التمديد الثاني: عون على طريق التشبّه بلحود؟

قبل شهرين من موعد انتهاء تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون في 10 كانون الثاني المقبل، يتسارع الحديث عن استعجالٍ في الذهاب الى تمديد ثانٍ بعدما قدّم حزب القوات اللبنانية في 28 تشرين الاول حجة للعجلة، باقتراح قانون معجل مكرر بذلك لسنة جديدة. ذرائع شتى تلاقي الاقتراح. منها ان الجيش على موعد – وان غير معلوم بعد وقد يطول الى ابعد من 10 كانون الثاني – مع اعادة تطبيقه القرار 1701 جنوب نهر الليطاني وانسحاب حزب الله الى الشمال منه. ومنها ما يحكى عن ضغوط فاعلة تقودها السفارة الاميركية لابقاء الرجل في منصبه للسبب ذاك. ومنها ربط منصب القائد بالاستحقاق الرئاسي غير المعلوم المصير. ما يقوله رئيس المجلس نبيه برّي – وقد أعاده مجدداً امام زواره قبل يومين – ان انتخاب الرئيس هو الخطوة التالية للوقف الشامل والدائم للنار في لبنان، يُستَنتج منه ان الرئيس المقبل قد يسبق مباشرة تطبيق قرار مجلس الامن.
طابع العجلة ذاك، رغم ان الحرب بعنفها وتدميرها لا تزال دائرة بلا ادنى آمال وتوقعات بقرب توقفها، يبرّر عند بعض الافرقاء إخراج التمديد الثاني لعون تحوطاً واحترازاً، سواء من خلال اقتراح القانون المعجل المكرر المسجّل لدى دوائر مجلس النواب او اقتراحات اخرى لاحقة يُدمج فيها لمراعاة بازار تطلبه طوائف اجهزة امنية اخرى يسري التمديد عليها على غرار ما حصل في التمديد الاول في جلسة 15 كانون الاول 2023.
على طرف نقيض من القانون 317 الصادر في 28 كانون الاول 2023، ممدّداً تأخير تسريح قائد الجيش وقادة الاجهزة الامنية والعسكرية سنة واحدة “بصورة استثنائية وخلافاً لأي نص آخر”، يتقدّم اقتراح القانون المعجل المكرر الجديد بصيغة مختلفة تماماً. مع ان باطنه تمديد سنة اضافية، بيد ان ظاهره يتحدّث عما لم يشر اليه قانون التمديد النافذ، وهو تعديل قانونيْن يلحظان تعديل سن التقاعد هما المرسوم الاشتراعي الصادر في 16 ايلول 1983 والقانون 329 الصادر في 18 ايار 1994. الاول تتناول المادة 56 فيه سلّم السن القانونية للتسريح الحكمي وحدّ الخدمة الفعلية للضباط من رتبة ملازم الى رتبة عماد، والثاني يتناول اعادة النظر في سن تقاعد قائد الجيش المعدلة في المرة الاخيرة عام 1994.
ما يطرحه اقتراح حزب القوات اللبنانية، دونما ايراده في متنه على انه اجراء استثنائي، رفع سن التسريح الحكمي لقائد الجيش الى 62 عاماً، في معرض الرغبة في تمديد ولايته سنة اخرى، وهو ما يجهر به الاقتراح. بيد انه في الواقع يكرّس سن تقاعد جديدة ونهائية لقائد الجيش حامل رتبة عماد هي 62 عاماً «اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون»، كي تسري بعدذاك على قادة الجيش الذين سيخلفون عون. لا يتوخى الاقتراح تمديداً ثانياً استثنائياً فحسب، بل تعديلاً جوهرياً لنص دائم ومستقر هو السن الحكمية لتقاعد قائد الجيش، فتصبح 62 عاماً بدلاً من 60 عاماً.
في المرسوم الاشتراعي 102/ 83، وفق المادة 56، ثمّة فارق مدروس معياري في سني احالة الضباط على التقاعد من رتبة ملازم الى رتبة عماد تبدأ بـ50 سنة للملازم وتنتهي بـ60 للعماد. ظلت المادة 56 هذه معمولاً بها بلا خلل او تعديل بين عاميْ 1983 1994 عندما حصل اول تعديل لها يختص بقائد الجيش حصراً.
في المادة 56 القديمة كما صدرت في المرسوم الاشتراعي 102/83 كانت سن احالة حامليْ رتبتيْ لواء وعماد الى التقاعد هي 59 عاماً. عندما طُرح اقتراح تعديلها عام 1994 كان قائد الجيش العماد اميل لحود يوشك على احالته الى التقاعد في السنة التالية عام 1995 لبلوغه عامه الـ59، في سنة انتخاب رئيس للجمهورية. لأنه كان مرشحاً محتملاً للرئاسة لدى دمشق اولاً ولدى اكثر من نصف الطبقة السياسية اللبنانية الحليفة كلها لسوريا، وبغية ابقائه في المنصب لضمان تأهله الى الرئاسة السنة التالية، صار الى تعديل المادة 56 للمرة الاولى في مجلس النواب برفع سن تسريح قائد الجيش من 59 عاماً الى 60 عاماً، ما ابقاه في قلب معادلة الاستحقاق. السنة التالية، سنة انتخاب الرئيس، صار الى تمديد ولاية الرئيس الراحل الياس هراوي ثلاث سنوات تنتهي عام 1998، ما قاد اذذاك الى اقرار مجلس النواب في 28 تشرين الثاني 1995 قانوناً آخر خلافاً لذاك قبل سنة، مدد استثنائياً سن تقاعد القائد ثلاث سنوات تنتهي عام 1998، هي سنة انتخاب الرئيس الجديد الذي سيكون عليه لحود بالذات، وينتقل من اليرزة الى قصر بعبدا.
آنذاك، عند طرح تمديد سن التقاعد، اصرّ لحود على صدوره في نصين اشتراعيين لئلا يُفسَّر انه اجراء استنسابي، ولفرد. ذلك ما حصل في القانون 329 برفعه سن تقاعد القائد من 59 عاماً الى 60 عاماً على انه اجراء دائم غير استثنائي، تمكّن قادة الجيش المتعاقبون من بعده ان يلبثوا في المنصب حتى سنهم الـ60، فيما ابقيت على حامل رتبة لواء السن الـ59. على ان الطلب نفسه للحود لم يُستجب عام 1995 رغم صدور تمديد الولاية في نص اشتراعي دونما ان يمسي دائماً وثابتاً، بأن طغى على بقائه في قيادة الجيش سنتذاك صفة التمديد الاستثنائي الاستنسابي.

اقتراح حزب القوات اللبنانية حائر بين صفتيْ الديمومة والاستثناء

ما يطرحه اقتراح القانون المعجل المكرر لحزب القوات اللبنانية، في ظاهره، ليس اجراء لفرد فحسب – وهو كذلك – واستنسابي، بل جعل سن تقاعد القائد من الآن فصاعداً 62 عاماً بدلاً من 60 عاماً، ما يوجب طرح ملاحظتين:
اولاهما، انه يخل بسلّم التراتبية المنصوص عليها في المدة 56 في المرسوم الاشتراعي 102/83 بأن يقصر تمديد سن التقاعد على ضابط واحد فقط هو حامل رتبة عماد اي قائد الجيش، ما يخالف مبدأ المساواة والحقوق في الواجبات الوظيفية في المؤسسة نفسها، ويحرم ضباطاً كبار آخرين فرص التأهل، ويضرب الفوارق في سني تقاعد الضباط النافذة: من ملازم الى عقيد فارق سن التقاعد سنة واحدة، وكذلك بين رتبتيْ لواء وعماد سنة واحدة، فيما الاقتراح الجديد يجعل الفارق بين رتبتيْ لواء وعماد ثلاث سنوات، وبين رتبتيْ عماد وعميد اربع سنوات.
ثانيهما، ما تورده الاسباب الموجبة في اقتراح القانون المعجل المكرر، مبرّرة التمديد للقائد الحالي بالتخويف من الفراغ في قيادة الجيش والاخطار الناجمة عن عدم استقرارها او خلوها من قائدها في المرحلة الصعبة الحالية، كي تتكىء الاسباب الموجبة تلك على ما تسميه “المصلحة الوطنية” و”الطابع الاستثنائي” اللذين يحتمان في حسبانها هذا الاجراء.
بذلك انطوى الاقتراح على تناقض واضح بين طلب تعديل نص دائم يتسم بالاستقرار هو تعديل السن الحكمية لتقاعد قائد الجيش برفعها، وبين التذرع بـ»المصلحة الوطنية» و»الطابع الاستثنائي» وهما اجراءان آنيان موقتان يتصلان بحالة راهنة منفصلة عن صفة الديمومة التي تضفيها المادة 56 على سني تقاعد الضباط وصولاً الى حامل رتبة عماد، برفعها من 60 عاماً الى 62 عاما لتشمل لاحقاً قادة الجيش خلفاء عون في المنصب.
ربما نجاح تجربة لحود عامي 1994 و1995 يسيل لعاب المحاولة لتكرارها عام 2024 بعد عام 2023، على ان ما اصاب قبلاً يصحّ ان يصيب لاحقاً.

اترك تعليق