بات من الصعب نسبيّاً، تحديد حجم الهدر الذي أصاب الطحين المدعوم. ومع كلّ موجة اعتراض من أصحاب الأفران على تحديد سعر ربطة الخبز، يعود ملف الطحين المدعوم إلى الواجهة مجدّداً… ولكن إلى أين يذهب هذا الطحين؟
سبق لوزير الإقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أن أعلن وقف الدعم عن أفران «المناقيش» والحلويات وحصره فقط بالخبز، ولكن تبيّن أن هذا الأمر ينافي الحقيقة. الطحين المدعوم الذي يُدفع ثمنه من قرض البنك الدولي البالغة قيمته 180 مليون دولار، ليس محصوراً بالخبز وحده بل يشمل «المناقيش»، الحلويات، «الكعكة العصرونية»، خبز الصاج، ويباع في جزء منه في السوق السوداء.
في هذا السياق، تلفت مصادر متابعة إلى أنّ كلفة ربطة الخبز لا تصل إلى 25 ألف ليرة لبنانية، وتضم 6 أرغفة لا يتعدى وزنها 700 غرام، ما يعني أنّ ما «يتحجج به أصحاب أفران الخبز غير دقيق، وما هو إلا ذريعة لتحقيق مزيد من الأرباح»، ولا تستبعد، «رضوخ الوزارة لتلبية مطالبهم برفع السعر».
غير أن الفضيحة الأكبر تتمثل في التراخيص العشوائية التي تصدر عن مصلحة الحبوب والشمندر في وزارة الإقتصاد التي تمنح «جائزة ترضية» لأصحاب أفران المناقيش والحلويات المدعومين. وترى المصادر أنّ «الرخص المسجّلة بأسماء الأفران و»الباتيسري» داخل الوزارة، تُعدّ مخالفة قانونية أو سرقة موصوفة».
أطنان من الطحين المدعوم تذهب للتجار وأفران المناقيش الذين يبيعون عجينة المنقوشة بـ25 ألف ليرة، في حين يفترض بيعها بحوالى 5 آلاف ليرة كونها مصنوعة من الطحين المدعوم.
وفي ملف الرخص العشوائية، يتضح حجم الفساد والهدر، وتتوقف مصادر متابعة عند الرخصة التي حصلت عليها «أفران وحلويات الريان» في القليعة – مرجعيون المملوكة من نازح سوري. وهنا تكشف المصادر كيف حصل على رخصة تمكنه من الحصول على 30 طن طحين (مدعوم) يباع نصف الكمية للنازحين السوريين؟
لا تتوقف الفضيحة هنا، بل تطال أفراناً مقفلة وأخرى تبيع نصف حصتها في السوق السوداء حيث يباع كيس الطحين بـ27 دولاراً، في وقت يباع طنّ الطحين المدعوم بـ10 ملايين ليرة. وفي جزّين، يحصل فرن «زهقه» على 2 طن من الطحين المدعوم أسبوعيّاً، يستخدمه للمناقيش والحلويات، وينال فرن «وطفه» في صور محلة البازورية على النسبة ذاتها ويستعملها في صناعة «الكعك العصري» ويباع بدولار. أمّا فرن «الجامع» في حيّ الجوز (صور) فتصل حصته من الطحين المدعوم إلى 3 أطنان تدخل في صناعة المناقيش.
وتشير المصادر إلى أن «البعض يحصل على رخصتي فرن. واحدة باسم الزوج والثانية باسم الزوجة. ويباع نصف الكمية في السوق السوداء ما يعني أنّ الطحين المدعوم بات تجارة مربحة لتلك الأفران التي تحقّق أرباحاً طائلة أسبوعياً». هذا التلاعب الفاضح، يطرح علامات استفهام عدة، خصوصاً حول عمل أجهزة الرقابة.
وفي مسلسل الفضائح، تحصل «أفران المنى» في كفر دجال المقفلة على 25 طنّاً، يباع أكثر من نصفها في السوق السوداء. أما «أفران إقليم التفّاح الحديثة» في كفر ملكي، فتبيع حصتها المدعومة في السوق السوداء، وكميّة قليلة للخبز، ومثلها تفعل «أفران عموم وبدران» و»أفران وهبي».
إنها «وكالة من دون بواب»، هكذا تصف مصادر متابعة ما يحصل في ملف الطحين المدعوم، الرخص الموزعة على أفران المناقيش وأفران الحلويات تدحض ذريعة وزير الإقتصاد بحصر الطحين المدعوم بالخبز. وتتوقف المصادر عند رفض الوزارة منح بطاقة تمويلية للبنانيين، مفضّلة دعم الطحين الذي يصبّ في مصلحة النازح السوري الذي يتسلّم 10 ربطات خبز يوميّاً، مقابل ربطة واحدة للبناني. ما يحصل في «مغارة» الطحين المدعوم يستدعي تدخلّ ديوان المحاسبة لكشف الحقائق ومعرفة من يأمر بصرف الطحين في غير وجهته ولصالح من؟