تشهد المعابر الحدودية في سوريا حركة كثيفة لعودة اللاجئين السوريين المنقطعين عن بلادهم منذ السنوات الأولى للحرب التي اندلعت عام 2011، وتسببت في أكبر حركة نزوح في العالم. وكان نحو 6 ملايين سوري قد لجأوا إلى دول الجوار، مثل تركيا ولبنان والأردن، إضافة إلى الدول الأوروبية، في حين تعرض 7 ملايين آخرون للتهجير من محافظاتهم داخل البلاد، خاصة أهالي أرياف حلب والرقة ودير الزور، والذين توجهوا نحو محافظات دمشق وطرطوس واللاذقية.
ويقدّر عدد العائدين إلى سوريا من بلدان مختلفة خلال 3 أسابيع بأكثر من 50 ألفاً، بحسب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في حين يتزايد العدد شيئاً فشيئاً، مع بدء اتضاح معالم النظام الجديد في سوريا، بحسب غراندي.
وتسجل المعابر الحدودية بين سوريا – وتركيا، حركة العودة الأكثر كثافة، ما دفع الحكومة التركية إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للدخول من تلك المعابر من ثلاثة آلاف إلى ما بين 15 و20 ألفاً يومياً، و«هذا طبيعي، فالبلد الذي يقطن فيه مليونان و935 ألف سوري، لا بد أن يشهد الموجة الأكبر من العودة»، وفقاً لوزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا. وتلي حدودَ تركيا مع سوريا، الحدودُ الأردنية – السورية، والتي شهدت عودة نحو 18 ألف شخص منذ سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024، وذلك عبر معبر نصيب – جابر الحدودي.
ورغم تلك الحركة النشطة، لا يزال هناك الآلاف من المترددين في العودة أو ممن لا يخططون لها على الإطلاق في الوقت الحالي. ومن بين هؤلاء، بركات، المقيم في ألمانيا منذ 9 أعوام، والذي يقول لـ«الأخبار» إنّ ما يرده من سوريا عن التطورات الحالية هناك، يجعله في حيرة في ما إذا كان يجب أن يعود إلى بلده الآن أو يتمهل حتى استقرار الوضع. وبحسب بركات فإنّه «ما زال متخوفاً من حالة الانفلات نتيجة حل الجيش والقوى الأمنية، وغياب جهة رسمية لها مقرات في المدن يمكن اللجوء إليها في حالة الطوارئ. وفي حال عزمه على العودة إلى سوريا، فإنّه سينتظر حتى تشكيل جيش، والانتهاء من حملات التطويع لمصلحة القوى الأمنية».
أما هالة، طبيبة الأسنان المقيمة في تركيا والتي تعمل لدى مركز لطب الأسنان في إسطنبول، فإن الأسباب التي تقف حائلاً بينها وبين عودتها إلى سوريا، اقتصادية بحتة؛ إذ إنها تتخوف من عدم قدرتها على افتتاح مركزها الخاص في مدينتها حماة، في ظلّ الإيجارات المرتفعة وعدم تحسن التيار الكهربائي حتى الآن. وتُعلّق هالة عودتها إلى بلدها حتى يستقر الوضع الاقتصادي، وتُفرض القوانين التي تنظم المصالح والاستثمارات، إضافة إلى لمس تحسّن في الكهرباء والطاقة، بالنظر إلى أن تلك متطلبات أساسية لأي عيادة طبية.
وللاجئين آخرين أسباب اجتماعية تتعلق بأسئلة كثيرة حول نمط الحياة الذي يمكن أن يسود سوريا في المدة المقبلة.
ذلك أن القيادة الجديدة للبلاد تنحدر من تنظيم إسلامي متشدد، ما يثير شكوكاً لدى البعض في إمكانية التمتع بالحريات الاجتماعية، كما في السابق.
وهذا ما تحدثت عنه ليندا المقيمة في السويد، قائلة لـ«الأخبار» إنّ «البعض يخبرها أنّ الحجاب سيكون فرضاً، وآخرون ينفون ذلك، بينما بعض صديقاتها يتخوفن من الخروج من منازلهن بعد الـ5 عصراً تجنباً لسماع تعليقات على مظهرهن العام، أو الدخول في سجال مع عنصر في الهيئة قد ينصحهن بالحجاب». وتزايدت المخاوف لدى ليندا خصوصاً بعد أن شاهدت مقابلة مع زعيم الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، لم يجب خلالها عن سؤال بخصوص الحجاب بشكل مباشر، بل قال إنّه «يتمنى الكثير من الأشياء ولكن في نهاية المطاف، ما يتوافق عليه السوريون، من قانون ودستور يجب تطبيقه والحفاظ عليه وصيانته».
وبينما تتعدد الأسباب التي تُبطئ حركة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن جلّ هؤلاء ينتظرون استقرار الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، وتبيان الحالة التي سيكون عليها الدستور المرتقب، إضافة إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، حتى تأخذ الدولة شكلها الطبيعي.