دخل البقاع للمرّة الأولى منذ بدء العدوان الجوّي الإسرائيلي في 23 أيلول مدار “إنذارات الإخلاء”، وهو ما يُنذر بتوسّع دائرة الاستهدافات، وبالموازاة حركة النزوح. لكنّ أوساطاً أمنية تؤكّد لـ “أساس” أنّ “النزوح يحصل بنسبة كبيرة جداً من بقعة الخطر إلى بقع نسبياً آمنة ضمن البقاع وبعلبك-الهرمل، فيما رصدت حركة نزوح بنسبة 10% نحو سوريا و10% باتّجاه بيروت والشمال والجبل”. كما تؤكّد المعطيات الأمنية أنّ الأهداف التي ضربت بعد طلب الإخلاءات في عدّة مواقع أظهرت عدم وجود مخازن أسلحة وذخائر فيها، بل تمّت أكثر بهدف التدمير وإثارة الرعب وإجبار البقاعيين على النزوح.
للمفارقة، وليس إطلاقاً من ضمن سياق التحفيز على الاستهداف، لوحظ أنّ العدو الإسرائيلي حاذر بشكل كبير ضرب أوكار ومخازن تصنيع المخدّرات في البقع المعروفة بنشاطها في سياق الاتّجار بالمخدّرات وتصديرها، مع العلم أنّ هذه البقع لطالما صنّفت أنّها “المخزون الاستراتيجي” للحزب لناحية إدارة “بيزنس” الكبتاغون وتصدير المخدّرات كباب من أبواب التمويل.
وفق معطيات أمنيّة موثوقة لا يزال النشاط قائماً في بقع معروفة تاريخياً بالخارجة عن الدولة وإن بوتيرة أقلّ بسبب المحيط الذي يتعرّض لأعنف قصف جوّي منذ عام 2006، فيما أكّدت مصادر عسكرية قيام فرع مخابرات البقاع بعدّة مداهمات وآخرها في حورتعلا على خلفية وجود عصابات تواظب على ترويج المخدّرات والقيام بسرقات في بلدات جرى إخلاء جزء منها بسبب حدّة القصف.
دخل البقاع للمرّة الأولى منذ بدء العدوان الجوّي الإسرائيلي في 23 أيلول مدار “إنذارات الإخلاء”، وهو ما يُنذر بتوسّع دائرة الاستهدافات، وبالموازاة حركة النزوح
لا إخلاءات للجيش
حتى الآن يمكن رصد استهداف العدوّ الإسرائيلي لمناطق نفوذ عدّة للحزب في بعلبك-الهرمل والبقاع الأوسط والبقاع الغربي واستهداف بنى تحتية عسكرية للحزب ومنصّات صواريخ ومستودعات أسلحة وقياديين ميدانيين في الحزب، كما يقول الجيش الإسرائيلي، وارتكاب عدد كبير من المجازر واستهداف مدنيين بشكل مقصود، لكن من دون حصول عملية إخلاء جماعي لشريط القرى المستهدفة كما حصل في بعض البلدات الجنوبية، مع العلم أنّ بعض البلدات شهدت دماراً واسعاً كدورس، العين، حربتا، اليمونة، تمنين التحتا والفوقا، رياق، أنصار… وبالمقابل، يحصل النزوح باتّجاه مناطق مسيحية وسنّية وباتّجاه العديد من الأديرة والكنائس من دون رصد إشكالات أو توتّرات كبيرة، وفي هذا الإطار قال أحد أبناء بلدة دير الأحمر: “كلّ أهالي هذه القرى يعرفون بعضهم ولو عن بعد. هم ضيوفنا وحريصون مثلنا على حياتهم وحياتنا”.
لناحية الجيش لم تحصل إخلاءات تذكر للمواقع العسكرية كما حصل في الجنوب منذ لحظة بدء التوغّل البرّي، مع العلم أنّ البقاع مستهدف بالغارات الجوّية فقط بسبب عدم وجود حدود مشتركة باستثناء نقطة مزارع شبعا الثلاثية الأبعاد الكاشفة على الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلّة والمطلّة على الجولان. كما يتردّد كثيراً سيناريو محاولة العدوّ الإسرائيلي فصل البقاع عن جنوب نهر الليطاني من خلال احتلال محور كفركلا-العديسة، أي من جانب المحور الشرقي.
لا يزال الجيش عاجزاً عن فتح طريق المصنع بسبب القرار الإسرائيلي المبلّغ إلى الأميركيين بإبقائه خارج الخدمة
المعابر خارج الخدمة
حتى الآن لا يزال الجيش عاجزاً عن فتح طريق المصنع بسبب القرار الإسرائيلي المبلّغ إلى الأميركيين بإبقائه خارج الخدمة، فيما يتمّ الانتقال من الضفّة اللبنانية إلى الضفّة السورية وبالعكس مشياً على الأقدام. وقد استهدف العدوّ الإسرائيلي معظم المعابر الأخرى الشرعية وغير الشرعية كمعبر مطربا وجرماش وقلب السبع والحرف وغيرها.. ويمكن الجزم بأنّ نحو 150 معبراً قد أقفلوا تماماً بفعل الاستهداف المباشر.
منطقة نار
كانت إسرائيل أدخلت ضمن بنك أهدافها البقاع ومحيط بعلبك للمرّة الأولى منذ عام 2006 في 26 شباط الماضي ردّاً يومها على إسقاط الحزب مسيّرة من طراز “هرمز 450” وضمن سياق معادلة فرضها الحزب بداية وقوامها “الجولان مقابل البقاع” لتصبح بعدها المنطقة برمّتها تحت النار والدمار.
لقد توالت الضربات بشكل متقطّع، وكان أعنفها بين تموز وآب، إلى أن تحوّلت بعلبك-الهرمل والبقاع بعد بدء العدوان الجوّي الإسرائيلي في 23 أيلول إلى منطقة جحيم حقيقي تكاد تكون شبيهة من حيث وحشيّة المجازر والضربات المدمّرة بالجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
إقرأ أيضاً: هل يقود برّي رحلة العودة إلى الجذور؟
يُذكر أنّه في عام 2006 وجّه العدوّ الإسرائيلي نيران صواريخه إلى البقاع مستهدفاً عدّة بلدات حدودية وفي العمق لكن بشكل محدود مقارنة بما يحصل اليوم. وتعرّضت بعلبك التي تبعد نحو 120 كلم عن الحدود اللبنانية-الإسرائيلية في 1 آب عند التاسعة والنصف مساءً لعملية إنزال واكبها قصف جوّي عنيف في بلدة التلّ الأبيض عند المدخل الشمالي لمدينة بعلبك قرب مستشفى دار الحكمة وبلدتَي الجمالية وإيعات، وقيل إنّها كانت تستهدف عضو مجلس الشورى محمد يزبك. ودار اشتباك مباشر يومها بين المعتدين وعناصر الحزب أدّى إلى سقوط 11 شهيداً وخطف ثلاثة. كما ضرب العدوّ جسر العاصي في الهرمل، وأغار على مراكز عدّة للجيش.
يومها أرسل الإسرائيليون صباحاً رسائل إلى هواتف المنازل مهدّدين “بما سيحصل وهو أكبر من طاقة الحزب. أنتم تقولون إنّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت. سنريكم اليوم”.