لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ معالمها تُرسم على وقع المتغيّرات التي تفرضها المستجدّات السياسية المستندة إلى القرارات الدولية، حيث يتوقّع أن يكون “اليوم التالي” للحرب مُطعّماً بنكهة عربية، سعودية بالتحديد، مشكّلاً حدّاً فاصلاً بين ما قبله وما بعده.
البداية من البيان الختامي للقمّة العربية – الإسلامية التي خصّصت لبنان بخمسة بنود تناولت إدانة العدوان الإٍسرائيلي، والتأكيد على القرار 1701، والتشديد على أهمّية الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة استناداً إلى أحكام الدستور اللبناني وتنفيذ اتفاق الطائف.
كما دعت القمّة إلى مواصلة تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة للحكومة اللبنانية لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي، والأهمّ التذكير “بوجوب تطبيق إصلاحات تسمح للدول الشقيقة والصديقة للبنان بالمشاركة في دعم اقتصاده لمساعدة الشعب اللبناني على الخروج من أزمته المعيشية التي يواجهها”.
كذلك كان الجسر الجوّي بين السعودية ولبنان مؤشّراً إضافياً إلى رغبة المملكة في الانفتاح أكثر على المشهد اللبناني ولو من الباب الإنساني. وها هو السفير السعودي في لبنان وليد بخاري يعيد تفعيل حركته السياسية من خلال سلسلة لقاءات استهلّها فور عودته إلى بيروت، عاكساً رغبة بلاده في الانخراط أكثر بالملفّ اللبناني، لكن وفق الرؤية السعودية.
لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني
الأسس السّياسيّة للقاءات بخاري
في الواقع، فقد تبيّن من سلسلة اللقاءات التي أجراها بخاري، سواء مع البطريرك الماروني بشارة الراعي أو مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، أو “كتلة الاعتدال الوطني” أو مع بعض النواب المستقلين (ايهاب مطر، حليمة قعقور) أو تلك التي سيعقدها في الأيام المقبلة مع كتل نيابية، أنّ الرياض تعتقد أنّ لبنان مقبل على مرحلة جديدة تختلف جذرياً عن العقود الثلاثة الماضية، إذ تشكّل الأحداث المفصلية الحاصلة منعطفاً أمام اللبنانيين لاستعادة ثقة المجتمعين الدولي والعربي، والانطلاق في حقبة جديدة من سلوكه. كذلك هي فرصة لإعادة وصل ما انقطع بين لبنان ومحيطه من خلال ركائز أساسية، أهمّها:
– إعادة بناء دولة قويّة ومتينة.
– تطبيق اتفاق الطائف والالتزام بالشروط الإصلاحية التي وضعها المجتمع الدولي.
– بسط الدولة سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية.
هكذا يُفهم أنّ لبنان أمام فرصة جدّية، ولو أنّ معالمها لم تكتمل بعد، وذلك لإعادة إنتاج السلطة على قاعدة التوافق وليس الصدام، كما يتبيّن من الرؤية السعودية، خلافاً لبعض الأصوات التي تعتقد أنّ ما يحصل يجب أن يكرّس قاعدة الغالب والمغلوب لأنّ انعدام التوازن المحلّي هو مدخل لصراعات جديدة، لا يُراد لها أن تتسلّل إلى الداخل اللبناني.
سيكون اليوم التالي بمنزلة مرحلة اختبارية للّبنانيين، مرصودة من الخارج، لا سيما من جهة الدول العربية، لإعادة بناء دولة قويّة على أساس احترام الدستور
انتخاب الرّئيس: اختبار استعادة الثّقة
مع ذلك، ثمّة خشية من مندرجات اليوم التالي، خصوصاً أنّ آليّة تطبيق القرار 1701 لا تزال غامضة، ومن الصعب التكهّن بمدى جدّية الجهات المعنيّة، محلياً وإقليمياً، في التعهّد بتطبيق القرار الذي يتناول بشكل خاصّ سلاح الحزب ومصيره. إذ يرى البعض أنّ الاستقرار المستدام في لبنان دونه التزام القوى المحلّية والخارجية ببناء دولة قويّة تحترم القرار الدولي وتعيد التوازن إلى تركيبته المحلّية، لأنّ من الصعب التأكّد راهناً من مدى جدّية الضغط الدولي الذي سيمارس على لبنان للعودة إلى الحضنين الدولي والعربي.