لبنان أمام دفتر شروط صعب… الحرب أو التطبيع

على وقع اقترابِ «الفرصة الأخيرة» التي مَنَحها الرئيس دونالد ترامب لإيران في ما خصّ برنامجها النووي ووجوب وقْفِ «الدعم المستمر للتنظيمات الإرهابية، والمغامرات العسكرية» من لحظة «أبيض أو أسود»، رفعت تل أبيب منسوبَ «القضم» المتدرّج للضوابط التي أرساها اتفاق وقفِ النار مع لبنان والتي تَهاوَتْ تباعاً وصولاً لـ«مَحوها» آخِر خطٍّ أحمر كان «مصاناً» منذ 27 نوفمبر الماضي عبر إعادة العاصمة اللبنانية وتحديداً ضاحيتها الجنوبية إلى مرمى النار من بوابة «الصواريخ اللقيطة» التي تجَدَّد إطلاقُها على شمال إسرائيل من الجنوب وقابلتْها الأخيرة بغارةٍ ترجمتْ توعُّدها بمعادلة «بيروت مقابل الجليل».

وفيما كانت إسرائيل أمس «تتباهى» بأنها فرضت معادلة ردع جديدة على قاعدة «سنضرب في كل مكان بلبنان ضد أي تهديد (…) وأي طرفٍ لم يَفهم بعد الوضعَ الجديد في لبنان تلقى (الجمعة) مثالاً جديداً على تصميمنا» وفق كلامٍ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، مع تلويح تقارير عبرية أمس بأن تحييدَ مؤسسات الحكومة اللبنانية عن الردود على أي ضرباتٍ عبر أراضيها قد يتغيّر «في حال أدركت إسرائيل أن هناك خطراً كبيراً يحوم حولها»، فإن بيروت بدت تحت وقع «صدمةِ» ذهاب تل أبيب إلى «أبعد الحدود» في معرض ترسيمها «دفتر الشروط» الذي تراه المسارَ الوحيد، على «خطّين متوازيين»، لطيّ صفحة الصراع «لمرة واحدة ونهائية» على جبهتها الشمالية:

– الخطّ الأول الضغطُ العسكري لتطبيق ما ترى أنه في جوهر اتفاق وقفِ النار لجهة نزْع سلاح «حزب الله»، والذي تبرّر من خلاله لنفسها أن تأخذ «بيدها» وعسكرياً منْع الحزب من إعادة بناء نفسه وتدمير ما تزعم أنه «تهديد» لها وهو «الاسم الحركي» الذي اعتمدته لتبرير الغارة التي شنّتها على منطقة الحدث بعد ظهر الجمعة -عقب إطلاق الصاروخين على كريات شمونة – وسوّت فيها مبنييْن بالأرض، حيث أعلن جيشها أنه استهدف «بنية تحتية لتخزين طائرات مسيرة لحزب الله تتبع للوحدة الجوية فيه (الوحدة 121)»، وذلك بالتوازي مع عشرات الغارات على جنوب لبنان التي أدت إحداها لسقوط ما لا يقلّ عن 5 أشخاص وجرح 16 غالبيتهم من الأطفال والنساء في بلدة كفرتبنيت.

– والخط الثاني رسْمُ إطارٍ سياسي – دبلوماسي للتفاوُض مع لبنان على «مثلث» التلال الخمسة التي «غنمتْها» في حرب لبنان الثالثة، والأسرى اللبنانيين لديها، والنقاط المتنازَع عليها على الخط الأزرق منذ انسحاب العام 2000 وحرب 2006، وذلك بما يشكل من وجهة نظر إسرائيل «بوليصة تأمين» لضمان أي ترتيبات أمنية أو عسكرية على حدودها الشمالية و«يسحب الذرائع» من أمام بيروت في أي رفْضٍ للتطبيع معها.

ومن هنا يتمّ التعاطي مع التسخين الإسرائيلي تجاه لبنان، والذي يستظلّ الصواريخ «مجهولة باقي الهوية» للقيام بردّ غير متناسب تغطّيه واشنطن، على أنه أشبه بـ «مفاوضاتٍ بالنار» هدفها الرئيسي المسار الدبلوماسي الآخِذ في التبلور بدفْعٍ أميركي تولّت تظهيره أولاً نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بإعلانها إطلاق «مجموعات العمل الدبلوماسي» الثلاثية بين لبنان وإسرائيل (بمشاركة أميركا) لبتّ الملفات الثلاث بالتوازي، ثم بلْوره أكثر ستيف ويتكوف نفسه بإعلان أن التطبيع بين لبنان وإسرائيل أصبح احتمالاً حقيقياً.

وفيما لم يكن برد بعد«جمر» الغارة على الحدث، لم يكن عابراً أن تطلّ اورتاغوس في أكثر من وسيلة إعلامية لبنانية وعربية، لتؤكد أنه«كلما رأينا صواريخ تطلق من لبنان فهذا يدلّ على أن الجيش اللبناني لا يفعل ما في وسعه لنزع سلاح حزب الله»، معتبرة أن«اتفاق وقف النار تم خرقه من لبنان وعلى الحكومة اللبنانية لجم المجموعات الإرهابية التي تطلق الصواريخ».

وشددت على«ان واشنطن تشجع على المفاوضات الدبلوماسية بين لبنان وإسرائيل، وانسحاب الأخيرة من النقاط الـ5 يجب أن يتم بالمفاوضات، وعلى حزب الله التخلي عن سلاحه بشكل كامل فلبنان لم يكن ليدخل الحرب لولا إيران والحزب الله ونؤكد ما قاله الرئيس اللبناني جوزف عون أن لا سلاح سوى بيد الجيش».

وإذ لاقتْ واشنطن هذا المسار متعدّد البُعد بفرْض عقوبات جديدة استهدفت 5 أفراد و3 كيانات متهمين بأنهم ضمن شبكة لبنانية «تدعم الفريق المالي لحزب الله»،معتبرة أن«شبكات التهرب هذه تُعزز إيران وحزب الله، وتُقوض لبنان»، وعلى وقع عدم إسقاط أن«الصواريخ الطائشة»، وهي الثانية التي تُطلق من جنوب لبنان في أقل من أسبوع، تدخل في سياق«إعداد المسرح»لأي اندفاعة عسكرية أميركية على إيران قد تستوجب«إشعال حرائق موازية» لتوزيع«طوفان النار»، فإن لبنان الرسمي يحاول«تدوير زوايا»هذه الضغوط الهائلة التي تضع واقعياً بين خياريْن أحلاهما مُر ما دام حزب الله يمانع تسليم سلاحه وهما: حرب إسرائيلية واسعة جديدة تحت عنوان نزْعه، أو نزاع داخلي لإنهاء وضعية هذا السلاح خارج الشرعية.

اترك تعليق