مرة جديدة يجد لبنان نفسه وكأنه «بلاد ما بين النارين»، واحدةٌ لم تنطفئ بالكامل في الجنوب والبقاع وتُبْقيها إسرائيل مستعرةً على طريقة «الحرب الموْضعية» متفيئةً تفسيرَها لاتفاق 27 تشرين الثاني، وثانية يُخشى أن تتمدّد إليه ارتداداتها من سوريا التي تبدو على حافة الوقوع في شِباك فوضى تتعاظم المخاوف من أن تتأجّج في ضوء تَقاطُع مصالح «أضداد» عليها.
فمن اندفاعة النار ليل الجمعة جنوباً مع 26 غارة متسلسلةٍ شملتْ مناطق في القطاع الغربي والشرقي والأوسط وصولاً إلى الزهراني وجزين ولم يسبق أن حصلتْ دفعةً واحدةً (في غضون نحو نصف ساعة) منذ اتفاق 27 تشرين الثاني، إلى هبّة الأحداث الدامية في الساحل السوري وما رافقها من بدء نزوحٍ في اتجاه عكار (شمال لبنان) وقلقٍ من تداعياتٍ متعددة البُعد لها على الواقع اللبناني، بدا هذان المساران المشتعلان الأكثر حضوراً في المشهد الداخلي الذي كان مشدوداً قبْلها إلى ملفاتٍ أساسية في سياق إكمال نصاب انطلاقة عهد الرئيس جوزف عون على قواعد جديدة يعاينها الخارج عن كثب، وأبرزها التعيينات الأمنية والعسكرية.
وفي الوقت الذي وضعتْ إسرائيل غاراتها الواسعة النطاق جنوباً والتي تسبّبت في مناطق عدة ولا سيما صور بتهافُت على محطات الوقود خشية انزلاق الأوضاع إلى ما هو أدهى، في إطار استهداف «مواقع عسكرية تابعة لحزب الله تم رصد داخلها وسائل قتالية ومنصات صاروخية» ما «يُعتبر تهديداً لدولة إسرائيل ويشكل خرقاً فاضحاً للتفاهمات مع لبنان»، فإنّ أوساطاً مطلعة أعربتْ عن مخاوف من المنحى الذي لم تَعُدْ معه تل أبيب تُخْفي إفراطاً في استفزاز لبنان، المكشوف واقعياً على تفوِّقها الذي حدّد معالم ونتائج الحرب الأخيرة مع «حزب الله» والذي لا يملك إلا الدبلوماسية لمحاولة ردع إسرائيل عن مزيد من الانتهاكاتِ (أكثرها نفوراً احتلال 5 تلال إستراتيجية وإقامة منقطة عازلة ضمن نطاقها) التي تربطها الأخيرة بنزع سلاح الحزب كهدفٍ نهائي لن تحيد عنه.