النزوح “يُحرّك” اقتصاد المناطق “الآمنة”

مع تصاعد وتيرة الحرب، اضطر العديد من المواطنين إلى مغادرة منازلهم قسراً ومن دون أنْ يتمكّنوا من أخذ حاجاتهم الأساسيّة، ما دفعهم للجوء إلى مناطق أكثر أماناً. هذا التحوّل الكبير في أماكن الإقامة أدّى إلى تنشيط الحركة الاقتصاديّة في المناطق التي نزحوا إليها، حيث زادت الحاجة إلى تلبية مُتطلّباتهم الضروريّة.

مع حلول فصل الشتاء، تضاعفت حاجة النازحين إلى شراء الملابس والمُستلزمات الضروريّة لمواجهة البرد القارس، إلى جانب ارتفاع الطلب على المواد الغذائيّة وسلع الحياة اليوميّة. وهكذا، بات النزوح عاملاً مؤثّراً في تحريك الاقتصاد المحلي، محوّلاً التحدّيات إلى فرص للعديد من القطاعات التجاريّة والخدماتيّة. وقد شَهِدت الحركة الاستهلاكيّة للمواد الغذائيّة بشكل عام، نوعاً من التوازن في العرض والطلب، إذْ لم يتراجع الطلب على البضائع إنما تغيّرت جغرافيا الاستهلاك، وباتت تتركّز في المناطق المُحيّدة حتى الآن عن ويْلات الحرب المُباشرة.

“واقع مُتّزن”

رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائيّة هاني بحصلي يتحدّث عن وضع العرض والطلب على المواد الغذائية، كاشفاً لـ”نداء الوطن”، أنّ “الطلب أصبح شبه معدوم في المناطق التي تتعرَّض للقصف، لكن في المُقابل ارتفع في تلك البعيدة عن دائرة الخطر. هذا الواقع حقّق اتزاناً، وبقيَ العرض على حاله. كذلك، لم يرتفع الطلب كثيراً إلى درجة لم يعد فيها العرض كافياً، وهنا أيضاً تنطبق النظريّة نفسها بحيث هناك فئة ارتفع الطلب لديْها مقابل انخفاض لدى أخرى، بما يجعل المجموع على صعيد لبنان في حالة استقرار كوْن العرض والطلب لم يتأثّرا بشكل ملحوظ يدعو للخوف”.

المواد الغذائيّة متوفّرة

يُطمئن بحصلي إلى أنّه “حتى اللحظة لا يزال العرض يفوق الطلب، وحاليّاً ما من مشكلة في التموين ولا في توافر المواد الغذائية التي من المُستبعد أن تنقطع طالما بقي العمل في مرفأ بيروت مستمرّاً وطالما البلد لا يُواجه حصاراً بحريّاً”.

وفي ظلّ لجوء بعض اللبنانيين إلى التموين وتخزين البضائع في منازلهم خوفاً من انقطاعها، يُعلق بحصلي لافتاً إلى أنّ “الاستهلاك اليومي من المواد الغذائية لا يقتصر على تلك التي يُمكن تخزينها مثل المعلبات والحبوب وغيرها. أمّا المنتجات التي تستهلك يومياً مثل الخبز، الألبان والأجبان، الخضار والفاكهة فلا يمكن تخزينها”، داعياً المواطنين إلى “عدم الخوف والتموّن أكثر من الحاجة، خصوصاً وأنّ بعض المنتجات ستُتلف ما لم تستهلك ضمن فترة زمنيّة مُعيّنه مثل الأرز والمعكرونة. كذلك، إن التمون فوق الحاجة يتسبّب في حرمان فئات كثيرة من المواطنين من سدّ حاجاتهم الغذائية، خصوصاً وأنّ تطمينات التجّار عن وجود كميّات كافية من البضائع مبنيّة على إحصاءات الاستهلاك الطبيعي وليس المُفرط من قبل البعض”.

أمّا بالنسبة إلى رفع أسعار المواد الغذائيّة، فلا يرى بحصلي “مُوجباً لرفعها أكثر من الغلاء الطبيعي الناتج عن ارتفاع تكاليف الشحن والتخليص واللوجستيات والتي هي ضمن إطار محدود جدّاً. في طبيعة الحال العرض لا يزال يفوق الطلب وما من موجب لتغيير الأسعار التي عادةً ما ترتفع عندما يتراجع العرض إذا اتّخذنا أساسيّات الاقتصاد كمرجع، سيّما في زمن الحرب”.

وفي هذا الإطار يُوضح بحصلي، أنّه “حتى الساعة يُسلّم المستوردون البضائع بالأسعار نفسها من دون رفعها، ومن المُمكن أن يكون بعض التجار رفع أسعاره في مناطق ما، لكن لا أرى عاملاً مُسبّباً لذلك”.

العيْن على المطار والمرفأ

وفي الختام، يعود ويُذكّر بحصلي أنّه “طالما مرفأ ومطار بيروت مستمرّان بالعمل، لن يكون لدينا أيّ مشكلة في التموين”، لافتاً إلى أنّه “حتى الساعة ما زال هذا هو الواقع”، ولكنّه يتطرّق إلى توسّع العدوان الإسرائيلي إلى خارج المناطق التي كان يقصفها في السابق وامتداد دائرة الإعتداءات إلى خارج ما يُسمّى بـ “المناطق التقليديّة أيّ الضاحية وغيرها”، كما حصل في منطقتيْ رأس النبع ومار إلياس”، مؤكدّاً هنا أنّه “لا يُمكن توقّع ما يُخفيه العدوّ في هذا الإطار”، لذا يُعبّر عن خشيْته “من إمكانيّة توسع أفكاره والاتجّاه نحو الحصار”، مُتمنياً “ألا يحصل هذا الأمر”.

طرابلس وجبل لبنان

ومن المناطق الأكثر تأثرّاً بحركة النزوح هي مدينة طرابلس، والتي استقبلت أعداداً كبيرة من النازحين الجنوبيين وكذلك من البقاع، بات سوق المدينة الشعبي، مقصداً للنازحين، يأتون إليه من مناطق قريبة له وبعيدة أيضاً من أجل شراء ما يحتاجونه من مواد غذائيّة وملابس وحاجيات أساسيّة أخرى، وذلك بسبب أسعاره المقبولة والمُنخفضة إلى حدّ ما.

وعن الحركة داخل السوق، يُوضح أحد أصحاب المحال التجاريّة لـ “نداء الوطن”، أنّ “المبيعات تضاعفت لديه منذ أنْ وصل النازحون إلى المنطقة مع بداية توسّع الحرب، سيّما أنني أبيع حاجيات أساسيّة تحتاجها كل عائلة في أيّ منزل، مثل أدوات التنظيف وأدوات المطبخ وحاجيات أخرى كثيرة”.

وفي الإطار، يؤكّد أنّ “القطاع الغذائي يُعتبر من أكثر القطاعات التي تستفيد من حركة النزوح، حيث يتطلب وجود النازحين توفير كميّات كبيرة من المواد الغذائيّة، وهذا ما أدّى إلى ازدهار تجارة المواد الغذائيّة، بما في ذلك الفواكه والخضروات والحبوب، كما تمّ تأسيس نقاط بيع جديدة لتلبيَة احتياجات الأسر النازحة”.

أمّا في المناطق الجبليّة، فقد نشطت حركة البيْع والشراء أيضاً، ولو بنسبٍ مختلفة بين منطقة وأخرى، وفي قطاعات مُحدّدة، حيثُ تؤكّد صاحبة أحد المحال التجاريّة، أنّها لمست “إقبالاً ملحوظاً على شراء الألبسة”، مُشيرةً إلى أنّ “شراء الملابس ليس خياراً بالنسبة للنازحين، بل هم مضطرّون بسبب تبدّل أحوال الطقس، وتحوّله إلى بارد، ولأنهم أخرجوا معهم عند النزوح حاجيات لا تكفيهم في الأيام المُقبلة”.

اترك تعليق