بات بحكم المسلم به أن لا رئيس للجمهورية في الفترة القريبة اللهم إلا اذا فرض عنصر المفاجآت نفسه، وولد الرئيس من رحم تسوية تكتمل عناصرها بين ليلة وضحاها. لم يعد مستغرباً الشغور الرئاسي الذي سبق واختبره لبنان لعامين ونصف العام قبيل انتخاب الرئيس ميشال عون. الفريق الذي يطرح سليمان فرنجية مرشحاً رئاسياً ليس على عجلة من أمره الى أن تنضح حظوظ مرشحه الرئاسية.
في اعتقاده أنّ انتخاب فرنجية بات مسألة وقت ليس إلا وأنّ ثمة جهداً فرنسياً وتعويلاً على إقناع المسيحيين بكتلتيهما لتأمين النصاب لإنعقاد الجلسة وليس انتخاب فرنجية. وكذلك أرسل «حزب الله» لـ»التيار الوطني الحر» ما مفاده أنّه ليس من الضروري انتخاب مرشح الثنائي وإنما حضور الجلسة. فالثنائي يتعاطى على أساس أنّ بإمكانه تأمين غالبية 65 صوتاً لانتخاب الرئيس لكنه عاجز حتى الساعة عن تأمين نصاب الجلسة، وهو ما يعمل عليه.
لكن وبغض النظر عما يطرحه الثنائي الشيعي وما يعمل عليه لنضوج ظروف مرشحه الرئاسي، فإنّ هناك من يرى أنّ العقبة التي تقف في طريق انتخاب الرئيس هي مسيحية بالدرجة الأولى لانعدام قدرة المسيحيين والموارنة على وجه الخصوص على الإتفاق على مرشح. فليس من السهل غياب رؤية مسيحية موحدة لشخصية المرشح الرئاسي ما يعزز فرص فرنجية رغم وجود فيتو على ترشيحه من قبل أكثر من طرف ومن بينهم الإشتراكي الذي أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري رفضه المطلق لانتخاب فرنجية أو تأمين النصاب لجلسة انتخابه.
كل لوائح المرشحين المحتملين انتهت إلى عدم التوافق ولو على اسم من بينها. عندما طرح الإشتراكي لائحة من ثلاثة أسماء تبيّن بعد التدقيق أنّ صلاح حنين وهو من الاسماء الواردة فيها أقرب إلى «كلنا ارادة»، فسحب اسمه من التداول رغم محاولاته لإيضاح موقفه للإشتراكي وغيره من القوى. ثم صار الإجماع على صعوبة التداول باسم قائد الجيش جوزاف عون لحاجته إلى تعديل دستوري، فكان اسم جهاد أزعور الأكثر قبولاً ومن قبل أكثر من جهة بوصفه المرشح الأنسب لهذه المرحلة لولا رفض الثنائي وبقاؤه مصراً على ترشيح فرنجية.
لكن وبعيداً عن المبادرات التي يطرحها أصحابها بصفة شخصية فإنّ لا حراك جدي رئاسياً لكأن هناك انتظاراً لتسوية ما آخذة في النضوج يستعد الكل للتناغم معها، يراها الثنائي لصالح فرنجية بينما يرجح آخرون كفة مرشح من خارج الأسماء المتداولة نهائياً.
كانت بارزة الزيارات الخاطفة التي قام بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى ثلاث دول هي ايطاليا، الفاتيكان، وفرنسا. وبحسب المعطيات المتوافرة شكلت هذه الزيارات «منعطفاً هاماً على أكثر من مستوى».
على مستوى حضور «التيار» في أوروبا، هي شكلت له عودة بعد انقطاع، ومن خلال اللقاءت السياسية التي أجراها باسيل في الدول الثلاث. شكلت هذه اللقاءات منعطفاً للمواضيع التي تمّ البحث المعمق بشأنها وأبرزها استحقاق رئاسة الجمهورية وملف عودة النازحين الذي كان السبب المباشر للزيارة بدعوة من البرلمان الايطالي وبالتحديد لجنة الشؤون الخارجية والتي تحدث فيها باسيل عن الهجرة ومسيحيي الشرق، وعلى هامشها أجرى سلسلة لقاءات أحدها مع شخصية أمنية رفيعة المستوى تتعاطى الشأن الاستراتيجي، وكان البحث مركزاً على ملف النزوح في لبنان وحوض المتوسط وكيفية مواجهته ومنع من يستغلونه في تحقيق أهدافهم. وفي المعلومات أنّ البحث شمل إمكانية إنعقاد مؤتمر له طابع برلماني حول الهجرة في حوض المتوسط.
أما في الفاتيكان حيث كانت لباسيل اجتماعات مع المواقع الاساسية في عاصمة الكثلكة، فإنّ ملفين أساسيين شملهما البحث وهما ملف النازحين السوريين ومخاطره على الوجود اللبناني والديموغرافيا اللبنانية وعلى النسيج الاجتماعي السوري، وكان هناك توافق في وجهات النظر حول تأثير عدم معالجة الملف بكونه جريمة بحق لبنان والسوريين. وعلم أنّ الفاتيكان سيتخذ الخطوات اللازمة لإفهام من يعينهم الأمر أنّ الحفاظ على لبنان بوجوده المتميز وحماية النسيج السوري هما أولوية.
في المحادثات بين باسيل وأركان الفاتيكان كان للرئاسة حيز كبير جرى في خلاله عرض مفصّل لواقع الرئاسة وأهمية إجراء انتخابات واختيار الأكفاء بما يحفظ التوازنات ولا يشكل تحدياً لأحد، وأنّ للبنانيين حق تقرير المسألة وللمسيحيين أن تكون كلمتهم مسموعة وفاعلة.
وفي العاصمة الفرنسية حضر الملف الرئاسي في لقاءات باسيل مع قيادات فرنسية رفيعة المستوى معنية بالملف الرئاسي من بينها بحسب مصدر فرنسي، باتريك دوريل حيث لمس رئيس «التيار» تفهماً فرنسياً كبيراً لمقاربته لجهة أن يكون الرئيس ممثلاً لبيئته ومقبولاً من كل المكونات واصلاحياً حاملاً رؤية وقادراً على التعامل مع حكومة اصلاحية. وهذا التفهم تجلى بما سمعه من الفرنسيين من أن الكلمة الفصل «لكم كلبنانيين وما يعنينا أن يكون للبنان رئيس لجمهورية نتحاور معه ونتعاون معه ومع حكومته». وبعد شرح مستفيض ونقاش برر المسؤول الفرنسي أن خيار فرنجية سببه عدم وجود مرشح بالمقابل وإخفاق المسيحيين في تسمية مرشح آخر.
زيارة باسيل حسمت أموراً عدة سواء في الفاتيكان أو في فرنسا. وحققت العودة السياسية «للتيار» بعد ثلاث سنوات من الإفتراق. وكان من أبرز الحاضرين شخصيات تمثل الأحزاب التي اختلفت مع» التيار» في شؤون كثيرة.