مؤشّرات وقف إطلاق النّار… قبل نهاية العام؟

يواصل العدوّ الإسرائيلي عدوانه الهمجيّ على لبنان مرتكباً المجازر تلو الأخرى، غير عابىء بأيّ ضوابط دولية قد تلجمه أو تضع حدّاً لشراسة الهجمات التي ينفّذها بحقّ مدنيين عزّل أو بحقّ قرى وبلدات مهجورة إلّا من منازلها، فيسوّيها بالأرض التي اقتلع بطنها وجرفها عن بكرة أبيها… فيما المجتمع الدولي يتسلّح بصمت متآمر يترك للعدوّ كلّ الحرّية والهامش الزمني الذي يتيح له تنفيذ مخطّطاته العدوانية، التي يسعى “الحزب” إلى التصدّي لها… لكنّ هناك مؤشّرات إلى وقف إطلاق النار، فهل تصدق قبل نهاية 2024؟ أم يمنعها “الاتّفاق الجانبي” بين أميركا وإسرائيل حول “حقّ” إسرائيل في قصف أراضي جنوب لبنان ساعة تريد؟

المتغيّر الوحيد في المشهدية القاتمة التي تلفّ المسرح اللبناني، هو وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في معركة أمعن الديمقراطيون خلالها في مراكمة الأخطاء التي تسبّبت في خسارة مرشّحتهم كامالا هاريس التي قدّمت بدورها الفوز على طبق من فضة لمنافسها الجمهوري، بمعنى أنّ صناديق الاقتراع انتزعت السلطة من يد الإدارة المنتهية ولايتها، أكثر من منحها إلى الخصوم.
يواصل العدوّ الإسرائيلي عدوانه الهمجيّ على لبنان مرتكباً المجازر تلو الأخرى، غير عابىء بأيّ ضوابط دولية قد تلجمه أو تضع حدّاً لشراسة الهجمات التي ينفّذها

في مطلق الأحوال، باتت الكرة في ملعب دونالد ترامب، المُجرّب أصلاً في سلوكه ومواقفه وعلاقاته مع دول المنطقة. ومع ذلك، التعويل صار على الشعار الذي رفعه الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية والقاضي بالعمل لوقف الحرب في غزة، لدرجة أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري استشهد بتعهّد خطّي وقّعه ترامب لوقف إطلاق النار فور انتخابه. هذا مع العلم أنّ مقاربة ترامب للملفّ اللبناني تأتي ضمن نظرته إلى المنطقة ككلّ، وإلى علاقته بإيران على قاعدة تنازل النظام الإيراني عن أذرعه العسكرية. وهو هدف فشلت الإدارات المتعاقبة على تحقيقه منذ نشوء الجمهورية الإسلامية وتمدّدها إلى المنطقة.

هل يلغي هوكستين مفاوضاته؟

وفق أوساط دبلوماسية، من المستبعد جدّاً أن تتمكّن إدارة جو بايدن من تحقيق هذا الخرق، لأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يهديها هذا الإنجاز، وهي على عتبة مغادرة البيت الأبيض. وهو ما يعني أنّ الاتّفاق النهائي بين لبنان وإسرائيل سينتظر حتماً وصول ترامب. لهذا تحيط الضبابية بزيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين المرتقبة للمنطقة. إذ يقول بعض اللبنانيين المتابعين إنّ الزيارة قد تكون شكليّة، وقد لا تحصل أصلاً، فيما يذكر البعض الآخر أنّ الجولة الجديدة ستحصل بالتشاور مع الرئيس المنتخب وفريقه.

على الرغم من ذلك، ترى الأوساط أنّ المسار الدبلوماسي قد لا يبقى معلّقاً حتى مطلع العام، لأنّ مؤشّراته ستظهر تباعاً مع بدء تشكيل الإدارة الجديدة، ومع بدء تنسيق العمل مع الإدارة الحالية، حتى لو تُركت اللمسات الأخيرة لترامب وفريقه الإداري.
في مطلق الأحوال، باتت الكرة في ملعب دونالد ترامب، المُجرّب أصلاً في سلوكه ومواقفه وعلاقاته مع دول المنطقة

اعتباران يتحكّمان بالمسار

وفق الأوساط نفسها، ثمّة اعتباران يتحكّمان بهذا المسار:

1- التّوقيت: وهو مرتبط باللحظة التي يقرّر فيها العدوّ وقف عمليّاته العسكرية، كما هو مرتبط باللحظة التي تقرّر فيها الإدارة الأميركية ممارسة ضغطها بشكل فعّال على الحكومة الإسرائيلية من باب لجمها. وهنا، تتقاطع الكثير من الآراء الدبلوماسية عند رغبة الحكومة الإسرائيلية في استعادة الاستقرار على حدودها الشمالية بعدما أنجزت بنك أهدافها الاستراتيجية.

2- مصير مسوّدة الاتّفاق التي جرى تسريبها عشيّة عودة هوكستين في المرّة الأخيرة إلى إسرائيل على أساس أنّها ركيزة المفاوضات الدبلوماسية، والتي تضمّنت في جزء منها اتّفاقاً جانبياً بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، أبرز ما ينصّ عليه هو احتفاظ إسرائيل “بحقّ طبيعي في الدفاع عن نفسها والحفاظ على الأمن على طول حدودها الشمالية، بما في ذلك اتّخاذ إجراءات ضدّ التهديدات الوشيكة لأمن إسرائيل”.

وفق المواكبين، هنا تكمن العلّة، أي في هذا الجانب من الاتفاق المنتظر. ذلك لأنّ إقرار لبنان على لسان المسؤولين الرسميين، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بالالتزام بمندرجات القرار 1701، يفتح الباب أمام نقاش مقبول من الجانب اللبناني حول بنود مسوّدة الاتفاق، إلّا أنّ المواكبين أنفسهم يذكّرون بأنّ القرار الأممي لا يتناقض مع هذه الشروط أو القواعد.
ثمّة من يستخلص من مواقف المسؤولين اللبنانيين أنّ لبنان مستعدّ لتنفيذ القرار 1701 في كلّ مندرجاته، حتى تلك التي يراها قاسية

ما مصير “الضّوء الأخضر”؟

بالنتيجة، ثمّة من يستخلص من مواقف المسؤولين اللبنانيين أنّ لبنان مستعدّ لتنفيذ القرار 1701 في كلّ مندرجاته، حتى تلك التي يراها قاسية، ومنها على سبيل المثال التشدّد في مراقبة المعابر الحدودية، وتحديداً البرّية التي تستدعي انتشاراً للجيش اللبناني وأداء مختلفاً عن أدائه السابق. لكن بعد وقف إطلاق النار الذي لا يزال مطلباً ملحّاً يحول دون الانطلاق في دورة العمليات التنفيذية للقرار الدولي التي تمّ التعبير عنها بوصفها آلية تطبيقية. وهذا التشدّد في طلب وقف إطلاق النار ينبع من سلوك الحكومة الإسرائيلية المناور الذي يجعلها موضع تشكُّك.

اترك تعليق