يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل، أو أيّ جلسة أخرى، على الضفّة المضادّة للخيار الرئاسي الذي سيَعتمده حليفه “المُنسحِب” سليمان فرنجية بعد سنتين ونحو شهرين من دعم الثنائي له مرشّحاً لرئاسة الجمهورية. أبعد من ذلك، يسعى “الحزب” إلى أن يكسب معركة قد تكون الأهمّ في مسار استحقاقاته الداخلية بعد “الزلزال” الذي ضرب بنيته العسكرية والحزبية.
للمرّة الأولى في تاريخ عمل “الحزب”، منذ تعيين السيّد حسن نصرالله أميناً عامّاً حتى استشهاده، يَنشر “الحزب” لافتات ضخمة على الطرقات لصور الأمين العامّ وخلفه العلم اللبناني فقط من دون علم “الحزب”، وبعضها مذيّل بعبارة “ولّى زمن الهزائم جاء نصرالله”.
مسار “اللبننة” الواضح تُرجِم بشكل أكبر في خطابات الأمين العامّ لـ”الحزب” الجديد الشيخ نعيم قاسم، وفي مواقف بعض قياداته، خصوصاً لناحية صياغة مقاربة “جديدة على السمع” لدور المقاومة في الداخل تتمثّل في العمل تحت سقف الطائف، وتعزيز المأسسة، والمشاركة الفعّالة في الملفّات الداخلية. يدرك “الحزب” جيّداً أنّ امتحان الرئاسة مفصليّ في إثبات أمرين:
1- لا يزال قوّة داخلية وازنة.
2- احتمال انفتاحه على طروحات داخلية لم تكن سابقاً واردة ضمن أجندته.
الحِلف مع فرنجيّة
لا تعدّ كتلة النائب طوني فرنجية، نجل المرشّح سليمان فرنجية، ذات وزن يقلب المعادلات داخل البرلمان. لكن بعد مسار طويل من دعم حركة “أمل” و”الحزب” لترشيحه، يحرص الثنائي، خصوصاً “الحزب”، على أن لا يجد نفسه وسط معركة رئاسية ضدّ “مرشّحه” السابق لسببين أساسيَّين:
– أوحى رئيس “تيار المردة” في خطابه الأخير بأنّه قد يختلف مع “أصدقائه” على الخيار الرئاسي، “وما بدّي يزعلوا منّي”. ضمن سطور كلام فرنجية إشارة إلى احتمال دعمه قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية، وهو ما أبلغه صراحة إلى بعض من التقوه في الأيام الماضية، قائلاً “قد أذهب بهذا الاتّجاه”.
وفق معلومات “أساس”، ثمّة نقاشات خلف الكواليس بين الطرفين من أجل اتّفاق “الحزب” مع فرنجية على توجّه واحد
وفق معلومات “أساس”، ثمّة نقاشات خلف الكواليس بين الطرفين من أجل اتّفاق “الحزب” مع فرنجية على توجّه واحد في سياق التشبّث بالحلف مع رئيس “تيار المردة”، ومنع خروج “الحزب” من المعركة الرئاسية “مُستفرداً” حتى من جانب بعض حلفائه. يقرّ مقرّبون من “الحزب” بأنّ “رئاسة الجمهورية هي أوّل استحقاق سيسعى من خلاله “الحزب” إلى التأكيد أنّه لا يزال فريقاً أساسياً في صوغ الخيارات السياسية مع توسيع مروحة حلفائه وليس خسارة بعضهم”.
– لا تزال كلّ خطابات قيادات “الحزب” تدور حول معادلة: “ما دام فرنجية مُرشّحاً سنبقى ندعمه، وإذا تخلّى عن هذا الخيار نبحث في أسماء أخرى”. يحصل ذلك في وقت أُبلِغ “الحزب” رسمياً بأنّ فرنجية انسحب من السباق الرئاسي، حاملاً على “مرشّحين لا حيثية لهم”، ودائرة من يؤيّدهم ضيّقة جدّاً، من ضمنها قائد الجيش وفريد هيكل الخازن.
برّي
هنا تحديداً، تؤكّد المعلومات أنّ “الحزب” يتمسّك حتى الآن بقراره بعدم دعم قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري، مقابل إبراز إيجابية طافحة في شأن دوره راهناً على رأس المؤسّسة العسكرية كي لا يُفسّر موقفه بأنّه ضدّ شخصه.
تكمن القطبة في توسيع دائرة المعارضين لهذا الترشيح، ومن ضمنهم سليمان فرنجية، المُرشّح السابق للمحور. حتّى الآن يُريح “الحزب” ونبيه بري رفضُ القطبين المسيحيَّين جبران باسيل وسمير جعجع لترشيح قائد الجيش، وإن كان موقف رئيس القوات اللبنانية مموّهاً بقشرة “البرنامج السياسي الذي لم يُطلعنا عليه”.
بين برّي وجهاد أزعور
لكن عملياً، أوحت التسريبات في الأيام الماضية بعكس ذلك، لجهة الحديث اللافِت عن احتمال سير الرئيس بري بخيار وزير المال الأسبق جهاد أزعور، أي المرشّح الخصم السابق لسليمان فرنجية.
تؤكّد مصادر اطّلعت على موقف برّي أخيراً أنّه أوحى بأنّ ترشيح جهاد أزعور لم يَسقط تماماً
العراقيل التي يضعها الرئيس بري أمام وصول قائد الجيش واضحة جداً، لكن هل يمكن أن تقود خسارته لورقة فرنجية إلى الذهاب نحو الخيار المضادّ، أي جهاد أزعور، خصوصاً أنّ مصادر بري و”الحزب” تؤكّد أنّهما سيذهبان فريقاً بخيار رئاسي واحد إلى الجلسة الرئاسية، وحتى الآن قائد الجيش خارجه؟
تؤكّد مصادر اطّلعت على موقف برّي أخيراً أنّه أوحى بأنّ ترشيح جهاد أزعور لم يَسقط تماماً. لكن لم يُعرف بعد هل هذه التمريرة في الإعلام مناورة وحسب أم رسالة تُحرِج المسيحيين وعاصمتَي الدعم واشنطن وباريس، وقوى المعارضة، و”التيار الوطني الحر”، والحزب الاشتراكي وبكركي. هؤلاء جميعاً دعموا خيار أزعور في جلسة 12 حزيران 2023 التي أبرزت قصوراً لدى كلّ من فرنجية (حصد 51 صوتاً) وأزعور (حصد 59 صوتاً) عن بلوغ عتبة الـ65 صوتاً، التي يحتاج إليها المرشّح للفوز بالدورة الثانية مع حضورٍ نصابه ثلثا النواب.
هي الجلسة نفسها التي سجّلت صوتاً واحداً لقائد الجيش جوزف عون وستّة أصوات لزياد بارود، والتي طُيّر نصابها كما الجلسات السابقة من جانب نواب حركة “أمل” و”الحزب” وحلفائهما بعد انتهاء الدورة الأولى.
يقولون مطلعون في هذا السياق بأنّ “الرئيس برّي، وبغية قطع الطريق نهائياً على العماد عون، يمكن أن يُخرِج أرنبه في اللحظة الأخيرة عارضاً السير بخيار أزعور المدعوم من جزء كبير من القوى المسيحية بينها القوات والتيار، ومن الاشتراكيين “سابقاً”، وعدد من النواب السنّة ما سيُحرِج هؤلاء، وحتى العواصم الغربية الداعمة بالمبدأ لهكذا ترشيح”. مع ذلك، ثمّة من يؤكد بأنّ طرح الإسم فجأة بهذا الشكل من جانب برّي هو ضمن سياق مناورة ستتّضح أهدافها لاحقا، لصعوبة سير الثنائي بخصم فرنجية الرئاسي.