خصصت وسائل الإعلام الإسرائيلية حيزاً مهماً لخطاب أمين عام حزب الله الأخير، الذي رد فيه على كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، متوعداً إياهم بردٍ مزلزل على أي اعتداءٍ محتمل. لا سيما أن هذا الخطاب جاء وسط تفاهماتٍ إقليمية، وتزامن مع عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ما يدفع هذه الوسائل الإعلامية لطرح تساؤلاتٍ عن استعداد نصرالله لقلب الطاولة بأكملها في المنطقة.
نصرالله وذكريات 2006
في خطابه الأخير، رد نصرالله على كلام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، ورئيس مخابرات الجيش الإسرائيلي أهارون هاليفا، حين قالا إن نصرالله قد يسيء الفهم ويعتقد أن الجيش الإسرائيلي قد تفكك بالفعل، وأن بإمكانه أن يشن أعمال عنفٍ متوسطة المستوى ضد إسرائيل من دون الوقوع في حرب.
المخاوف المرتبطة بقدرة حزب الله على إشعال حربٍ مع الدولة العبرية حالياً، تقلل من شأنها صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، إذ تنقل عن رئيس التحليل الاستخباري السابق للجيش الإسرائيلي، إيتاي برون، قوله أن نصرالله لم ينسَ سوء تقديره الذي أدى إلى اندلاع حرب تموز عام 2006.
ويذّكر برون الصحيفة الإسرائيلية بما حدث في عام 2006، حين ظن نصرالله أنه إذا هاجم دورية صغيرة من الجنود الإسرائيليين وتسبب بعددٍ قليل من الخسائر البشرية، فإن إسرائيل ستبقي ردها في حده الأدنى لتجنب الحرب. مردفاً “لقد أذهله رد الفعل الهائل للدولة اليهودية، ومنذ ذلك الحين، منعه ذلك من القيام بأي أعمالٍ كان يعتقد أنها قد تؤدي إلى الحرب”.
هل من تصعيدٍ قريب؟
في السياق ذاته، تقول “جيروزاليم بوست” أنه عندما يصف نصرالله إسرائيل بأنها أوهن من بيت العنكبوت وبأنها دولة ضعيفة ستنهار في نهاية المطاف، فهو قد لا يصدق بالكامل كل ما ينطق به لسانه من تصريحاتٍ وتهديدات.
وتضيف الصحيفة أنه رغم إيمان نصرالله بإحتمالية تفكك الجيش الإسرائيلي في خضم مناقشة الإصلاح القضائي، فقد رأى في الآن ذاته القوة الضاربة للجيش الإسرائيلي في شهر أيار المنصرم، عندما أجهز على ستة من كبار قادة الجهاد الإسلامي. واستناداً إلى ما تقدم، ترجح الصحيفة عدم مجازفة حزب الله بأي تصعيدٍ قريب.
خطة دخول الجليل
من ناحيته، ركز مركز “القدس للشؤون العامة” الإسرائيلي، على العرض العسكري الأخير الذي أقامه حزب الله في الجنوب، معتبراً إن فكرة غزو حزب الله لشمال إسرائيل ليست بجديدة، فقد أثيرت الخطة العملياتية لاحتلال الجليل لأول مرة في عام 2011، عندما أخبر نصرالله مقاتليه بأن يكونوا مستعدين لغزو الجليل إذا شنت إسرائيل حرباً ضد حزب الله.
كانت القوة المقاتلة تتألف في ذلك الوقت من خمسة ألوية، لكلٍ منها منطقة قتالية محددة مسبقاً في شمال إسرائيل، حيث يتولى اللواء الأول مدينة نهاريا أو أجزاءٍ منها، واللواء الثاني مستوطنة شلومي. في حين سيُطلب من اللواء الثالث الوصول إلى مستوطنة كرميئيل والسيطرة على مناطق جنوبها. أما اللواء الرابع فسيتولى السيطرة على مستوطنات المالكية وراموت نفتالي ويفتاح. فيما سيكون اللواء الخامس بمثابة قوة احتياطية استراتيجية للمهمات الخاصة.
وقت التنفيذ قد حان!
هذه الخطة التي تضمنت مشاركة فاعلة لسوريا فيها، تم تأجيلها، حسب المركز الإسرائيلي، بسبب الحرب الأهلية السورية وحقيقة أن حزب الله اضطر إلى إرسال قواته للقتال في سوريا بأوامرٍ من إيران. ومنذ العودة المكثفة لوحدات حزب الله إلى لبنان، يؤكد المركز أن هذه الخطة العملياتية قد تم تعديلها لتلائم الظروف الميدانية الحالية والتغيرات في قوة حزب الله القتالية.
ومع عودة سوريا إلى الحضن العربي والانتهاء الوشيك للحرب الأهلية على أراضيها، قد يعتقد حزب الله، وفق المركز دائماً، أن الوقت قد حان لإحياء هذه الخطة وإعادتها إلى قائمة أولوياته. خصوصاً أن نصرالله عاد في خطابه الأخير للتركيز على ثلاثة قضايا وهي: النفق الذي يربط لبنان بإسرائيل في معبر الناقورة الساحلي، مزارع شبعا المجاورة لهضبة الجولان، “القرى السبع” في شمال إسرائيل.
وإذ يشدد المركز أن دخول الجليل هو على رأس جدول أعمال حزب الله حالياً، فإنه يشير في الوقت نفسه إلى إدراك نصرالله بأن رؤيته هذه، لن تتحقق إلاّ عندما تواجه إسرائيل جبهة موحدة يقودها وكلاء إيرانيون يمتدون من لبنان وسوريا والعراق والضفة الغربية وغزة، بل وحتى أبعد إلى الجنوب في اليمن.