بالكذب والخداع، يستثمر العدو الصهيوني صور انفجار الصواريخ التي يرمي بها مباني الضاحية الجنوبية. فهو يزعم أن هذه المباني تضم مخازن أسلحة، ويستدلّ على ذلك بالإشارة إلى كرات النار والشرر الذي يتطاير بعد كل استهداف. لكن هذا الدليل يسقط عندما يتبيّن أن مقذوفات العدو تنتج هذه الكرات من النار، وهذا ما سنعرضه بالدليل العلمي للمقذوفات المصممة لتكون قنابل حرارية «Thermobaric bombs».
يومياً، يلجأ الناطق الرسمي باللغة العربية لدى جيش العدو، إلى مجموعة من الأكاذيب بهدف التأثير في الوعي الجماعي. إذ يزعم أن قوات العدو ستقصف أبنية تستخدمها المقاومة في لبنان كمخازن أسلحة. وبقصد أو عن جهل، تنجرّ الشاشات إلى هذه المقاربة وتنقل صور الانفجارات وشهب النار التي تليها، بالاستناد إلى رواية العدو وسرديته عن وجود مخازن أسلحة داخل الأبنية المدنية. كذلك يتسابق مدّعو الخبرة والتحليل على شاشات التلفزيون لتقديم السردية نفسها.
لكنّ الوقائع العلمية تشير إلى أن العدو يستخدم أسلحة حرارية، ولا سيما في قصف الضاحية تحديداً، وهي مسؤولة عن «أثر المفرقعات». فهذه المقذوفات التي سُجّل أثر واضح لها في الحرب الروسية – الأوكرانية، تسمّى «Thermobaric bombs»، وهي مكوّنة بشكل أساسي من «أكسيد الإثيلين»، و«أكسيد البروبيلين»، و«نيترات الأمونيوم». وتعد هذه المواد الوقود الحارق الذي تصل نسبته في المقذوفات إلى 40% من وزنها الإجمالي، وتضاف إليها مادة متفجرة قوية مثل PETN، وهي مادة شديدة الانفجار، أقوى من «TNT»، إنما أقل حساسية. وفي بعض الأحيان، تضيف الجيوش معدن الألمنيوم لهذه الخلطة بغية زيادة العصف الانفجاري وسرعة الانفجار. يؤدي هذا الخليط إلى انفجار قوي تنتج منه حرارة تصل إلى 3 آلاف درجة مئوية بعدما تتشظى المواد الكيميائية الموجودة فيها. والتشظي مع الحرارة واللهب الناتج من المقذوف، يؤدي إلى انفجارات صغيرة متتالية مع شهب نار، ما يوحي بأن هناك انفجارات ثانوية يصدرها تفجّر مخزن السلاح.
بشكل تفصيلي، ينفجر هذا المقذوف على مرحلتين؛ في الأولى، بعد ارتطام القذيفة بالهدف، تخرج غمامة كبيرة من الغازات، أو السوائل، أو حتى المواد الصلبة الفائقة الصغر. وهذه الغمامة قادرة على تغليف المبنى بأكمله، وفقاً لحجم القنبلة ووزنها. بعد انتشار الغمامة، تلتهب تركيبتها الكيميائية في خلال أجزاء من مليون الثانية، وتتحول إلى «كتلة بلازما» من الشرر والنار، وتحترق من دون الاعتماد على الأوكسجين الموجود في الجو. فيحصل الانفجار الأول الذي يدفع الغازات المحيطة بالمكان المستهدف بعيداً عنه، على شكل كرة عملاقة من الضغط. تصل حرارتها لحوالي 3 آلاف درجة مئوية، وتنتج ضغطاً هائلاً على النقطة المستهدفة تقدر قوّته بنحو 73 كيلوغراماً على كل سنتمتر مربع من المكان. قوّة هذا الضغط، أعلى بـ73 مرة من الضغط الجوي العادي، أي ما يشبه وضع كتلة وزنها يناهز 7 أطنان على كل متر مربع من أساسات المبنى، وأسقفه ما يؤدي إلى تفتته وانهياره. ونتيجة لهذا الانفجار الأول، يقع المكان المستهدف في الفراغ حرفياً، أي يخرج منه الهواء، وينخفض الضغط الجوي. وفي أجزاء من الثانية، يتعرض المبنى المستهدف لضربة ثانية ناتجة من عودة الهواء المحيط بالمبنى إلى مكانه مع ما يحمله من أوكسجين، وبالسرعة نفسها التي غادرها، ما يخلق موجة ضغط ثانية تزيد من القدرة التدميرية.
في المرحلة الثانية من انفجار المقذوف، وعند عودة الهواء المشبع بالأوكسجين، تبدأ عملية احتراق ثانية، إنما بطيئة هذه المرة، فتظهر على شكل كرة من النار. وبسبب الحرارة العالية، تستمر الحرائق في الأبنية المنهارة في الضاحية لعدة أيام بعد قصفها.
هذا النوع من الانفجارات لم نشهده خلال عدوان تموز 2006، إذ لم تستخدم يومها الأسلحة الحرارية على نطاق واسع، بل جرى الاكتفاء بتدمير الأبنية بالأسلحة التفجيرية التقليدية. أما الآن، فيتقصد العدو استخدام أسلحة تتسبب بـ«انفجارات ثانوية»، وينبعث منها الشرر الملتهب، ما يوحي للمشاهد أنّ هناك أسلحة، أو مواد قابلة للانفجار في المواقع المستهدفة.
بينما الحقيقة، تؤكّد استخدام العدو للأسلحة الحرارية الثقيلة على الأبنية السكنية، وهو يتعمد القصف ليلاً لخلق صورة النار، وما يرافقها من أضواء، فضلاً عن ضرب أبنية تحتوي مستودعات مواد قابلة للاشتعال، مثل محال الدهانات في محلتي الجاموس والكفاءات. في الواقع، يتقصد العدو استخدام هذا النوع من الأسلحة للإحراق، والتدمير في آن معاً. هذه الأسلحة تتمتع بالقدرة على الدخول في الفتحات الصغيرة للأبنية، وحتى المنافذ الموجودة في السيارات. ومن ثمّ تشتعل، لتنفجر أولاً، ولتحرق ثانياً كلّ شيء. كيميائياً، تنفجر الأسلحة الحرارية على مرحلتين.
تاريخياً، الأسلحة الحرارية ليست جديدة، بل هي سلاح نازي أدخلته ألمانيا إلى الخدمة في أربعينيات القرن الماضي. وفي وقت لاحق، طورته الولايات المتحدة خلال حربها العدوانية على فييتنام، ثمّ بدأ الاتحاد السوفياتي باستخدام هذا النوع من الأسلحة في حروبه على أفغانستان، وفي الشيشان. وحلّ التطور الكبير على هذه الأسلحة في تسعينيات القرن الماضي، حينها وجد الأميركيون «الخلطة الكيميائية الأفضل»، وبدأوا بانتاج القنابل الحرارية ذات الوزن الثقيل. فكلما ارتفع وزنها، زادت كمية الوقود فيها، ومعها حظوظها في الانفجار. فهذه القنابل، بزنة ألفي رطل أو 910 كيلوغرامات، التي ترمى على الضاحية اليوم، وتحيل المباني رماداً، استخدمها الأميركي لأول مرة عام 2002 في قصف كهوف تنظيم القاعدة في أفغانستان، ثمّ في حربه على العراق.
الأسلحة الحرارية محرّمة دولياً؟
لم تدخل الأسلحة الحرارية، أو «Thermobaric weapons» تحت أيّ فقرة أو مادة من مكونات معاهدة جنيف. لكن، بسبب طبيعتها الحارقة، وإمكانية تسببها بحروق بليغة إذا أصابت البشر، جرت محاولات دولية لوضع هذا النوع من الأسلحة في خانة الأسلحة المسببة للحرائق. وبالتالي، فإن استخدامها محرم دولياً على المدنيين، أو المنشآت المدنية، وفقاً للبروتوكول الثالث من معاهدة حظر الأسلحة الكيميائة والبيولوجية. إلا أنّ هذه المحاولات لم تأتِ نتيجة لتمادي العدو الصهيوني في استخدام الأسلحة الحارقة في حروبه، بل لأن الجيش الروسي استعملها في حربه على أوكرانيا، حيث يتم تجهيز راجمات الصواريخ، من طراز «TOS»، بهذا النوع من الأسلحة، ما يؤدي لخسائر كبيرة على مستوى القوات المسلحة الأوكرانية.
ماذا لو تنفجر الصواريخ في الأمكنة المستهدفة؟
يحدث أحياناً أن لا تنفجر القنابل الحرارية. ولكن، بعد ارتطامها بالهدف، تنشر الخليط المكوّن من الوقود والمواد المنفجرة في الجو. حينها، سيتحول الهواء المحيط في المنطقة إلى مادة شديدة السميّة، خاصة أنّ أحد مكونات الوقود، «أكسيد الإثيلين»، يستخدم طبياً في عمليات التخدير، وهو سام جداً. في حال استنشاقه يؤدي أولاً لسعال حاد، وحالات حساسية في الجهاز التنفسي. أما في حال التعرض لكميات كبيرة من هذا الغاز، ولوقت ممتد، فيمكن أن يؤدي لظهور سرطانات، إذ يعدّ عاملاً مسرطناً.