منصوري: عروض من مصارف عالمية لاستثمار الذهب

تعدّدت القراءات والتفسيرات في خلفية وأسباب نجاح وسيم منصوري في قيادة مصرف لبنان في ظروف صعبة وقاسية، يصعب فيها الرهان على إنجازات. ومع ذلك، تمكّن الرجل من تحقيق خطوات ليست بسيطة. أوقف تمويل الدولة، ثبّت سعر صرف الليرة وأمّن استقراراً نقدياً استمر حتى في ظروف الحرب المدمرة والقاسية، اتّبع سياسة جعلت «فاتف» تستثني مصرف لبنان والقطاع المصرفي من أي متطلبات إصلاحية للخروج من اللائحة الرمادية… وهو يؤكد حالياً، وفي مرحلة التحضير للتخلي عن كرسي الحاكمية إلى حاكم أصيل ينبغي أن يتم تعيينه قريباً، أنه أنجز دراسة وضعية الودائع، بحيث أصبح سهلاً رسم خطة واقعية لإعادتها. ولا ينسى أن يذكّر دائماً بأن على الدولة أن تدفع ديونها لمصرف لبنان لكي يتمكّن بدوره من دفع توظيفات المصارف لديه، لتتمكن بدورها من دفع الودائع. وأخيراً، يرفض استخدام الذهب لدفع الودائع، لكنه يؤكد وجود إمكانية للإفادة من هذا الذهب، ويكشف عن عروضات في هذا المجال.

س- أثار تصريح صادر عنك حول أموال المودعين بأنها باتت تحتسب على سعر صرف الدولار الحقيقي وهو 89500 ليرة، جملة من التساؤلات، إذ إن السحوبات المصرفية تتمّ وفق سعر 15000 ليرة. ماذا تعني بذلك التصريح؟

ج- منذ 1آب 2023 اتخذ مصرف لبنان قراراً بوقف تمويل الدولة، الأمر الذي رتّب متوجّبات على المصرف المركزي:

الأول، تنظيم العلاقة مع الدولة اللبنانية، فور اتخاذ هذا القرار بدأت ورشة في مصرف لبنان للعمل على تنظيم حسابات الدولة اللبنانية لدى مصرف لبنان. وأصبحت هناك حسابات لكل وزارة ولكل مؤسسة عامة ولكل بلدية منظمة بشكل واضح بما يسمّى بالدولار المحلي والدولار الأجنبي. لهذا السبب إذا أرادت الدولة اليوم أن تصرف الأموال، وفي أي وزارة، سنعلم إذا كان المال متوفّراً ولأي غاية سيصرف لأنه تمّ اعتماد المسار الصحيح بما يوقف الهدر والفساد في البلاد.

الثاني، التزمنا تنظيم مالية مصرف لبنان والمحاسبة لديه. أي تنظيم مالية الدولة ومالية مصرف لبنان في الداخل ومالية المصارف.

التعميم 167 ينصّ على توحيد كل ما لدى المصارف على سعر صرف موحّد وهو سعر الصرف الحقيقي للدولار وهو اليوم 89500 ليرة، أصبحت العقارات على هذا الرقم والموجودات الثابتة وغير الثابتة على هذا الرقم وكلّ ما هو معنون بالدولار لديهم على هذا الرقم. بما فيها أموال المودعين التي أصبحت على 89500 ليرة.

فأي خطة جديدة يجب أن تأخذ هذا السعر في الاعتبار لأن الضمانة الحقيقية للدولار المصرفي اليوم العائد للمودع هي 89500 ليرة. وبالتالي أي إجراء آخر مثل احتساب الدولار على 15000 ليرة هو «هيركات» والتعاطي معه على أساس أنه تدبير استثنائي يمكن أن يشمل كل الناس. ويدل هذا التدبير على أن المصرف المركزي قام بواجبه إذ وضّح سعر الصرف النهائي لقيمة الوديعة بالسعر الحقيقي وهو 89500 وأي خطة ستأخذ في الاعتبار هذا السعر.

عملياً السحوبات من المصرف ليست على سعر 89500 ليرة. وكلّنا متّفقون على أن قيمة الودائع البالغة 86 مليار دولار ليست موجودة لدى القطاع المصرفي ومصرف لبنان والدولة لتسحب غداً. وبالتالي في السابق وتحديداً التعميم 151 كان يحدّد سقوفات السحب على 15 ألف ليرة آنذاك كان السند القانوني لها موازنة 2022 وبالتالي كان التعاطي مع الدولار بدل الـ1500 ليرة، أصبح 15 ألف ليرة. اليوم موازنات الدولة يتمّ إعدادها وفقاً لسعر 89500 ليرة، وبالتالي يفترض التعاطي مع تلك الأرقام على هذا الأساس.

وإنما سحب كلّ المودعين أموالهم على هذا السعر يرتب الدخول في مرحلة إصلاح شاملة وخطة إعادة أموال المودعين، وهذا العمل الذي تنكبّ عليه الحكومة الحالية والمصرف جاهز للتعاطي والتعامل عن قرب مع الحكومة وإعطائها كلّ الأرقام، وسأباشر بإرسال الأرقام والإحصاءات التي أنجزها مصرف لبنان في موضوع الودائع التي تساعد لتكون أساساً لخطة عادلة لإعادة أموال المودعين في فترة زمنية مقبولة. ولكن في المقابل، وزير المال السابق حدّد الدولار المحلّي بـ15 ألف ليرة والدولار النقدي «الفريش» بـ 89500 ليرة في ما يتعلق بدفع الضرائب وأحال هذا الأمر على مجلس الوزراء السابق الذي أخذ علماً بهذا الأمر، وبالتالي هناك واقع اليوم وهو أن مصرف لبنان لديه سعر صرف واحد وهناك قرار صادر عن مجلس الوزراء السابق يتمّ التعاطي معه اليوم على أن سعر صرف الدولار المحلّي هو 15 ألف ليرة، والخاضع للشعبوية لأن هذا الرقم لم يعد له اليوم أي سند قانوني.

س – ما هي كلفة التعاميم أو الأموال التي سدّدت من خلالها إلى المودعين؟

أقفلنا أكثر من 45 ألف حساب بالكامل، بعد أن تمّ تسديدها من خلال التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان. وقد دفعنا حتى الآن، 3 مليارات و600 مليون دولار، والزيادة الأخيرة بمفردها تكلّف «المركزي» 1,600 مليار دولار سنوياً. وبالتالي هناك صعوبة كبيرة بإصدار قرارات مستعجلة غير مدروسة. قراراتنا يجب أن تكون مدروسة لأن الأرقام التي نتحدّث عنها كبيرة علماً أن المودع يجب أن يحصل على «أرقامه» كاملة ومن يسحب على 15 ألف ليرة عددهم قليل جدّاً لأن المودعين ينتظرون الحلّ الشامل. العدالة تقضي بمصارحة الناس بحقوقهم وواجباتهم بخطة مدروسة على أساس واضح من خلال توحيد ميزانيات المصارف على أساس سعر صرف واحد.

س – هل يمكن السماح للمودعين اليوم بسحب ودائعهم وفق سعر 89500 ليرة للدولار؟

ج – تحديد سقوف السحوبات بسعر صرف 89500 ليرة يستدعي إصدار قانون كابيتال كونترول لضبط الدفعات. ولا يمكن إصدار قانون موحّد من دون حلّ شامل. أنا متفائل حول إمكانية الوصول إلى حلول حول معضلة المودعين في لبنان واسترجاع الناس أموالهم ضمن فترة زمنية مقبولة وهناك دراسات عدّة أجريت حول تلك المسألة. وأنا ضدّ خطّة سحب الودائع بالليرة اللبنانية بمعنى الليلرة غير المدروسة واستسهال الحلّ، فمن لديه حساب بالدولار يريد سحب أمواله بالعملة نفسها.

س- لماذا لم يتمّ بدء العمل بمنصّة «بلومبرغ» كما وعدت بعد وقف منصّة «صيرفة» فور تسلّمك مهام الحاكمية؟

ج – تدبير وقف العمل بمنصّة «صيرفة» التي كان يستفيد منها 450 ألف مواطن لبناني كان سليماً، وفوراً اعتمدنا سياسة استقرار سعر الصرف وليس تثبيت سعر الصرف Peg. وعندما يرتّب سعر الصرف كلفة على مصرف لبنان من احتياطياته سيتغيّر سعر الصرف خلال جلسة تعقد بالتنسيق مع الحكومة ووزير المال لدرس هذا الموضوع ولن نسمح بالعودة إلى مسألة دعم سعر الصرف.

الأجواء اليوم التي رافقت انتخاب رئيس الجمهورية والحكومة الحالية والتفاوض مع الخارج ووقف إطلاق النار بالجنوب، إيجابية على أمل أن تستمرّ وهي تشكّل عامل ارتياح لاستقرار سعر الصرف.

كان من المفترض على منصّة «بلومبرغ» التي تمّت المناقشة حولها مع صندوق النقد الدولي، أن تنطلق في كانون الأول 2023، وكان مجلس المركزي في مصرف لبنان جاهزاً لذلك، ولكن للأسف بدأت الأحداث في 8 تشرين الأول 2023 وما استتبع ذلك من انفلات للوضع الأمني بشكل كبير. وبما أننا نناقش كلّ التدابير التي نقدم عليها مع صندوق النقد، تمّ تأييد مسألة عدم إمكانية إطلاق منصّة «بلومبرغ» وتثبيت سعر صرف من دون اقتصاد صلب وجيّد وإصلاحات اقتصادية واضحة، علماً أن كل التقنيات والأرضية المتعلّقة بـ «بلومبرغ» جاهزة والتعاميم المتعلقة بها موجودة.

س: سياسة رفع الاحتياطي التي اتّبعها المصرف في الفترة الأخيرة، هل هي قابلة للحياة مع الحاكم الجديد؟

ج: ليست لدينا سياسة رفع احتياطي رغم أننا نزيد الاحتياطي. أمس، وصل الاحتياطي لدينا إلى 10 مليارات و 749 مليون دولار، أي إننا زدنا حتى اليوم مليارين و 200 مليون دولار على الاحتياطي الذي كان موجوداً لدى تسلّمي الحاكمية بالإنابة. الحقيقة ليست لدي سياسة رفع الاحتياطي بل سياسة استقرار في سعر الصرف، الفرق الإضافي هو «الاحتياطي الحر». هذا الاحتياطي، وعندما يكون بهذا الحجم، نتمكّن من دعم أموال المودعين وندفع التعاميم. لكن، في الوقت نفسه، أي اهتزاز في سعر الصرف نحن قادرون على استيعابه بشكل كبير وسريع. هل سيتم الاستمرار بهذه السياسات التي أدّت إلى هنا؟ إذا كنتم تعتبرونها أنها سياسات ناجحة، فأنا متأكد أن الحاكم المقبل سيتبعها. وإذا كنتم تعتبرونها سياسات غير ناجحة بالطبع يجب أن يغيّرها. من جهتي، أعتبرها سياسات ناجعة كي لا أقول ناجحة ويجب الاستمرار فيها. الجميع يعلم أن الاستقرار النقدي يشبه الصحة، الإنسان لا يعرف قيمته إلّا إذا فقده.

س: هل تثبيت سعر الصرف هو الذي شجّع على عودة المصارف إلى إعطاء القروض من دون وجود قانون يضمن إعادة القرض بالعملة نفسها؟

ج: إذا أردت بناء عمارة تضع أساسات صلبة، فتثبيت سعر الصرف هو الأرضية الصلبة جداً لبناء أي اقتصاد. يعتبر البعض أنّ تثبيت سعر الصرف يقوّي الاقتصاد، لكن بالنسبة لنا هو أرضيّة لبناء الاقتصاد. وهذا الوضع شجّع بالطبع المصارف على البدء بمنح بعض القروض.

س: هل من خوف ألّا يُحافظ سعر الصرف على هذا الاستقرار؟ ما الضمانات كي يبقى كذلك؟

ج: حقيقة، لا أحبّ التطمين الزائد كما لا أحبّ التخويف الزائد، لأننا اليوم نحن في بلد غير ثابت، لكن بحسب التجارب، مررنا بما نسمّيه «اختبار للمصرف المركزي»، ما بين آخر شهر أيلول 2024 وشهر تشرين الأول 2024، وإذا راجعنا الأزمات في العالم، لا يوجد بلد مرّ بما مرّ به لبنان. اكتملت الأزمات من سياسية وشلل اقتصادي كامل ودمار في حرب شاملة وتهجير لـ 1.2 مليون مواطن لبناني إلى المناطق الأخرى وانخفاض الـGDP الناتج المحلي الإجمالي بشكل هائل، هذه كلّها حصلت في فترة أيام. إذا كنا قد نجحنا في تلك الفترة في الحفاظ على الاستقرار النقدي، فلا أظن أننا سنواجه أياماً أسوأ من ذلك، وأعتقد أنّ الفترة المقبلة تبشّر بأنّ هناك إمكانية، وأصبحت لدينا الأدوات الكافية كي نحافظ على الاستقرار النقدي الذي لم يعد مرتبطاً بشخص الحاكم. اليوم تحوّل إلى مؤسسة، إذ يتم إصدار محضر، بوجود رئيس الحكومة وما بين وزير المال وحاكم مصرف لبنان، يصل المحضر إلى المجلس المركزي يتمّ التصديق والموافقة عليه في المجلس المركزي، بناء عليه، يتمّ وضع سياسات وإجراءات للمديريات التي تعنى بالاستقرار النقدي وتوزيع هذه السياسات عليها والتي تعمل في السوق من ضمن السياسة، نحن لا نطلب ولا نشتري الدولار بل فقط نعرض الليرة لمن يطلبها، وبالتالي لا نضع ضغطاً على الدولار الأميركي بل بالعكس. وهناك تعاميم تضخّ في البلد حوالى المليار و 600 مليون دولار سنوياً، غير رواتب الدولة التي نتمكن من تحويلها ودفع الرواتب بالدولار الأميركي.

وأصبح هناك توازن بين الاقتصاد الحقيقي واستعمال الدولار. عندما يتم استعمال الدولار بهذه الطريقة، نكون قد حافظنا على شفافية كاملة، لأنه عندما أدفع رواتب وأدفع التعاميم، كل دولار يخرج أعرف وجهته. لم تعد هناك «صيرفة»، حيث كان يؤتى بشوالات مليئة بالليرات، وتؤخذ بالدولار ولا نعرف إلى أين تذهب. وثانياً، من يطلب الليرة في الجمهورية اللبنانية؟

إنه الاقتصاد الشرعي الذي يدفع ضريبة، بواسطة سياسة عرض الليرة نقلنا الاقتصاد الشرعي الذي كان يعمل «كاش» ولا يريد أنْ يعمل مع المصارف، أجبرناه على العمل مع المصارف، وأصبح مع التعميم 165 يأخذ دولاراته، ويضعها إلزاميّاً في المصرف. فأصبح المصرف يسأله عن مصدر دولاراته، وهكذا نجح المصرف المركزي بألا يكون على لائحة تبييض الأموال. المواطن اللبناني الذي يريد أنْ يشتري ليرات يأخذ دولاراته ويضعها حسب التعميم 165 في المصرف أي يتم التأكد من مصدر أمواله، والليرات التي يريد الحصول عليها، يحصل عليها مع التعميم 165 كحوالة من المصرف، وعندما يدفع ضريبته، فهو يدفع من حسابه في المصرف أيضاً عبر التعميم 165 (أي بالفريش) وينقلها من حسابه إلى حساب الدولة اللبنانية حوالة، نقلنا الاقتصاد الشرعي كله من اقتصاد كاش إلى «network» وأصبح مراقباً مئة في المئة. لهذا وعندما يتم وضع 10 نقاط من قبل «فاتف» للمعالجة كشرط للخروج من اللائحة الرمادية، ويستثنى مصرف لبنان والقطاع المالي اللبناني بأكمله، المصارف والصيارفة، فهذا يؤكد صوابية ما نقوم به.

وعندما تقول «فاتف» أنّ هذا الكاش لا يدخل إلى النظام المالي إلّا ضمن شروط دقيقة جدّاً أو صارمة، فهذه شهادة ليست صغيرة.

س: بعد ارتفاع قيمة احتياطي الذهب إلى مستويات قياسية، هل تؤيدون فكرة استخدام جزء منه لحل أزمة المودعين أو الأزمة الاقتصادية ككل من خلال تعديل القانون؟

ج: في تشرين الأول 2019 كانت احتياطيات المصرف المركزي 33 مليار دولار، وقيمة الذهب وقتها كانت نحو 16 ملياراً، وكان هناك في كل الأحوال ضعفا قيمة الذهب. فما الذي فعلناه بالأموال؟ وضعناها في سياسة الدعم. عندما وصلت إلى المصرف المركزي كان لدي 8 مليارات ونصف. اليوم خسرنا مرة ونصف قيمة الذهب ولم نصل إلى نتيجة. الحديث عن استعمال الذهب أمر غير مقبول.

اترك تعليق