انتهى “أربعاء العتبتين” ببلوغ المرشّح جهاد أزعور عتبة الـ60 بحصوله على 59 صوتاً، والمرشّح سليمان فرنجية عتبة الـ50 بحصوله على 51 صوتاً. كلّ طرفٍ من الطرفين الداعمَين للمرشّحَين فعل ما هو قادر على فعله، وبالتالي بات ما بعد 14 حزيران ليس كما قبله، إذ لم يعد من النافع عدّ الأصوات ولا إحصاؤها.
عادت السعودية إلى المربّع الأوّل: “لا مرشّحاً رئاسياً لها”، وفرنسا اتخذت الموقف نفسه وعيّنت وزير خارجية سابق خبير في الشؤون الخليجية مبعوثاً خاصّاً للبنان، فيما إيران لا تريد الاشتباك مع السعودية ولا مع فرنسا. لقد انتقلت المعركة الرئاسية من عتبة المجلس إلى عتبة خارج الحدود.
لم يُسفِر الضغط الفرنسي-الأميركي “الناعم” قبل ساعات من انعقاد جلسة “المواجهة الكبرى” عن حَرفها عن مسارها المتوقّع مع “ميني” مفاجأة تمثّلت في الأصوات الـ 51 التي نالها سليمان فرنجية التي عكست استنفاراً للثنائي الشيعي لرفع رصيد رئيس تيار المردة مع “استبسال” أكبر في منع وصول جهاد أزعور إلى عتبة الـ 60 صوتاً.
تفيد معطيات “أساس” أنّ نواب كتلة “الطاشناق” الثلاثة صوّتوا لفرنجية مع ترجيح تصويت الياس بو صعب وجان طالوزيان له أيضاً. فيما فشلت رهانات داعمي أزعور في منحه أكثر من 59 صوتاً، وهذا يعني أنّ نواب التيار الوطني الحر الـ 17 لم يلتزموا جميعهم بالتصويت لوزير المال السابق.
لكنّ العِبرة الكبرى في “دَرس” الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية تكمن في أنّ أزعور كان يمكن أن يكون رئيساً للجمهورية من الدورة الثانية، لو بقيت الجلسات مفتوحة، من خلال تحفيز “لوبي” المؤيّدين له.
تفيد معطيات “أساس” أنّ نواب كتلة “الطاشناق” الثلاثة صوّتوا لفرنجية مع ترجيح تصويت الياس بو صعب وجان طالوزيان له أيضاً
في هذا السياق بدا لافتاً تأكيد النائب أحمد الخير (أعلن تصويت التكتّل الوطني المستقلّ والاعتدال الوطني بعبارة لبنان الجديد) أنّه “لو جرت دورة ثانية كان لدينا مرشّحنا”، مشيراً إلى “أنّنا سنصوّت لمرشّح في الدورة الأولى من الجلسة المقبلة وسنعلن اسمه قريباً”.
بين باريس وواشنطن حياديّة الرياض
من خلف الخطوط بدا فرنجية مرشّح باريس شبه المعلن، وأزعور مرشّح واشنطن غير المُعلَن، فيما عكَس معسكر النواب الخارجين عن الاصطفافين في جزءٍ منه حياديّة الرياض وعدم انخراطها في الكباش الرئاسي.
بالأرقام كان يمكن لستّة من هذا المعسكر الذي توزّع نوابه بين: جوزف عون (1)، زياد بارود (6)، لبنان الجديد (8)، ورقة بيضاء (1)، و”الورقة الضائعة”، أن يزركوا الفريق الداعم لفرنجية أكثر في الزاوية ويُحرجوه بفرض حصول الدورة الثانية، إذ إنّ نيل أزعور 65 صوتاً يختلف عن الـ 59 صوتاً لأنّه النصاب الدستوري للفوز بالدورة الثانية، والأهمّ دفْع هذا المحور إلى إعادة حساباته في شأن التمسّك بترشيح رئيس تيار المردة.
مع ذلك، بدا فريق أمل-الحزب مع حلفائهما متمترساً خلف ورقة فرنجية مع تغليفها بالدعوة المتجدّدة إلى الحوار والتفاهم. وكان موقف نائب الحزب حسين الحاج حسن واضحاً في هذا السياق: “حقّنا الدستوري تعطيل النصاب بسبب الانقسام الحاصل، فيما سبق للفريق الآخر أن لوّح بهذا الخيار. مرشّحنا ما يزال سليمان فرنجية ومستعدّون للحوار، وهم لديهم مرشّحهم، ولا بد أن يحصل حوار حول التفاهمات والقضايا الوطنية الكبرى”، فيما تحدّث النائب علي حسن خليل عن “حِلف صلب يحمل مشروعاً سياسياً واقتصادياً”، مؤكّداً “انتصار المشروع أكثر من مسألة العدد في مقابل تقاطع لقوى سياسية ينقصه المشروع وينتهي بانتهاء الجلسة”. ووصل الأمر بخليل إلى حدّ القول: “فرز الأصوات تفصيل لا قيمة له”.
طرح فارق الثمانية أصوات بين فرنجية وأزعور وتفلُّت 18 صوتاً من قبضة “الجبهتين” تساؤلاتٍ عن ديمومة “التقاطع” الذي جَمَعَ التيّار الوطني الحر وقوى المعارضة على ترشيح أزعور. استبق عدوان أيّ استنتاج بالتأكيد أنّ “تقاطعنا مع التيّار الوطني الحر هو على كلّ الجلسات. مكَفْيِين بمعركة أزعور للآخر والتيّار معنا”.
منذ لحظة تطيير النصاب ستكون كلّ الاحتمالات واردة بما في ذلك احتمال التوافق على أيّ مرشّح آخر قد يكون بارود أو عون أو غيرهما
هذه اللوحة الرئاسية يصعب جدّاً أن تنتج رئيساً على المدى القريب وتكمن خطورتها في تكريس واقع “المُعسكَرين” ببعدهما الطائفي والتخويني مع تجاهل للغة الأرقام: إذ إنّ 59 نائباً صوّتوا لأزعور مع الـ 18 نائباً (الحياديّين) يشكّلون كتلة من 77 نائباً ضدّ فرنجية. ومجموع 51 نائباً صوّتوا لفرنجية مع الـ 18 يشكّلون 69 نائباً صوّتوا ضدّ أزعور. وفي كلتا الحالتين ستعجز أيٌّ من هاتين الكتلتين عن تأمين نصاب الثلثين للانتخاب (86 نائباً) من الدورة الأولى، كما أنّ بلوك فرنجية وبلوك أزعور عاجز، بالتوازنات الحالية، عن تأمين أكثرية الـ 65 صوتاً لوحده.
سيناريو تطيير الجلسة
أتى التزام رئيس مجلس النواب نبيه برّي بـ”محاولة الحفاظ على النصاب وعقد جلسات انتخابية مفتوحة”، في سياق طلب أميركي مباشر عشيّة الجلسة من خلال مستشارة وزير الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، لكن لم يلتزم رئيس مجلس النواب ولا النواب “الممانعون” ولا مفاتيح القرار بـ “تقدير” الإدارة الأميركية للسير بهذا الالتزام.
كان سيناريو تطيير الجلسة هذه المرّة أكثر فظاظة. إذ بعد 11 جلسة رئاسية فاشلة بات للثنائي الشيعي مرشّح بالصوت والصورة، لكنّ البلوك الشيعي اختار الهرب من احتمال فوز خصمه الذي كان يحتاج إلى ستّة أصوات فقط وكان يمكن لنواب من فريق الـ 18 أن يمنحوه أصواتهم.
أوّل المتسلّلين من الجلسة النائب ميشال المر منفّذاً إملاءات عين التينة ثمّ كرّت السبحة بخروج معظم نواب أمل والحزب وحلفائهما هاتفين “هيّا إلى الحوار”.
أمّا قضيّة “الصوت الضائع” فلم تكلّف رئاسة مجلس النواب نفسها عناء إعادة فرز الأصوات. قال برّي حرفيّاً: “صوت بالزايد أو بالناقص ما بأثّرش على النتيجة”. لم يفهم اللبنانيون ولا النواب ولا الإعلاميون أين صبّ هذ الصوت، ثمّ خرج النائب عبد الرحمن البزري مؤكّداً أنّ “لبنان الجديد” نال تسعة أصوات لا ثمانية.
تجلّى الوجه الآخر للجلسة الرئاسية التي أتت “على المنخار” من خلال دخول مرشّحين الملعب الرئاسي وإن على سبيل المناورة وجسّ النبض، وهما قائد الجيش جوزف عون (اقترع له النائب إيهاب مطر) والوزير السابق زياد بارود (عبد الرحمن البزري، أسامة سعد، شربل مسعد، و3 من التغييريين والمستقلّين بينهم الياس جراده وسينتيا زرازير).
منذ لحظة تطيير النصاب ستكون كلّ الاحتمالات واردة بما في ذلك احتمال التوافق على أيّ مرشّح آخر قد يكون بارود أو عون أو غيرهما. لكنّ مناخات أمس أوحت بتصلّب متبادل يشير إلى مزيد من التعقيد الرئاسي إلا إذا أتت رذاذات الحلّ من باريس التي تشهد لقاء قمّة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان يوم الجمعة المقبل.