لا يبدو حزب الله في وارد التراجع عن ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. بناء عليه، فإن السؤال الأساسي الذي يُطرح، إذا ما كان الحزب مستعداً لتكرار تجربة ترشيح الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية، والاستمرار بالتعطيل إلى حين توفير ظروف انتخابه؟ لا جواب على هذا السؤال.
لكن، مصادر قريبة من الحزب تشير إلى ثقة عالية لديه بأن فرنجية سيكون هو الرئيس، وأن الظروف الإقليمية والدولية ستتغير لصالحه. وما يعزز هذا الأمر نقطتان أساسيتان. الأولى، موقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بالتراجع عن استعداده لعقد جلسة انتخابية، لأنه لا يرى تنافساً جدياً بموجب إعلان المعارضة عن اسم مرشحها. علماً أنه في السابق كان يطالب المعارضين بالاتفاق على مرشح، وهو حينها سيعقد جلسة انتخابية. وقد عزز برّي موقفه بإشارته إلى أن لا مهلة ملزمة لإنجاز الاستحقاق. وبذلك تراجع عن سقف 15 حزيران الذي اعتبره أنه مهلة للحث وليس مهلة ثابتة. النقطة الثانية، تتعلق بأجواء من باريس تفيد بأن لا مهلة محددة لانتخاب الرئيس، وأن لا مؤشرات على حصول أي تطور في 15 حزيران، ما يعني أن فرنسا تحاول أيضاً أن تكسب المزيد من الوقت.
مهمة الـ65 صوتاً
بالنسبة إلى حزب الله، فإن كل ما يجري يدفع الحزب إلى الإصرار على دعم ترشيح فرنجية أكثر، خصوصاً أنه الرجل الوحيد الذي يحظى بثقة الحزب، والتي كان ميشال عون يحظى بها بشكل كامل، ولكن الثقة مفقودة مع باسيل. وحتى لو أعيدت العلاقات لاحقاً، فإن الثقة لن تستعاد بعد كل ما جرى، خصوصاً أن أمين عام الحزب وقبل الحديث مع فرنجية، أبلغ باسيل بدعم رئيس تيار المردة، وطلب منه التعاون والموافقة، على أن تتم تلبية كل مطالبه، لكنه رفض. بالنسبة إلى الحزب فإن باسيل أصبح في مكان آخر، عقله ومصلحته على الجهة النقيضة للحزب.
بموجب هذا الكلام، يمكن استنتاج أن تبني ترشيح المعارضة لأي شخصية لا يمكن أن يقود إلى عقد جلسة، إلا في حال كان هناك ثقة بأن دورتي الانتخاب لن تشهدا حصول مرشح المعارضة على 65 صوتاً. فالجلسة تعقد في حال كان فرنجية هو صاحب الأكثرية. أما دون ذلك فلا مجال لترك شخصية أخرى تحوز على عدد أصوات أعلى من فرنجية، لأن الرجل حينها قد يفكر بالانسحاب. وهذا ما لا يريده حزب الله.
في المقابل، وبحال اتفقت المعارضة مجتمعة على اسم جهاد أزعور للرئاسة مثلاً، بما في ذلك أصوات اللقاء الديمقراطي، والتيار الوطني الحرّ، والقوات اللبنانية، وعدد من نواب التغيير، بالإضافة إلى نواب حزب الكتائب، وكتلة تجدد وعدد من المستقلين والنواب السنّة، فهذا بلا شك سيقود إلى إرباك حزب الله وحركة أمل، لأنه سيكون هناك مخاطر من إمكانية حصول المرشح على 65 صوتاً من الجلسة الثانية. فيما حسابات الثنائي الشيعي ستتركز على نقطة أساسية، وهي الحصول على ضمانة بعدم إمكانية نيل مرشح المعارضة 65 صوتاً، كي تتوفر ظروف عقد الجلسة. وبحال تحقق ذلك، فتوقعاتهما تشير إلى حصول المرشح المعارض على أقل من 59 صوتاً.
بكركي واستقطاب النواب
إثر الاتفاق على مرشح المعارضة، يفترض أن يتم الإعلان عن ذلك من بكركي، حسب معلومات جدية، ليكون ذلك في إطار الضغط لأجل عقد جلسة انتخابية، لا سيما أن البطريرك الماروني وخلال لقاءاته في الفاتيكان ومع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شدد على ضرورة عدم تجاوز رغبة المسيحيين وإرادتهم. وشدد على ضرورة انتخاب رئيس يؤيدونه. فيما تفهم الفرنسيون ذلك من دون الالتزام بأي موقف آخر، ومن دون التخلي عن الاستراتيجية التي تعمل وفقها فرنسا، مع التشديد على مبدأ أن باريس تؤيد ما يتوافق عليه اللبنانيون.
في هذا الإطار، ستفتح الأبواب، أمام لعبة من عض الأصابع، وفتح صناديق كثيرة من الإغراءات لاستقطاب النواب من هنا وهناك، من خلال وعود بضمانات ومكاسب متعددة، في محاولة لتجيير أصواتهم لصالح أحد المرشحين. ولكن في حال عقدت الجلسة ولم يحقق أي مرشح الأصوات اللازمة للفوز، فلا بد من الأخذ في الحسبان أن المناورات ستتكاثر، وبذلك ستكون قراءة الثنائي الشيعي واقعية حيال مسألة المناورة التي ستقدم عليها المعارضة في محاولة لإسقاط ترشيح فرنجية، والتخلي عن المرشح الجديد، في مقابل الذهاب للبحث عن مرشح ثالث.
لكن بالنسبة إلى الحزب أيضاً، فحتى الآن هناك رفض للذهاب إلى مثل هذا السيناريو، على قاعدة أن من لا يقتنع الآن فإن الوقت كفيل بإقناعه. وتعليقاً على مطالبات بعض القوى المسيحية من فرنسا بتغيير سياستها واستراتيجيتها في لبنان، تجيب المصادر القريبة من الحزب: “ليست فرنسا من تغيرت، بل المنطقة هي التي تتغير. على اللبنانيين معرفة ذلك”.