين في لبنان في حزيران الماضي ردّاً على ادّعاءات صحيفة “تلغراف” البريطانية “تخزين الحزب لصواريخ ومتفجّرات في مطار لبنان”.
يمكن الجزم أنّ مطار رفيق الحريري الدولي يتمتّع راهناً بحصانة دولية لم تتوافر له إبّان حرب تموز عام 2006 بموجب قرار دولي، أميركي بشكل خاص
الأهمّ أنّ زيارة حمية تأتي عقب الزيارة “الاستطلاعية” في 19 تشرين الأوّل الجاري للملحق العسكري في السفارة الأميركية على رأس وفد أمنيّ برفقة قائد جهاز أمن المطار العميد فادي كفوري الذي سبق أن أصدَرَ قراراً بالتفتيش الأمني لكلّ آليّة تغادر منطقة الشحن على بوّابة الخروج بعد إتمام المعاملات الجمركية.
وفق معلومات “أساس” أطلَعَ قائد جهاز أمن المطار الحاضرين في اجتماع مجلس الأمن المركزي يوم الخميس على المعطيات في شأن زيارة الملحق العسكري لمطار بيروت، مشيراً إلى أنّ “الزائر الاميركي العسكري تأكّد بالملموس من عدم وجود أسلحة أو أيّ نشاط للحزب في المطار”.
المطار تحت المراقبة
كما أفادت معطيات “أساس” أنّه منذ تنفيذ الطائرات الحربية الإسرائيلية غارتها الأولى على الضاحية في 2 كانون الثاني الماضي مستهدفةً نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري تكثّفت الاتّصالات لتحييد مطار بيروت، ومع بدء القصف الجوّي بشكل مكثّف في 23 أيلول الماضي فرض الجانب الأميركي ما يُشبِه لائحة شروط وقيود لإبقاء المطار في مأمن من الضربات الإسرائيلية، ولهذه الغاية عقدت عدّة اجتماعات في السراي الحكومي وُضِع رئيس مجلس النواب نبيه برّي في جوّها، وأوكلت خلالها إلى الجيش مهامّ إضافية هي بمنزلة توسيع لبيكار صلاحيّاته.
في السياق نفسه تقصّد الوزير حميّة التأكيد أنّ “وزارة الأشغال لا تعطي موافقة على هبوط أيّ طائرة قبل موافقة الجيش. وفي ما يتعلّق بالمرافق البحرية فإنّ السفن المرتبطة بأعمال عسكرية تخضع لمراقبة غرفة عمليات مشتركة من الجيش والأمن العام وقوى الأمن الداخلي واليونيفيل، بعد وصول العلم والخبر بشأنها لرئاسة المرفأ التابعة لوزارة الأشغال”.
أطلَعَ قائد جهاز أمن المطار الحاضرين في اجتماع مجلس الأمن المركزي مشيراً إلى أنّ “الزائر الاميركي العسكري تأكّد بالملموس من عدم وجود أسلحة أو أيّ نشاط للحزب في المطار”
مطار خامنئي!
ضمن سلسلة تغريداته المثيرة للجدل التي تدقّ على وتر إثارة البلبلة الأمنيّة والطائفية نَشَر مفوّض الحكومة السابق لدى المحكمة العسكرية القاضي السابق بيتر جرمانوس قبل أيام صورة على حسابه على “إكس” لآثار ضربة إسرائيلية قائلاً: “ضربة قوّية على بيروت وخلفها مدرج خامنئي”. في هذا السياق عَلِم “أساس” أنّ ثمّة جهات تتحرّك للادّعاء على القاضي السابق جرمانوس بجرم تعريض مرفق حيوي أساسي كما حياة لبنانيين للخطر الشديد، مع العلم أنّ جرمانوس نفسه كان أصدر في شباط 2019 من موقعه السابق كمفوّض حكومة بلاغ بحثٍ وتحرِّ بحقّ إعلامي بتهمة “بثّ أجواء تشوّه صورة مطار بيروت الدولي وتمسّ بسمعته أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي”.
القاضي جرمانوس، الذي انتقل بقدرة قادر من الحضن العوني-الحزبللاوي يوم كان مفوّضاً للحكومة لدى المحكمة العسكرية بغطاء العهد الباسيليّ إلى حضن “السياديّين الجُدد” بعد إخراجه من السلك القضائي، يتجاهل أنّ مطار بيروت، الذي تأكّد للأميركيين بالأدلّة والرصد المستمرّ أنّه لا يحتوي على أسلحة وذخائر أو مخازن مشبوهة، ليس مطار خامنئي. وربّما يُدرِك جرمانوس أنّ شركة طيران “الميدل إيست” التي ضاعفت عدد رحلاتها بعد تجميد كلّ شركات الطيران الأخرى جدول رحلاتها إلى لبنان لم تنقل جريحاً واحداً من جرحى الحزب أو أيّ مسؤول من الحزب، على اختلاف مستوياتهم، بعد بدء العدوّ الإسرائيلي هجومه الجوّي الصاروخي على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت.
هذه معلومة موثوقة وصلت إلى “أساس” وتأتي ضمن سياق العمل الحكومي-الأمنيّ المنسّق مع سلطات هذا المرفق تحت إشراف الجانب الأميركي لإبعاد أيّ شبهة عن المطار الذي يشهد منذ مجرزتي البيجر والأجهزة اللاسلكية في 17 و18 أيلول حركة إقلاع وهبوط جبّارة لطائرات “الميدل إيست” وقوّة قلب من طاقمها العامل وسط الغارات العنيفة التي تستهدف المطار، ومن ضمنها إجلاء عدد كبير جداً من اللبنانيين ورعايا الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وعربية وخليجية ومن كلّ دول العالم.
إقرأ أيضاً: لبنان بين أميركا وفرنسا: حلّ دائم.. أو الميدان و”غزّة 2″
أربعة اعتداءات
يُذكر أنّ مطار بيروت تعرّض لأربعة اعتداءات إسرائيلية في تاريخه:
في 28 كانون الأول 1968، وكان الاستهداف الأكبر والأعنف ردّاً على هجوم نفّذته “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” على طائرة إسرائيلية في أثينا.
عام 1976 حين دمّر العدوّ الإسرائيلي طائرة ركّاب من طراز “بوينغ 707” تابعة لشركة “طيران الشرق الأوسط” وأدّى ذلك إلى مقتل الكابتن زهير ميقاتي.
عام 1982 إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان دمّر ستّ طائرات تابعة لشركة “ميدل إيست”.
الاعتداء الأخير حصل مع بداية حرب تموز 2006 حين قصف سلاح الجوّ الإسرائيلي مطار رفيق الحريري الدولي في 13 تموز ودمّر ثلاثة مدرّجات، وهو ما أخرج المطار عن الخدمة وأبقاه مغلقاً حتى 17 آب من العام نفسه. يومها اتّهمت حكومة إيهود أولمرت إيران باستخدام المطار لتزويد الحزب بالسلاح والعتاد.