من المتوقّع أن يكون هناك عددٌ من الخطوات التي ستقوم بها حكومة تصريف الاعمال تجاه نظيرتها السورية فيما يخص ملف النازحين السوريين. وهذا الأمر يأتي على خلفية الضغط الكبير الذي أصبح يُشكّله النزوح السوري في لبنان على الاقتصاد وحتى على الكيان اللبناني، ولكن أيضًا نتيجة التقارب العربي – الخليجي مع نظام الرئيس السوري بشّار الأسد. وهو ما دفع الحكومة إلى أخذ القرار بتشكيل وفد وزاري لزيارة دمشق، والبحث في عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
بالطبع، لا أحد يشكّ في العبء الإقتصادي والإجتماعي لوجود النازحين في لبنان. وإذا كانت براعة الوزراء اللبنانيين خلال وجودهم في دمشق لبحث عودة النازحين، تعتمد على مدى قدرتهم على طرح أفكار عملية لآلية العودة، إلا أن الرفض الأممي لعودتهم والرفض الأميركي للتطبيع مع نظام الرئيس السوري، يجعل من مهمّة الوفد اللبناني غير مضمونة النتائج. فهل هذه الزيارة هي مضيعة للوقت؟
الجواب ليس بالسهل، ولكن هناك من يقول إن على حكومة تصريف الاعمال أن تطرق أبوابا أخرى وبالتحديد باب واشنطن، التي لا تزال تفرض عقوبات على سوريا، وبالتالي فإن أي إجراءات على صعيد عودة النازحين قد يُغضب واشنطن، ويدفعها إلى أخذ إجراءات بدورها بحق المسؤولين اللبنانيين. وهو ما يدفع إلى القول إن هذه الزيارة لن تؤتي بنتيجة عملية على الأرض، بإستثناء التصريح عن العودة الطوعية .
عمليًا، عودة النازحين السوريين تتطّلب موافقة دولية، ليس فقط من باب الخوف من العقوبات، ولكن أيضًا من باب الدعم المالي الذي يجب أن يواكب هؤلاء النازحين، الذين يحتاجون إلى أكل وشرب ومكان لإيوائهم في سوريا. فمن سيموّل هذه العملية؟
لكن، وبفرضية أن حكومة تصريف الاعمال نجحت بإعادة قسم من النازحين، فإن هذا الأمر لا يكفي لإخراج لبنان من مأزقه الإقتصادي والمالي. فالدولة اللبنانية بحاجة إلى إقرار إصلاحات أساسية على الصعيد المحلّي، تطال الشق الإقتصادي والمالي والمصرفي والنقدي والإجتماعي والقانوني والإداري. فهل الساحة اللبنانية جاهزة لمثل هذه الإصلاحات؟ الجواب بالطبع كلا! فالصراع الطاحن على رئاسة الجمهورية يُجمّد أي عمل إصلاحي، خصوصًا أن هناك تطورات خارجية تتمثّل بملاحقات قضائية وعقوبات قد تفرض في الفترة المُقبلة على شخصيات سياسية من عالم الأعمال، وهو ما سيُعقّد الأمر بشكلٍ ملحوظ، ومعه ستطير الإصلاحات إلى حين إيجاد مخرج سياسي.
الحكومة التي تسعى بما أمكنها من القيام بأي شيء لتمرير هذه المرحلة، عاجزة عن القيام بإجراءات فعّالة لدرء المخاطر وبالتحديد الإصلاحات الإقتصادية، نظرًا إلى الطعن بشرعية قراراتها من قبل بعض القوى السياسية، ونظرًا إلى خضوعها لرحمة القوى السياسية التي تُشكّلها. من هذا المُنطلق، نرى أنه ومع حسن نية الحكومة ورغبة رئيسها وأعضائها القيام بإجراءات إصلاحية، إلا أن طبيعة حكومة «المحاصصة» تجعلها غير قادرة على القيام بما تريد.
عمليًا، الاقتصاد اللبناني يُقاوم الأزمة، لكن على طريقته! فالإقتصاد النقدي أثار مخاوف العالم من عمليات تبييض أموال على نطاق واسع، من خلال إدخال المال الوسخ في الماكينة الإقتصادية من باب النشاطات الإقتصادية، وهو ما تغضّ السلطات اللبنانية العين عنه مع «قبّة باط» دولية، من باب إعطاء فترة سماح لمدة عام لتنفيذ إجراءات لمكافحة الاقتصاد النقدي.
إذا، هناك فترة سماح للبنانيين لمدة عام ستستمر فيها الأمور على ما هي عليه، إلى حين تنفيذ الإجراءات لوقف الاقتصاد النقدي أو فرض عقوبات وعزل لبنان على الساحة المالية الدولية، مع ما لذلك من تداعيات على الإستيراد والتصدير وتحويل الأموال. فماذا ستفعل حكومة تصريف الاعمال خلال هذا الفترة؟ الجواب هو أن القرار ليس بيدها بل بيد القوى السياسية الأساسية على الساحة اللبنانية. وبالتالي حتى لو نجحت الأمور فيما يخص إعادة النازحين السوريين (وهو أمر مُستبعد)، فإن الإصلاحات هي جبهة صراع جديدة ستضع القوى السياسية اللبنانية وجهًا لوجه، مع خسارة الوقت والمال وزيادة الخسائر على المواطن والإقتصاد.
على الصعيد المالي، فإن الحكومة ستواجه منذ الآن فصاعدًا مُشكلة تمويل أجور القطاع العام، التي كان يؤمّنها مصرف لبنان. وإذا كانت أجور شهر حزيران تتأرجح بين الحكومة والمجلس النيابي، إلا أنه من المتوقّع أن يتمّ تمويلها، لكن الأمر لن يكون سهلًا إبتداءً من شهر تموز.
على الصعيد النقدي، من المتوقّع إستقرار سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، وإستطرادًا سعر الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية على منصة صيرفة، وبالتالي إستقرارًا نسبيًا في أسعار السلع والبضائع، اللهم إلا إذا قرّر التجار غير ذلك. إلا أن مرحلة ما بعد حاكم المركزي رياض سلامة لن تكون سهلة، خصوصًا إذا عدّل البديل السياسة النقدية في ظل غياب إجراءات إصلاحية من قبل الحكومة والمجلس النيابي. وإذا كان الحديث عن إلغاء منصة صيرفة قد إنتشر في الإعلام في المرحلة الأخيرة، إلا أننا نرى أن مثل هذا الإجراء سيجعل الدولار يصل إلى مستويات فلكية، وستفقد الحكومة والمصرف المركزي أي سيطرة على الدولار الأميركي، وسيكون الأمر مُغامرة إنتحارية معروفة النتائج سلفًا.
أما على الصعيد القضائي، فنرى أن التدخل السياسي في العمل القضائي، يُلقي بثقله على الإطار الإقتصادي، وستكون النتيجة الحتمية ضعف الثقة في الاقتصاد، وهو ما ينعكس حكمًا ضعفًا في الإستثمار – أساس النمو الإقتصادي. هذا الأخير هو الوحيد الكفيل بإخراج لبنان من أزمته الإقتصادية، إذ أن المساعدات الدولية تُشكّل دفعا للإقتصاد عملًا بنظرية الـ Big Push التي تنص على أن المساعدات الدولية (سواء كانت قروضا ميسرة أو هبات)، هي فقط للدفع ولا يُمكنها أن تحل محل النمو الإقتصادي.