التأم سينودس أساقفة الكنيسة المارونية في دورته العادية من 7 إلى 17 حزيران 2023 في الكرسي البطريركي في بكركي بدعوة من صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، وحضور أصحاب السيادة المطارنة والاكسرخوس الوافدين من أبرشيات لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار حاملين في قلوبهم شؤون وشجون أبنائهم وانتظاراتهم وتطلعاتهم.
شاركوا في مرحلة أولى، من 7 إلى 10 حزيران 2023، في الرياضة الروحية التي ألقى عظاتها الأب إلياس الجمهوري الراهب اللبناني في موضوع “ملامح الأسقف في الكنيسة في تفكير البابا بنديكتوس السادس عشر”.
وفي مرحلة ثانية، من 12 إلى 17 حزيران 2023، استهلّها صاحب الغبطة والنيافة بكلمة افتتاحية استعرض فيها جدول الأعمال، ولفت إلى أنه بسبب الأضرار الجسيمة اللاحقة بشعبنا تتخذ الأوضاع الراهنة وقتها اللازم”.
وبعد أن صلّى الآباء معًا، وأصغوا لصوت الله وإلهامات الروح القدس، تدارسوا شؤونًا كنسية وراعوية واجتماعية ووطنية، وناقشوها بروح أخوية ومشاركة مجمعية. واتخذوا التدابير الكنسية المناسبة.
وفي الختام، صدر عن المجمع بيانٌ جاء فيه، “في الشأن الوطني إن تراكم الأحداث في لبنان والأخطاء السياسية والجرائم المالية والتمادي في سياسة الفساد خلال العقود الثلاثة الأخيرة أدّى إلى تهالك الأخلاق والقيم على صعيد الحياة الاجتماعية والسياسية والإعلامية، وإلى تفكك الدولة على صعيد سلطاتها ومؤسساتها وإداراتها حيث تمكّنت طبقة سياسية غالبًا ما تقوم على الزعاماتية الزبائنية من وضع يدها على الدولة اللبنانية مسخّرةً مؤسساتِها ومقدراتها لمصالحها الخاصة، ولو على حساب الشأن العام وحقوق المواطنين”.
وتابع البيان، “أدى أيضًا إلى ارتفاع نسبة الهجرة لدى الشباب اللبناني، وإلى الافتقار إلى فرص العمل وتثقيل المهجّرين السوريين الأعباء على خزينة الدولة، وعلى المواطنين في سوق العمل والهدر الخدماتي والتهديدات التربوية والأمنية والديمغرافية. وبات لبنان اليوم يعاني من أزمة مصيرية تكمن عقدتُها الكبرى في الاستهتار المتمادي عند البعض بوجوب إتمام استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية يتبعه تشكيلُ حكومة تضع في أولوياتها تنفيذَ الإصلاحات الملحة”.
واستكمل، “لذا إننا ندعو السادة النواب إلى القيام بواجبهم الوطني والدستوري وانتخاب رئيس للجمهورية، ثم الإسراع في تشكيل حكومة مؤهلة وقادرة تمتلك برنامجًا إصلاحيًا ديناميًا بحيث يكتمل عقد السلطات، ويتأمّن توازنها وتعاونها بإرادة وطنية جامعة”.
وأشار إلى أنَّ، “الآباء يؤيدون تأييدًا كاملاً مواقف أبيهم صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يقوم بالمساعي الحثيثة لتعميق التفاهمات بين جميع اللبنانيين، وقد أكدت هذا المساعي من جديد على دور البطريرك المؤتمن التاريخي على كيان لبنان ووحدة أبنائه، وعلى دور بكركي التي كانت وستبقى دارًا للتلاقي والحوار بين كل الأطراف اللبنانيين، ويدعونه إلى متابعة هذه المساعي لجمع اللبنانيين وإقامة الحوار فيما بينهم، حوار المحبة في الحقيقة، لأن هذا الحوار بات ضروريًا من أجل قراءة نقدية لأحداث الماضي وتنقية الذاكرة وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة”.
كما يؤكد الآباء على، “مواقفهم الداعية إلى وعيٍ وطني وصحوة ضمير لدى جميع المسؤولين السياسيين ليتعالوا عن مصالحهم الشخصية والفئوية الضيّقة، ويعملوا للخير العام ومصلحة لبنان العليا في الظروف الراهنة التي تشهد تحوّلات جيوسياسية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وعلى تمسّكهم بالثوابت الوطنية، أي العيش المشترك والميثاق الوطني والدستور والصيغة التشاركية بين المكوّنات اللبنانية في النظام السياسي وتطبيقها بشكل سليم. فيعملون معًا على بناء دولة حديثة بكل مقوماتها، أي دولة وطنية لبنانية جامعة، دولة قانون وعدالة، دولة مشاركة، ودولة مواطنة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، دولة تحترم تنوّع الانتماءات الدينية تحت سقف الانتماء الوطني والولاء للوطن، كما كان يردّد البطريرك إلياس الحويك”.
وفي الختام توجّه الآباء إلى أولادهم المنتشرين في كل أصقاع الأرض بالقول: “أنتم تطلبون منا، نحن الرعاة، شهادة حيّة في عيش خدمتنا الراعوية على مثال المسيح، وأننا نسمع صراخكم وأنينكم، ونتحسّس وجعكم في ظروفنا المأساوية، ونسعى إلى أن نقوم بموجبات الرعاية، ونقول لكم إن الكنيسة هي أمّ تحضن أبناءها وبناتها بحنان وعطف، وتسعى إلى خدمتهم بمحبتها وتضحيتها تطالبونها بالكثير، وهي تضع كل إمكاناتها في خدمتكم، وترافقكم وتحمل همّكم”.
وأضاف الآباء، “بالرغم من الأوضاع الكارثية التي تدعو إلى اليأس، لدينا الكثير من العوامل التي تدعونا إلى الرجاء: وهو يتجلّى في شبابنا، وعائلاتنا، وأمهاتنا ونسائنا، وكهنتنا، ورهباننا وراهباتنا، وأساقفتنا، إنهم هنا صامدون معكم في وجه تجربة الهجرة أو الاستسلام، ويتجلّى أيضًا في أبنائنا وبناتنا في بلدان الانتشار الذين هم جزء لا يتجزأ من تاريخنا وتراثنا ومستقبلنا، ويشكّلون اللوبي الروحي والاقتصادي والسياسي لكنيستنا وبلداننا”.
وتابعوا، “رجاؤنا كبير بالمسيح الذي غلب العالم بموته وقيامته، وقال لنا: لا تخافوا! أنا معكم إلى منتهى الدهر. وهو لا يخيّب من يرجونه! إنه الطريق والحق، والحياة سنبقى في أرضنا شهود المحبة وأنبياء الحق، ثابتين في إيماننا ورجائنا، والكنيسة لن تسكت عن الظلم، وستبقى صوت الحق يعلو في وجه سالبيه، وتسعى مع أبنائها وبناتها إلى تحقيق ملكوت الله في العالم، ملكوت المحبة والعدالة والأخوّة والسلام، بشفاعة العذراء مريم رفيقة دربنا، وجميع قديسينا شفعائنا في السماء”.