كل المؤشرات تدل على أن إخلاء سبيل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بات صعباً، ولا سيما أن الملف الذي أوقف على خلفيته لم يعد وحيداً، وهو المتعلق بتحويلات مالية من مصرف لبنان الى المحامي ميكي تويني، ثم إلى ابن شقيقته مروان عيسى الخوري، ومنه الى حساب سلامة الخاص في «المركزي». فمنذ أيام، عاد الى الضوء ملف شركة «فوري» التي يملكها رجا سلامة، شقيق الحاكم السابق، نتيجة قرارين قضائيين: الأول هو ردّ محكمة التمييز الجزائية (برئاسة القاضية سهير حركة وعضويّة المستشارَين: الياس عيد ورولا أبو خاطر)، قرار استدعاء التمييز شكلاً المقدّم من وكيل سلامة ضدّ القرار الصادر عن الهيئة الاتهامية المناوبة في بيروت برئاسة القاضية ميراي ملّاك، والقاضي بفسخ قرار قاضي التحقيق السابق شربل أبو سمرا بترك سلامة. ففي التفاصيل، ترك أبو سمرا (قبيل تقاعده) سلامة وقرر عدم الادعاء عليه في ملف تبييض واختلاس الأموال عبر دفع عمولات الى «فوري» بقيمة 320 مليون دولار. وقد استؤنف القرار لدى القاضية ملّاك، فقررت فسخ قرار أبو سمرا وتوقيف سلامة، ما دفع وكيل الأخير الى تمييز قرار ملّاك لدى محكمة التمييز الجزائية التي ردّت التمييز شكلاً، ما يعني أن قرار التوقيف أصبح نافذاً ويفترض أن يسلك طريقه مع الملف الى مكتب قاضي التحقيق الأول بالإنابة بلال حلاوي لمتابعة التحقيق. وهذا يعني عملياً أن سلامة بات بحكم الموقوف في ملف «فوري».
الملف الثاني، يتعلق بطلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلين اسكندر التراجع عن استئناف قرار أبو سمرا بعدما خاصم وكلاء سلامة كل الهيئات الاتهامية، ما أدى الى تعليق الملف وتنييمه. لكن بعد خروج أبو سمرا الى التقاعد وتسلّم حلاوي للمنصب، تراجعت اسكندر عن الاستئناف لدى الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي نسيب إيليا، الذي قَبِلَ تدوين التراجع. وعلى الأثر، ميّز وكيل سلامة قرار إيليا، فجاءه الرد من القاضية سهير حركة بأن القرار لا يقبل التمييز، وبالتالي عاد الملف المتعلق بشركة «فوري» الى قاضي التحقيق. وبحسب المعلومات، تقدمت اسكندر أول من أمس بطلب تعيين جلسة للتحقيق مجدداً مع سلامة، لأن القاضي أبو سمرا لم يوقّع محضر التحقيق، ما يجعله باطلاً.
هكذا بدأ مسار تطويق سلامة وإحكام الدعاوى المقدمة ضده، بالتزامن مع ردّ حلاوي طلبَي إخلاء سبيل بحق الحاكم السابق في ملف جزء من عمولات شركة «أوبتيموم» بقيمة 42 مليون دولار. وبعد استئناف محامي سلامة قرارَي الردّ أمام الهيئة الاتهامية في بيروت؛ صادق القاضي إيليا على قرار قاضي التحقيق الأوّل وأبقى سلامة موقوفاً. وفي حين أن هذا المبلغ المختلس سيقود الى التوسع بكل عمولات «أوبتيموم»، فإن إعادة إحياء التحقيق في ملف «فوري»، الذي أدى الى وضع سلامة على لائحة الأنتربول الدولي، سيقود في حال استمراره الى تكشف كل شبكة سلامة وأصدقائه للاختلاس وتبييض الأموال. ويفترض أن تتوسع الاستجوابات والتوقيفات على حدّ سواء. كل ذلك كفيل بإبقاء سلامة تحت المقصلة وتضييق الخناق عليه أكثر فأكثر، ولا سيما أن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور كان قد أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق الحاكم باختلاس المال العام وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع. حصل ذلك إثر مثول الحاكم أمامه منذ نحو أسبوعين في دعوى سابقة حول عقارات وأملاك لسلامة في فرنسا، تتعلق باختلاس أموال من مصرف لبنان عبر دفع المصرف إلى استئجار مبنى في باريس تملكه صديقته آنا كوزاكوفا ليكون «مركز طوارئ» بديلاً للمصرف، حيث استمر الاحتيال بزيادة مساحة المكاتب المستأجرة وزيادة بدل الإيجار الذي كان يدفعه مصرف لبنان لسلامة، والأخير لكوزاكوفا، بما يعادل 35 ألف يورو شهرياً على سنوات من دون أن يكون المصرف بحاجة أساساً إلى هذا المكتب. وكانت قرارات «المركزي» تحصل بموافقة أعضاء المجلس المركزي ونواب الحاكم ومديرين في المصرف ما يوجب محاسبتهم أيضاً. وفي إطار مخططات الاحتيال الباريسية، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قضائي أن محكمة التمييز الفرنسية أكدت بشكل قاطع مصادرة ممتلكات في باريس يشتبه في أن عائلة الحاكم السابق استحوذت عليها بطريقة احتيالية، علماً أن الدولة اللبنانية ممثلة بهيئة القضايا سبق أن أوكلت محاميين لتمثيلها أمام المحاكم الفرنسية وضمان عودة الأموال والممتلكات المصادرة الى لبنان عند انتهاء التحقيقات الفرنسية وصدور القرار النهائي.
أمن و قضاء رياض سلامة باقٍ… في السجن