كما كان متوقّعاً، وفي اليوم الأخير من المهلة التي حدّدها مجلس الوزراء للشركات الـ11 التي منحها تراخيص لإنتاج الكهرباء حصراً من الطاقة الشمسية لتنهي مفاوضاتها مع الفريق الفني لوزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، من أجل إنجاز عقود طاقة قابلة للتمويل، تمّ أمس التوقيع على هذه العقود خلال مؤتمر صحافي عقد في وزارة الطاقة، اعتبر خلاله الوزير وليد فياض «أننا أمام لحظة تاريخية لتوثيق مسار تحوّل لبنان نحو استعمال المزيد من الطاقة المتجدّدة لإنتاج الكهرباء».
وكان قرار منح هذه الشركات التراخيص والذي حمل الرقم 22، قد جرى تهريبه في مجلس الوزراء شهر أيار من العام الماضي، إستباقاً لانتهاء مفاعيل القانون 288 2014 الذي أجاز للحكومة منح أذونات وتراخيص الإنتاج إلى حين تشكيل الهيئة الناظمة حتى تاريخ 30 نيسان من العام 2022. فشكّل صدوره بعد انتهاء مفاعيل هذا القانون إحدى أكبر المخالفات التي ارتكبت حينها.
وعليه فإن ما وصفه الوزير فياض بـ»اللحظة التاريخية»، إعتبره المدير العام السابق للإستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون «طبخة بحص». وقال في تغريدة له «مرة جديدة يلعب مجلس الوزراء دور هيئة ناظمة للفساد، ويجري التلزيم خلافاً للقانون ودون إجراء مناقصة، ويضعون فيها العربة قبل الحصان»، مضيفاً «الغريب أن السعر قيد التفاوض، والإنتاج لن يبدأ قبل العثور على تمويل، وعلى كفيل يضمن المؤسسة لدفع ثمن الطاقة المنتجة».
وتطرّق فياض إلى مسألة التمويل فقال: «نعلم أنّ تنفيذ هذه المشاريع الكبيرة يتطلب تمويلاً ضخماً من مؤسسات التمويل الدولية، وخصوصاً في ظل هذه الظروف الإقتصادية الصعبة التي نعاني منها في لبنان، وقد وضع مجلس الوزراء مهلة 12 شهراً للشركات لتأمين التمويل اللازم لبناء المحطات الشمسية. واسمحوا لي أن أستفيد من لقائنا لأوجّه دعوة الى كل مؤسسات التمويل الدولية للإطلاع على العمل الكبير الذي قمنا به في إعداد عقود شراء الطاقة، وأطلب منهم أن يبادروا لتمويل هذه المشاريع لما فيها من مردود إيجابي واقتصادي وبيئي».
وفي كلام فياض ما يعيد التأكيد بأنّ التمويل المطلوب للإنتقال بهذه العقود إلى المرحلة التنفيذية لا يزال غير متوفر، فيما غياب التمويل وفقاً لبيضون «سيغرق كل المشروع»، و»هو يعني بأن الأساس الذي بني عليه التلزيم غير موجود وغير قائم».
وفي اتصال مع «نداء الوطن» تمسّك بيضون بعدم قانونية العقود التي جرى توقيعها مع الشركات الـ11، مفنّداً الأسباب على الشكل التالي:
أولاً: لموافقة مجلس الوزراء على نتائج «استدراج نوايا» أجراه الوزير سيزار أبي خليل منذ عام 2017، من دون التأكد من التزام الشركات العارضة بنواياها.
ثانياً: لأن التراخيص أعطيت بينما كانت صلاحية مجلس الوزراء لإعطائها، قد انتهت بموجب القانون 129 2019 تاريخ 30/4/2019.
ويشرح بيضون أن «إعطاء صلاحية الهيئة الناظمة ترتبط بموجبات الهيئة الناظمة، ويفترض بحسب القانون 462 أن تعطى التراخيص بناء على استدراج عروض إذا كان الإنتاج المتوقع دون الـ25 ميغاواط، وبموجب مناقصة عمومية إذا كان يتجاوز الـ25 إلى 50 ميغاواط»، متسائلاً من أين أتت بدعة استدراج النوايا؟
ويوضح أن الوزير فياض أوهم رئيس الحكومة حينها بأنه سيبادل موافقته على الترخيص للشركات الـ11 لإنتاج الطاقة البديلة بوضع دفتر شروط يشرك شركتي جنرال إلكتريك وسيمنز ببناء المعامل، ولكنه ما إن وضع المشروع في جيبه حتى تخلى عن الوعد الذي قطعه.
ورأى أنّ توقيع العقود بالشكل الذي جرى فيه من دون تأمين التمويل، يشكّل توقيعاً على بياض، لأن مدة التنفيذ تبدأ من لحظة الوصول إلى الإتفاق النهائي، فكيف سيتم هذا التنفيذ من دون أموال، ثم إنّ تأمين التمويل سيعني أنّ هناك فوائد تفرض على القروض، وهذه ستضاف إلى الكلفة الأساسية للإنتاج، فكيف إذا تمّ تحديد الأسعار. وبالتالي إعتبر بيضون «أنه لا يمكن التوقيع على عقد غير مكتمل لا نعرف شروطه، لا بل شروطه معلّقة على المستقبل».
ولفت بيضون إلى كون الطريقة التي جرى فيها توقيع العقود حالياً شبيهة لما جرى في مشروع تلزيم إنتاج الطاقة من الرياح، والذي لزم سنة 2014 وانتهت مدة تنفيذه في سنة 2017 ولم نرَ منه شيئاً، مشيراً إلى أنّ «الأسلوب الخاطئ نفسه يتبع حالياً والتفكير الخاطئ الذي يضع العربة أمام الحصان، وبالتالي سنصل إلى النتيجة نفسها»، مضيفاً أنّ الخيارات التي تتخذ حالياً هي الأسوأ. فوزير الطاقة هو الذي يفاوض ويضع الشروط النهائية من حيث السعر ومدة التنفيذ، وهذا لا يسمّى تلزيماً، بل تراضياً، وهذا غش.