من يَنتظر توافقاً رئاسياً بين التيار الوطني الحر والمعارضة، بكلّ “تلاوينها”، فقد ينتظر طويلاً. يكشف مسار المباحثات على خطّ هذه القوى وجود أزمة ثقة وكثير من المناورات، وحتى التخوين، وهو ما يُصعّب مهمّة التوصّل إلى قرارٍ مشتركٍ بالتوافق على اسم يتيح تأمين نصاب التئام مجلس النواب، ثمّ حصد ما يفوق 65 صوتاً في الدورة الثانية للإطاحة بمرشّح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية.
يكفي انسحاب وليد جنبلاط من دور الوساطة ورميه بعض الأسماء في سوق التداول وآخرها شبلي ملّاط، معوّلاً في الوقت نفسه على اتفاق ثنائي بين العدوّين اللدودين جبران وباسيل وسمير جعجع وقوى المعارضة، كي يتبيّن حجم الهوّة التي ما تزال تفصل عن تاريخ الجلسة الرئاسية “المُنتِجة”، كما يريدها رئيس مجلس النواب.
في المقابل، يبرز ضغط كبير من رئيس حزب القوات اللبنانية على الرئيس نبيه برّي للدعوة فوراً إلى جلسة لمجلس النواب، بغضّ النظر عن نتائج مساعي التوافق بين الكتل المعارِضة لفرنجية. قال جعجع حرفيّاً لبرّي: “ليس من شأنكم التدخّل في ما تفعله المعارضة. من واجباتكم الدعوة إلى جلسة انتخابات فعليّة، والمعارضة كفيلة بتدبير أمورها بنفسها. وهي جاهزة في أيّ لحظة للذهاب إلى مجلس النواب”.
تفسّر قوى سياسية هذا الإصرار بمحاولة معراب زرك برّي (وخلفه حزب الله) وباسيل في خانة “المعطّلين” لإتمام الاستحقاق الرئاسي بالتزامن مع تسريبات عن قرب صدور عقوبات دولية على جهات وأشخاص يعرقلون انتخاب رئيس الجمهورية، وذلك عبر تصوير برّي مُتمَنّعاً عن فتح أبواب مجلس النواب إلا بشروط “حركة أمل” و”حزب الله”، وعبر دعوة باسيل إلى حسم أمره: “معنا أو مع التانيين”.
تشير معطيات “أساس”، بناءً على كلام سُمِع مباشرة من باسيل في مجالس خاصّة بحضور قيادات حزبية من التيار الوطني الحر، إلى سيناريو رئاسيّ يَصفه الأخير بـ “المثالي”
جبران باسيل المزهوّ بـ”الاستيلاء” على “بيضة القبّان” التي لطالما تغنّى وليد جنبلاط بامتلاكها ما يزال يستثمر في الوقت الضائع من دون أجندة واضحة في ظلّ أزمة ثقة مستفحلة مع حليفه حزب الله لا تقف عند حدود اجتماعه أو عدم لقائه مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا بل تتعدّاها إلى نظرة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله شخصيّاً إلى تجربة الشراكة مع باسيل والمُنتظَر منها في مرحلة الستّ سنوات المقبلة. واقعٌ لا يحيله بالتأكيد صانعاً لرئيس ما بعد “العهد العونيّ” بل يدفعه إلى أن يلطو ليحمي رأسه بانتظار معجزة تعوِّمه سياسياً.
تشير معطيات “أساس”، بناءً على كلام سُمِع مباشرة من باسيل في مجالس خاصّة بحضور قيادات حزبية من التيار الوطني الحر، إلى سيناريو رئاسيّ يَصفه الأخير بـ “المثالي” في المرحلة الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي المقبل بعد ستّ سنوات.
أخيراً فَضفَض باسيل أمام مقرّبين منه قائلاً: “فعليّاً، يجب أن نقيم الاحتفالات إذا انتخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وكما قطعنا قالب حلوى نتيجة اتفاق معراب سنقطع قالب حلوى انتخاب فرنجية. فانتخاب الأخير من دون تسوية تأتي بقرار دولي كبير بإخراج لبنان من أزمته السياسية والمالية سيزيل من دربنا ترشيحاً “زارَك” عون على الرئاسة منذ 2005، ويمكن تخيّل نتائج وصول فرنجية من دون برنامج إنقاذي، فهذا سيؤدّي إلى عهد غير منتج وفاشل، وربّما أسوأ ممّا واجهناه في عهد عون. أمّا انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية فسيُبقي ورقة فرنجية قائمة إلى ما بعد نهاية ولاية جوزف عون، وهذا ما لا نريده”.
هذه ليست النقطة الوحيدة المؤثّرة في قرار باسيل رفض ترشيح قائد الجيش، بل القصّة تكمن في اعتراف رئيس التيار بأنّ “كلّ الذين اخترناهم كعُدّة شغل عهد ميشال عون انقلبوا ضدّنا. قائد الجيش أوّلهم ثمّ رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي وَصفه بأنّه أنزه قاضٍ، لكنّه الأفشل في الإدارة. الجميع نكث بوعوده والتزاماته معنا”.
يُرصَد تركيز باسيل على الحصول على مطالب أساسية من أصحاب القرار، وتحديداً الثنائي الشيعي، قبل أن يتوجّه إلى جلسة يؤمّن فيها نصاب الالتئام
لكنّ الجهات القريبة من اليرزة تعكس مقاربة مختلفة تماماً: “لم يقبل قائد الجيش في أيّ لحظة بأن تتحوّل المؤسّسة العسكرية إلى عُدّة شغل بيد باسيل. هذا أقلّ الواجب في وضع مسافة بين الجيش وأجندة السياسيين وعلى رأسهم باسيل”.
من استمع أخيراً إلى مداخلات باسيل الرئاسية استنتج أمراً أساسيّاً: كلّ الترشيحات الرئاسية المتداوَلة لا يثق بها باسيل ولا يؤيّد وصول أيّ اسم منها. لا جهاد أزعور ولا غيره. همّه الأوّل محاذرته خسارة دعم حزب الله بتبنّي ترشيح شخصية لا تريحه وتستفزّه.
لذلك “السيناريو المثالي” الفعليّ هو انتخاب فرنجية وجلوس جبران على مقاعد المعارضة والاستثمار السياسي لعهد فرنجية من أجل “عهد باسيل” المقبل. هذا ما يفسّر المماطلة في مفاوضاته مع “القوات” و”الكتائب” ونواب المعارضة والتغييريّين. ولطالما ردّد باسيل: لنا مصلحة بوصول فرنجية.. ولكن.
في الوقت نفسه يُرصَد تركيز باسيل على الحصول على مطالب أساسية من أصحاب القرار، وتحديداً الثنائي الشيعي، قبل أن يتوجّه إلى جلسة يؤمّن فيها نصاب الالتئام ويترك لكتلته النيابية “الفارِطة” من الداخل حرّية التصويت لفرنجية.
سيكون أوّل المطالب إقرار اللامركزية الإدارية وسلّة إصلاحات من ضمنها الصندوق السيادي. يقول باسيل: “هذه المرّة لن نقبل بأن يَعِدونا بإصلاحات ثمّ ينقلبوا على التزاماتهم. أريد ورقة اللامركزية الإدارية في جيبي قبل أن أتوجّه لانتخاب أيّ رئيس للجمهورية”.
لأسباب لا يستفيض فيها باسيل كثيراً يُسلِّم بأنّ وصول قائد الجيش صعب جدّاً. يبدو مرتاحاً لفرضية “ما رح يشوفها” متّكئاً على عدم حماسة الثنائي الشيعي لانتخابه، واصفاً إيّاه بـ “مرشّح المواجهة”.