تشهد مدينة حلب، الواقعة شمال سوريا، تطورات ميدانية مفاجئة، أعادت تسليط الضوء عليها باعتبارها واحدة من أهم المدن الاستراتيجية في الصراع السوري. حلب التي خسرتها الفصائل المعارضة لصالح القوات الحكومية السورية عام 2016، أصبحت اليوم محور مواجهات جديدة بعد دخول “هيئة تحرير الشام” برفقة فصائل مسلحة، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات متغيرة على المستويين الميداني والسياسي.
من هنا، تشير التطورات الميدانية المفاجئة التي انطلقت فجر الأربعاء الماضي في مدينة حلب شمال سوريا، وامتدت إلى حماة وسط البلاد، إلى تحولات جديدة في المشهد السوري، خاصة بعد دخول “هيئة تحرير الشام” وفصائل مسلحة أخرى إلى المنطقتين. حلب، التي كانت تخضع لسيطرة الحكومة السورية منذ خسارة الفصائل المعارضة لها في عام 2016، باتت في وضع متغير ينذر بواقع جديد.
ما الذي حدث؟ وما موقف القوى الضامنة، خاصة تركيا وروسيا؟
رغم إعلان الجيش السوري أن انسحابه من حلب كان بهدف الإعداد لهجوم مضاد، إلا أن “هيئة تحرير الشام” وحلفاءها تمكنوا من السيطرة على مناطق في ريف حماة بعد السيطرة على حلب، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وقد أسفرت الاشتباكات منذ الأربعاء الماضي عن مقتل 327 شخصًا، معظمهم من الطرفين المتحاربين، بالإضافة إلى مدنيين.
فرصة استثنائية لتركيا يرى المحلل السياسي السوري غسان إبراهيم أن تركيا استغلت التغيرات الجيوسياسية الأخيرة، خاصة بعد ضعف النفوذ الإيراني في لبنان وغزة، لتغيير استراتيجيتها في شمال سوريا. وأشار إلى أن العناصر الموالية لإيران، مثل “الحزب” و”الحرس الثوري”، هي القوى المسيطرة في محيط حلب. وبدلاً من الهجوم على المناطق الكردية، يبدو أن تركيا تستهدف تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
أضاف إبراهيم أن تركيا غالبًا ما تنسق تحركاتها مع روسيا، التي قد تكون من خلال هذه التطورات تمارس ضغطًا على إيران والحكومة السورية لدفع العلاقات التركية-السورية نحو التطبيع.
اللعب على الوتر القومي توقع إبراهيم أن تتجه تركيا بعد السيطرة الكاملة على حلب إلى استهداف الجيوب الكردية في تل رفعت وغيرها، وتسويق هذه العمليات لشعبها باعتبارها ضد “الانفصاليين”. كما أشار إلى أن أنقرة تستغل حالة الفراغ في السياسة الأميركية، حيث يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استباق أي تغييرات في الإدارة الأميركية لتعزيز نفوذه في شمال سوريا.
أهمية حلب للكرملين من منظور استراتيجي، تعد حلب نقطة محورية للصراع السوري ومركزًا اقتصاديًا هامًا. أوضحت المحللة السياسية الروسية لانا بادفان أن موسكو ترى في استقرار حلب خطوة أساسية نحو تحقيق حل سياسي يعزز موقف روسيا في الشرق الأوسط.
رغم الدعم العسكري والدبلوماسي الذي تقدمه موسكو للحكومة السورية، لا يزال هناك تحديات في الحفاظ على السيطرة في ظل التدخلات الخارجية والتحالفات المتغيرة. وأكدت بادفان أن تحقيق التوازن في القوى بين اللاعبين الرئيسيين مثل تركيا والولايات المتحدة يمثل تحديًا لموسكو، التي تسعى إلى منع التصعيد مع حماية مصالحها الاستراتيجية.
عين أميركا على الشمال من الجانب الأميركي، ترى الباحثة كارولين روز أن الشمال السوري يمثل أولوية لاستراتيجية الولايات المتحدة، حيث تتركز 90% من قواتها العسكرية في مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وأكدت أن أي تقدم للفصائل المسلحة نحو الشمال الشرقي قد يؤدي إلى فوضى أمنية، مما قد يستدعي تحركًا أميركيًا.
القوات الكردية في المعادلة بالنسبة لـ”قسد”، فإنها تسعى للحفاظ على استقرار مناطقها في وجه أي هجوم تركي محتمل. من المتوقع أن يكون لهذه القوات دور في بناء التحالفات مع المعارضة أو الدخول في التفاوض مع الأطراف الفاعلة.
تصعيد مستمر في تطور جديد، أعلنت “هيئة تحرير الشام” أنها توسع سيطرتها في ريفي حماة وإدلب بعد سيطرتها على حلب، مما يشير إلى استمرار التصعيد في المنطقة.