مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب في عام 2017، ارتفعت كتلة رواتب القطاع العام إلى نحو 12 تريليون ليرة. في حينه، كان هذا الرقم يساوي بالدولار الرسمي (1,500 ليرة) قرابة 8 مليارات دولار.
لكن بعد الأزمة، بدأ سعر صرف الدولار بالارتفاع تباعاً قبالة الليرة، وصولاً إلى حدود 100 ألف ليرة (وصل إلى 145 ألفاً لأيام ثمّ انخفض إلى 93 ألفاً حالياً).
كان هذا الارتفاع يأكل، سنة بعد سنة من قيمة رواتب القطاع العام في لبنان، التي وصلت قيمتها إلى أدنى مستوى لها في عام 2021، إذ انحدرت إلى ما يقترب من 650 مليون دولار فقط، أي بفارق 7.35 مليارات دولار. وهذه خسرتها الرواتب من قدرتها الشرائية. ثمّ عادت تلك الكتلة إلى الارتفاع بعد ذلك…
– في عام 2019: وهو عام الأزمة، كانت الرواتب تقدَّر بنحو 12 تريليون ليرة لبنانية سنوياً، أي 1 تريليون شهرياً، وهذا يعني أنّ الدولة اللبنانية كانت تدفع 8 مليارات دولار رواتب وأجوراً (بحسب الدولية للمعلومات).
– في عام 2020: بدأ سعر صرف الدولار بالارتفاع، فبلغ معدّله السنوي نحو 5,000 ليرة للدولار الواحد، بينما كتلة الرواتب بقيت ثابتة عند 12 تريليون ليرة، أو ما يعادل 2.5 مليار دولار، فوفّرت الدولة اللبنانية بذلك، إذا صحّ القول، نحو 5.5 مليارات دولار في تلك السنة.
– في عام 2021: كانت الذروة، إذ وصل معدّل سعر الصرف إلى نحو 18,250 ليرة، لكنّ الرواتب بقيت كما هي أيضاً. وهذا يعني أنّ كتلتها، قياساً إلى سعر صرف “السوق الموازي”، وصلت في حينه إلى قرابة 657 مليون دولار. وبمعنى آخر، وفّرت خزينة الدولة رواتب وأجوراً بنحو 7.34 مليارات دولار.
– في عام 2022: طرأت أولى الزيادات على رواتب القطاع العام، فحصل الموظفون على زيادة راتبين، أي أنّ كتلة الرواتب ارتفعت من 1 تريليون إلى 3 تريليونات ليرة لبنانية شهرياً، أو 36 تريليون ليرة سنوياً. في حينه كان معدّل سعر صرف الدولار السنوي بحدود 38 ألف ليرة، وهذا يعني أنّ كتلة الرواتب عادت لترتفع من 657 مليون إلى 947 مليون دولار سنوياً. ظلّ الوفر السنوي على خزينة الدولة بحدود 7.053 مليار دولار.
– في عام 2023: أضافت الحكومة إلى الرواتب والأجور، ما معدّله 4 رواتب فوق الثلاثة التي حصل عليها القطاع العام في عام 2022، وبدأت بدفعها مع بداية الشهر الخامس. فبلغت كتلة الرواتب 12.4 تريليون ليرة عن أوّل 4 أشهر من العام الحالي، وستكون 56.8 تريليون للأشهر الثمانية اللاحقة، أي ما مجموعه 69 تريليون ليرة. وإذا اعتبرنا أنّ معدّل سعر صرف الدولار هذا العام هو 100 ألف ليرة، فإنّ كتلة الأجور تناهز هذا العام 750 مليون دولار. أيّ أنّ المبلغ ما زال يتراوح تحت المليار دولار، ويستمرّ الوفر في تجاوز الـ7 مليارات سنوياً.
– في عام 2024: إذا واصل سعر صرف الدولار استقراره عند عتبة 100 ألف وما دون (93 ألفاً)، واكتفت الحكومة بهذا القدر من الزيادات للقطاع العام، فإنّ كتلة الرواتب ستستمرّ على هذا الحال، وستكون قرابة 7 تريليونات ليرة لبنانية شهرياً، أو نحو 84 تريليوناً سنوياً، وهي تعادل بالدولار الأميركي نحو 900 مليون دولار في السنة. أي أنّها ستظلّ تراوح تحت المليار، بانخفاض نسبته 88.75 %. أي أنّ الدولة تدفع فقط 11.25% من قيمة ما كانت تدفعه قبل الأزمة. وضحايا هذا الرقم هم الموظفون .
قد يسأل سائل: ما علاقة الدولار وسعر صرفه برواتب موظّفي القطاع العام؟ الجواب البديهي على هذا السؤال بسيط، وبمعزل عن الدخول في تفاصيل الحسبة بين وزارة المالية ومصرف لبنان، ودون الخوض في قدرة الدولة على توفير هذه الإيرادات، في الوقت الحالي… خلاصة الإجابة أنّ الدولة تدفع الرواتب بالدولار الأميركي عبر منصة “صيرفة”، ويبدو أنّها ستستمرّ بذلك.
عليه فإنّ حسبة مصرف لبنان للرواتب، بوصفه الجهة التي تتحمّل المسؤولية اليوم بالنيابة عن الحكومة (إلى حدّ كبير)، قائمة على سعر صرف الدولار. كما أنّ هذا السؤال، ثمّ الإجابة عليه، يقوداننا بدورهما إلى بحث آخر. فإذا كان مصرف لبنان يجمع الدولارات من السوق الموازي من أجل تسديد تلك الرواتب بالدولار، فإنّه يجمعها بسعر السوق، ويدفعها بسعر “صيرفة”، وهذا لم يعد خافياً على أحد.
بناءً على هذه القاعدة، فإنّ الفرق بين السعرين اليوم هو قرابة 7,000 ليرة لبنانية، أي أنّ مصرف لبنان الذي يقول إنّه استطاع أن يرسي توازناً بين لعبة شراء الدولارات وبيعها، يتكبّد خسارة من 7,000 ليرة في كلّ دولار يشتريه لرواتب القطاع العام (112 ليرة على حسبة الـ1,500 قبل الأزمة).
بمعنى آخر، تبلغ خسارته من كتلة الرواتب المقدّرة بـ900 مليون دولار، قرابة 6.3 تريليونات ليرة لبنانية في السنة (أو 67 مليون دولار سنوياً)، خصوصاً إذا بقي الهامش بين “صيرفة” والسوق السوداء عند هذه الحدود. وهذا رقم ليس صغيراً وحسب، بل هو أشبه بمزحة، إذا قيس بمبلغ الـ8 مليارات، قيمة سلسلة الرتب والرواتب، التي سرّعت في الانهيار قبل انتخابات “الرشوة” في 2018.