في لبنان، كالعادة، لغة الانقسام تفرض نفسها. فُتِحت “مجالس عزاء” في بعض المقرّات وأُقيمت الاحتفالات بعودة الأسد في أماكن أخرى. لكنّ بعض “المعسكرات” ظلّلتها الضبابية والصمت المعبّر. ماذا عن الرئيس نبيه برّي؟ هل يزور دمشق قريباً مُهنّئاً بشار الأسد بخروجه سالماً من الحرب الكونية التي شُنّت ضدّه؟
يُشكّك كُثر بعودة “الأخ نبيه” إلى الحضن السوري. يتحدّث هؤلاء عن ضوء أحمر سوري يمنع تجاوز موكب “الأستاذ” الذي قضى 31 عاماً في رئاسة مجلس النواب، منها 13 عاماً قضاها في كنف وإشراف ورعاية السوريين متوّجاً بلقب “كلمة سرّ حافظ الأسد في لبنان”.
تأتي قضية هنيبعل القذافي، بعكس ما يروّج القريبون من برّي، في أسفل لائحة المسائل الخلافية بين برّي والأسد. القضية العالقة منذ عام 2015 بعد توقيف نجل معمّر القذافي في لبنان إثر عملية استدراج من سوريا اصطدمت برفض رئيس مجلس النواب الإفراج عنه بعد مناشدات سورية متكرّرة. لم تنفع الوساطة الروسية، كذلك الفتوى التي ابتكرها الوزير السابق سليم جريصاتي حين طلب من القضاء دراسة جدوى إبقاء القذافي معتقلاً، مناشداً هيئة التفتيش القضائي “الاطّلاع على مسار هذا الملفّ بتفاصيله كافّة، والتأكّد من خلوّه من أيّ مخالفات أو تجاوزات للنصوص المرعيّة، وتبيان الفوائد التي يجنيها لبنان من الإبقاء على هنيبعل القذافي موقوفاً في سجونه”.
بتأكيد مطّلعين، يعود الجفاء الصامت بين الطرفين إلى ما قبل الانسحاب السوري من لبنان، وعلى الأرجح منذ عام 2000 تاريخ تولّي الأسد مقاليد السلطة خلفاً لوالده الراحل حافظ الأسد. سلّم بشار آنذاك بأنّ برّي، تماماً كما وليد جنبلاط وغيره، من عُدّة شغل المنظومة المرتبطة بعبد الحليم خدام وغازي كنعان وحكمت الشهابي، ثمّ تيقّن لاحقاً من انقلاب رجل سوريا الأوّل في لبنان إبّان مرحلة الوصاية على حقبة كاملة صَنَع خلالها إمبراطوريّته ووزراء ونواباً ومديرين عامّين وقوانين انتخابية بزند “الحكم السوري”.
بعد الانسحاب السوري انقطع برّي عن زيارة سوريا. مرّت أحداث السابع من أيار 2008 بكلّ رسائلها السياسية ثمّ عُقد اتفاق الدوحة. نَشَطت بعد ذلك قنوات التواصل مجدّداً مع القيادة السورية لتسجّل زيارة برّي الأخيرة لدمشق من خلال أبي وائل (اللواء محمد ناصيف) التي التقى خلالها بشار الأسد في 20 تشرين الأول 2010، على مسافة أشهر قليلة من اندلاع الحرب في سوريا.
مآخذ النظام السوري على برّي
يأخذ السوريون على برّي، وفق مطّلعين، إدارة ظهره بالكامل لدمشق بعد بدء الحرب ليعود ويحاول وصل حبل الودّ في مرحلة استعادة سوريا لنفوذها وخروج النظام من عزلته.
يؤكّد هؤلاء أنّ برّي حاول في السنتين الماضيتين وصل ما انقطع مع القيادة السورية، لكن لا تجاوب ولا حتى أخذ وردّ. كما أنّ زيارة وفد لجنة الأخوّة والصّداقة البرلمانية اللبنانية السورية في 20 شباط الماضي برئاسة نائب حركة أمل علي حسن خليل لدمشق لم تتناسب بنتائجها مع حجم ما أدلى به خليل لجهة “فتحها باباً كبيراً لإعادة تموضع جديد للعلاقات اللبنانيّة- السورية، وخلق أجواء مختلفة سيُبنى عليها لتنظيم بعض الملفّات المشتركة من الباب للباب من دون مواربة، تماماً كما كانت العلاقات تاريخيّاً”.
زوّار دمشق ممّن لم ينقطعواعن زيارتها طوال 12 عاماً يجزمون أنّ الرئيس برّي لم يعد مُدرجاً ضمن لائحة أصحاب الخط العسكري الخاص إلى دمشق. وسيترك السوريون للوقت مسألة فتحهم خطوطاً جديدة مع الرجل الشيعي الأول بعد السيّد حسن نصرالله. بعض هؤلاء الزوّار سمِع كلاماً صريحاً من مسؤولين سوريين يروون “الكلام الذي وصل إلى مسامعهم من برّي بحقّ بشار الأسد”. حتى الرئيس ميشال عون في زيارته الأخيرة لعين التينة قبل انتخابه رئيساً للجمهورية. ويقال أنّ عون نسب إلى برّي توصية بعدم المراهنة على نظام بشار الأسد.
المؤكّد وفق المعطيات أنّ الأمين العام لحزب الله لم يدخل على خطّ تقريب المسافات بين رجل حافظ الأسد السابق في لبنان ونجله. منذ عام 2005 حتى اليوم “حسابات” الثنائي الشيعي حيال سوريا تُكتب على دفترين وبمعطيات متباينة لم تسمح بكسر حائط الجليد بين قصر الشعب وقصر عين التينة.
يبقى السؤال الأساسي الذي لم يُطرح بعد. هل يريد الرئيس برّي الذهاب إلى دمشق ووصل ما انقطع مع النظام السوري قبل إثبات نجاح سياسة “الخطوة مقابل الخطوة” التي عبّر عنها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان؟ لا جواب في عين التينة حتى الآن.