قرار مقاطعة الجلسات التشريعية بالمطلق يحتاج إلى إعادة النظر به، من ناحية تقييم نتائجه، سلباً أوإيجاباً، وتداعياته على الأوضاع المتردية في البلد، وظروف الشلل الذي تعاني منه المفاصل الأساسية في الإدارات العامة، ويزيد من تدهور هيبة السلطة الشرعية، وفقدان المزيد من فعاليتها.
لا شك أن هذا القرار الذي تم إتخاذه من معظم الكتل المسيحية والتغييرية وبعض المستقلين، في الأسابيع الأولى للشغور الرئاسي، كان له ما يبرره، بالنسبة للضغط بهدف إستعجال إنتخاب الرئيس العتيد.
بعد ثمانية أشهر من إقفال قصر بعبدا، وفشل عمليات الإنتخاب في إثنتي عشرة جلسة نيابية، تبين أن التأخير الحاصل في إنهاء الشغور في منصب رئيس الجمهورية، ليس سببه إنعقاد الجلسات التشريعية، بل إستفحال الخلافات بين الكتل الكبيرة في مجلس النواب، والذي أدى إلى هذا الإنقسام العامودي في البلد، فضلاً عن عدم قدرة أي من الفريقين المتنافسين على تأمين أكثرية ٦٥ صوتاً لمرشحه.
الإستمرار في مقاطعة الجلسات التشريعية إذن، أصبح عنصر تأزيم إضافي في تعقيدات الإنهيارات المتلاحقة، والتي تُمسِك بخناق الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، بغض النظر عن طوائفهم، ومهما كانت إنتماءاتهم السياسية أو المناطقية، ويُفاقم من عجز حكومة تصريف الأعمال في تخفيف المعاناة عن الناس، لأنها تفتقد في كثير من الأحيان إلى الغطاء التشريعي، للحفاظ على تبقى من دستورية وقانونية القرارات التي تضطر لإتخاذها، لمواجهة الضغوط المتصاعدة يومياً، تحت وطأة الأزمات التي يتخبط فيها البلد، وفي مقدمتها إعتمادات رواتب الموظفين.
لا نقول أن قرار مقاطعة التشريع كان خطأً، والرجوع عن الخطأ فضيلة. بل نعتبر أن هذه الخطوة التي فرضتها الأسابيع الأولى للشغور الرئاسي، تحتاج اليوم إلى إعادة النظر، وإجراء تقييم أكثر واقعية لنتائجها.